قضايا وآراء

دقت ساعة الحقيقة

حمزة زوبع
"الرئيس الأمريكي يعلن عن مبادرة لإنقاذ وجه الكيان الصهيوني وإنقاذ نفسه وحزبه وإنقاذ عملائه في المنطقة العربية، ونتنياهو"- جيتي
"الرئيس الأمريكي يعلن عن مبادرة لإنقاذ وجه الكيان الصهيوني وإنقاذ نفسه وحزبه وإنقاذ عملائه في المنطقة العربية، ونتنياهو"- جيتي
"تعليقا على المقترح الذي طرحه الرئيس بايدن للوصول إلى وقف إطلاق النار صرحت بأنه من الضروري أن نرى مدى جدية واستجابة قوة الاحتلال للمقترح.. وفي كل الأحوال فإن الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة يقتضي من الجانب الفلسطيني الارتقاء فوق الآلام والأحزان التي خلفها العدوان الإسرائيلي الغاشم والتعامل بذهن إيجابي مع المقترح، بهدف الوصول إلى إنهاء العدوان ووقف معاناة المدنيين الفلسطينيين وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع ومن ثم البدء في إعادة إعمار ما خربته وهدمته آلة الحرب الإسرائيلية" (تغريدة نشرها الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط صباح يوم الرابع من حزيران/ يونيو 2024).

ما يهمني في هذه التغريدة هو ذاك الطلب أو الرجاء أو الأمنية التي تمناها الأمين العام لجامعة الدول العربية من حماس التي سماها "الجانب الفلسطيني" بالتعامل بذهن إيجابي مع مقترح بايدن، وقد قلت لنفسي: الحمد لله لقد عشت اللحظة التي يترجّى فيها الأمين العام لجامعة الدول العربية حماس بأن تقبل مقترح الرئيس الأمريكي بايدن، وبدا لي وأنا أقرأ التغريدة بأنها أُرسلت إليه من البيت الأبيض في إطار حملة التوسلات التي انتشرت منذ الجمعة الماضية دعما لمقترح أو مبادرة نتنياهو كما قال بايدن، واعتبرها نتنياهو مقترحا أمريكيا لا يعبر تماما عن أفكاره. وانتهى الأمر بالبيت الأبيض بالبحث عن دعم للمبادرة أو المقترح، فلا كبرياء نتنياهو يقبل بقبول مبادرة تعني الاستسلام، ولا ثقة حماس في ربها وفي قدرتها على الصمود في الميدان يجعلها تقبل أي شيء دون وقف للحرب وانسحاب الجيش الصهيوني وإعادة المهجرين ودخول المساعدات، قبل أي حديث عن الأسرى.

مشكلة الدول العربية المتصهينة أنها صورت لأوروبا وأمريكا أن القصة كلها تتلخص في التخلص من الإسلام السياسي وفي القلب منه الإخوان المسلمين الذين تراهم عدوها الأول، وبالتالي سوقت لأوروبا أن هذا الخطر سيأتي على حضارتكم وينهي وجودكم، وهكذا فعلت هذه الدول مع دولة الكيان إذ شجعته على التخلص من حماس (مرة وللأبد)

مرت ثمانية أشهر على الحرب الصهيونية العالمية التي تقودها دولة الكيان على شعب فلسطين ودخلت الحرب شهرها التاسع؛ ولمّا تظهر في الأفق أي علامة على قدرة جيوش الأعداء المدعومة عربيا وأوروبيا أحيانا على النيل من المقاومة، ولا تحقيق أي هدف من أهداف الحرب التي أعلنها قائد عصابة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، فلا الأسرى تم تحريرهم، ولا حماس رفعت راية الاستسلام ولا هي تركت غزة وحدها، بل لا تزال حماس والمقاومة في قلب العمل الميداني العسكري والميداني الخدماتي. وكما صرح غازي الحمد، عضو لجنة التفاوض وعضو المكتب السياسي لحماس، لبرنامج الحكاية الذي يقدمه عمرو أديب قبل يومين؛ فإن دولة الكيان تعاني في كافة الأحوال، سواء استمرت في الحرب أو أوقفتها، وأنها أمام خيارات صعبة لأنها لم تحقق أيا من أهدافها التي أعلنت عنها، كما أنها لا تستطيع تحريك شيء في غزة دون حماس، فلا القبائل ولا الوجهاء ولا البسطاء ولا التكنوقراط يرغبون في التعامل مع الكيان في غزة.

مشكلة الكيان الصهيوني والدول الداعمة له وعلى رأسها أمريكا؛ هي نفس مشكلة الدول العربية المتصهينة التي ظنت جميعها أن الحرب في غزة هذه المرة ستكون مختلفة وأنها ستكون النهاية، وهذا في ظني ما جعل الدول العربية المتصهينة تبادر بدعم قوت الاحتلال وانتظار لحظة إعلان هزيمة حماس، وهي الدول التي أخّرت انعقاد القمة العربية الأولى إلى 11 تشرين الأول/ نوفمبر 2023، أي ما بعد شهر تقريبا من العدوان، وهي التي حجمت قرارات القمة العربية الثانية في أيار/ مايو العام الجاري في انتظار إعلان دولة الكيان الحسم والبدء في تنفيذ خطة "ما بعد حماس". والحقيقة أن هذه الدول مجتمعة أصبحت في حيص بيص بسبب الصمود الأسطوري للمقاومة والفشل الصهيوني الذي تتحدث به الركبان في كل مكان.

مشكلة الدول العربية المتصهينة أنها صورت لأوروبا وأمريكا أن القصة كلها تتلخص في التخلص من الإسلام السياسي وفي القلب منه الإخوان المسلمين الذين تراهم عدوها الأول، وبالتالي سوقت لأوروبا أن هذا الخطر سيأتي على حضارتكم وينهي وجودكم، وهكذا فعلت هذه الدول مع دولة الكيان إذ شجعته على التخلص من حماس (مرة وللأبد)، وزينت له سوء عمله وصورت له أنها معه وأنها ستُحكم القبضة على الشارع العربي والباقي عليه في غزة.

تصور هذه النظم أن المقاومة في فلسطين تشبه إلى حد كبير "التنظيمات" أو "التيارات" في معظم البلاد العربية هو تصور خاطئ، فالتيار الإسلامي في البلاد العربية تيار سياسي مدني يؤمن بالتغيير السلمي ولا يوافق على استخدام العنف في التغيير، ولعل ما جرى في ثورة يناير 2011 في مصر خير مثال لذلك، فقد تم ضبط بوصلة المتظاهرين بالملايين على التغيير السلمي حتى تم إجراء الانتخابات الرئاسية في عام 2012، ولولا ذلك لغرقت مصر وتونس في بحر من الدماء. وللحقيقة فالبعض لا يزال يعاير التيار الإسلامي بسلميته ويراها (أي السلمية) منقصة وأن الثورة يلزمها القوة، وأن عنف الثورات مبرر في مواجهة عنف السلطات غير المبرر لعقود، وهو تصور يمكن قبوله في ظروف معينة وفي توقيتات محددة وليس على الإطلاق.

تصورت النظم المستبدة التي شجعت نتنياهو أن معركته مع حماس والمقاومة في فلسطين تشبه معركتهم مع التيار الإسلامي، وأن عنف السلطات غير المحدود وغير المؤاخذة عليه يمكن تكراره وبنجاح في غزة، وبالتالي صار القضاء على حماس هدفا مشتركا

تصورت النظم المستبدة التي شجعت نتنياهو أن معركته مع حماس والمقاومة في فلسطين تشبه معركتهم مع التيار الإسلامي، وأن عنف السلطات غير المحدود وغير المؤاخذة عليه يمكن تكراره وبنجاح في غزة، وبالتالي صار القضاء على حماس هدفا مشتركا، فالاحتلال والاستبداد يريدان انهاء وجود التيار الاسلامي المناضل سياسيا والمقاوم عسكريا.

وفي رأيي أن صهاينة العرب ومستبديهم من الحكام قد قدموا دون وعي منهم أكبر هدية لحماس والمقاومة وللأمة والعالم الحر؛ بأن صوروا لنتنياهو ورفاقه أن التخلص من حماس هو نزهة كتلك التي جرت في مصر منذ 2013، ذلك أن نتنياهو الطامح للبقاء في حكم دولة الكيان إلى نهاية عمره صدق ما قيل له، واعتقد أنه بالإمكان القضاء على حماس إذا ما أعمل القوة والبطش في ظل تحجيم السلطات العربية لشعوبها وسيطرتها على منافذ الإعلام، وتقديم الدعم العسكري والتجاري للكيان في حربه على المقاومة الإسلامية.

طاشت الحسابات وخابت التوقعات وأصبح الجميع في ورطة؛ العرب المتصهينون الذين اعتقدوا أن التيار الاسلامي انتهى ومعه ستنتهي المقاومة، واليهود الصهاينة الذين خدعهم دعم الحكام المستبدين والبيت الأبيض والحكومات الغربية المعادية للعرب والمسلمين، واليوم وبعد انتهاء ثمانية أشهر انقشع الغبار وظهر أن ما تحته لم يكن أبدا فارسا ولا حصانا.

ظهر العجز الصهيوني المدعوم بكافة أشكال الدعم، وظهرت قوة المقاومة كما لم تظهر من قبل في تاريخ الصراع العربي الصهيوني على مدار ما يقارب الثمانين عاما، وتبين للحكام المتصهينين أن القضاء على الفكرة الإسلامية بشقيها المسالم والمقاوم هو أمر عبثي يكلفهم الكثير ويشعل نار المقاومة عبر العالم، وأنها فكرة ولدت لتبقى باعتراف ساسة الغرب وجزء من منظريه السياسيين.

تبين لأمريكا سيدة العالم أنها أوهن من أن تقاوم ثورة الطلبة في جامعاتها، وأضعف من تواجه نتنياهو بحقيقة خسارته للحرب، وأقل من أن تواجه القانون الدولي ومحكمة العدل ومحكمة الجنايات الدولية، وباتت تُرى وحيدة ومنبوذة ومكروهة في دهاليز الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهي تستخدم الفيتو تلو الآخر من أجل إنقاذ دولة الكيان من ورطتها وعزلتها.

دقت ساعة الحقيقة، وعلم كل أناس مشربهم ومأكلهم وقبلتهم التي يتوجهون إليها، قد علم أهل الحكم المتصهينين في قصور الحكم في بلاد العرب أنهم في معزل عن الناس وليسوا في عصمة من الغضب القادم بلا أدنى شك، وأن قبلتهم التي يتوجهون إليها باتت في مأزق ويكاد البيت الأبيض أن يسقط على رؤوس ساكنيه، والكيان الذي لطالما أنقذهم من شعوبهم لا يجد من يخرجه من ورطته في مواجهة المقاومة.

الرئيس الأمريكي يعلن عن مبادرة (زعم أنها من الكيان) لإنقاذ وجه الكيان الصهيوني وإنقاذ نفسه وحزبه وإنقاذ عملائه في المنطقة العربية، ونتنياهو الذي لا يستطيع تحديد معنى النصر ولا كنهه يكذّب بايدن على الملأ ويتبرأ من المبادرة وينفي أن يكون وافق على وقف الحرب والانسحاب، وأمريكا تعيد التذكير بالمبادرة وتطلب دعم ذيولها في المنطقة عبر إصدار بيانات تحيي جهود الوسطاء؛ بينما هي عاجزة عن اقناع من قالت إنه صاحب المبادرة

ساعة الحقيقة قادمة ونعيش اليوم علاماتها وأماراتها الكبرى، فالحلف الذي قام بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو في المنطقة بين قادة الانقلابات وتجار النفط والغاز وقادة العصابات الصهيونية بدعم وغطاء أمريكي؛ بات على المحك، ولو تابعت عن قرب الذي جرى من مساجلات بين نتيناهو وبايدن خلال الحرب على غزة وخصوصا الأيام الأخيرة؛ فسوف تدرك أنهم جميعا في مأزق عنوانه "حماس هي السبب"، كما قال وزير الخارجية الأمريكي بلينكن مرات والمتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي مرات ومرات. وهذا صحيح، فلولا مقاومة المقاومة وعلى رأسها حماس لكنا وجدنا زعماء العالم العربي والغربي المتصهين يرقصون في تل أبيب فرحا بهزيمة المقاومة الإسلامية، ولزرعت القنوات القضائية بمحللي الزور وجنرالات الحروب الورقية يمتدحون القوة العسكرية الصهيونية ويُدينون تهور حماس وعدم تقديرها للموقف ولقوة العدو الجبارة.

الرئيس الأمريكي يعلن عن مبادرة (زعم أنها من الكيان) لإنقاذ وجه الكيان الصهيوني وإنقاذ نفسه وحزبه وإنقاذ عملائه في المنطقة العربية، ونتنياهو الذي لا يستطيع تحديد معنى النصر ولا كنهه يكذّب بايدن على الملأ ويتبرأ من المبادرة وينفي أن يكون وافق على وقف الحرب والانسحاب، وأمريكا تعيد التذكير بالمبادرة وتطلب دعم ذيولها في المنطقة عبر إصدار بيانات تحيي جهود الوسطاء؛ بينما هي عاجزة عن اقناع من قالت إنه صاحب المبادرة.. هل مر عليك في التاريخ مثل هذا الارتباك ومثل هذا التخبط؟ ها هم اليوم كلهم مرتبكون إلا حماس والمقاومة، وها هم اليوم يصدرون بيانات تصل إلى حد التوسل يطالبون فيها حماس بأن تقبل بالمبادرة، وهم يعلمون أن حماس وافقت من قبل على المبادرة التي وافقت عليها دولة الكيان ولكن نتنياهو أصر على تمزيق المبادرة ودخول رفح، وهو اليوم لا يدري كيف سيخرج من رفح ولا من عموم غزة أو كيف سيبقى فيها، لذا فهو يحتاج إلى من يساعده في الخروج، ولكنه مثل كل الحكام المستبدين الأغبياء؛ يمنعه غروره من التسليم بحقيقة الأمر والاعتراف بالحقيقة، وهي أنه هُزم هو وجيشه.
التعليقات (0)