نشرت صحيفة "
التلغراف" البريطانية تقريرًا
تحدثت فيه عن سبب فوات الأوان لوقف
الحرب العالمية الثالثة، وذلك وفقا لأحد كبار
المؤرخين العسكريين البريطانيين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن التنبؤ بحروب المستقبل من الممكن أن يؤدي إلى إنتاج أوهام
خطيرة تعمل على تعزيز القلق بشأن أمن المستقبل، ومن المرجح أنه حتى التشخيص الأكثر
منطقية يكون خاطئا.
ووفق الصحيفة؛ فقد أدى تطوير الأسلحة
النووية إلى
تغيير كبير في شروط أي صراع عالمي مستقبلي؛ فلا شك أن هناك خطط طوارئ أعدتها
القوات المسلحة في كل مكان لمواجهة مجموعة من الاحتمالات التي كان يمكن اعتبارها
خيالية في العالم الحقيقي، ورغم أن التاريخ قد يساعدنا على التفكير في شكل الحرب
المستقبلية، إلا أننا نادرا ما نتعلم من دروس التاريخ.
ومع ذلك؛ فإن السؤال حول الكيفية التي قد تندلع بها
حرب عالمية ثالثة يطاردنا اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية
الأخيرة. إن مجرد التخمين هو دليل على توقعاتنا بأن الحرب من نوع ما تظل حقيقة في
عالم يتسم بعدم الأمان المتعدد. وتشكل الصراعات في أوكرانيا وغزة وميانمار
والسودان تذكيرًا بهذا الواقع الحاضر دائمًا. وتشير التهديدات المنتظمة من جانب
روسيا بشأن استخدام الأسلحة النووية إلى أن خيالاتنا قد لا تكون بعيدة كل البعد عن
الواقع.
وفي محاولتنا التنبؤ باندلاع حرب مستقبلية، ربما
ينبغي لنا أن نطرح سؤالاً آخر: لماذا نشن الحرب في الأساس؟ لقد كانت الحرب سمة
مميزة للتاريخ المسجل بأكمله تقريبًا، وقد سبق العنف الحربي إنشاء الدول الأولى.
ويظل السؤال الأساسي المطروح هو السبب وراء تطوير البشر للنزعة القتالية إلى جانب
قدرتهم على التعاون الاجتماعي.
اظهار أخبار متعلقة
إنه اللغز الذي تصارعت معه العلوم الإنسانية طوال
معظم القرنين العشرين والحادي والعشرين. وبالنسبة لعلماء الأحياء التطورية وعلماء
النفس، كانت الحرب وسيلة للإنسان المبكر لضمان البقاء وحماية الأقارب والتعامل مع
الأزمات البيئية.
وبينت الصحيفة أن أي عالم أحياء بشري ليس لديه شك
حاليًّا في أن العنف موجود في جيناتنا، ولكن من شبه المؤكد أن أشباه البشر
الأوائل، المنظمين في مجموعات صغيرة من الصيادين وجامعي الثمار أو الصيادين،
استخدموا العنف للحماية من المتسللين، وتأمين الموارد والغذاء، وفي بعض الأحيان
للعمل كحيوانات مفترسة في المجتمعات المجاورة. إن اللجوء إلى العنف كأحد عناصر
أدوات البقاء للإنسان المبكر أصبح معياريًا نفسيًا، فضلًا عن أنه مفيد بيولوجيًا.
وفي هذه القراءة، يعتبر القتال أمرًا متأصلًا بعمق في التنمية البشرية.
ومع ذلك، فإن هذا الرأي يتحدى العلوم الأخرى، التي
ترى أن الحرب ظاهرة مرتبطة بتطور الثقافات المستقرة والأنظمة السياسية، سواء كانت
قبيلة أو دولة أولية أو دولة؛ فلم تكن الحرب مثل الحرب الحديثة، حيث كانت منظمة في
جيوش جماعية ومزودة بالصناعات العسكرية، ولكنها اتخذت أشكالًا متنوعة، تشمل غارة
مميتة، أو مواجهة طقسية، أو مذبحة، مثل عمليات القتل في ناتاروك، التي يعود
تاريخها إلى القرن التاسع قبل الميلاد.
وذكرت الصحيفة أنه من الواضح أنه لم يكن من الضروري
أن تكون هناك دولة للانخراط في العنف، كما أظهرت الحرب القبلية في مئات السنين
القليلة الماضية، لكن الحرب تعني ظهور نخبة محاربة وثقافة يتم فيها تقدير الحرب
وتأييدها. لقد كان هناك عدد قليل جدًا من الثقافات التي لم تلعب فيها الحرب دورًا،
وعادةً ما تكون دورًا مركزيًا، في حياة المجتمع.
وأفادت الصحيفة بأن الحروب تُشن دائمًا من أجل شيء
ما، سواء كان ذلك إرضاء الآلهة عن طريق أسر الأسرى لإعدامهم أو التضحية بهم، أو
طمعًا في الموارد، أو الحروب من أجل المعتقد، أو فرض السلطة على الآخرين، أو البحث
عن مزيد من الأمن، أو مجرد حرب دفاع ضد حيوان مفترس. وقد ظل هذا المزيج من الدوافع
ثابتًا بشكل ملحوظ.
اظهار أخبار متعلقة
وحسب الصحيفة؛ يعد الاستيلاء على الموارد دافعًا
واضحًا للحرب، وهو تفسير يمتد من الرومان القدماء عندما دمروا مدن العدو واستولوا
على العبيد والكنوز ودفعوا الجزية، إلى القوات اليابانية في سنة 1942 عندما استولت
على النفط والمواد الخام في جنوب شرق آسيا اللازمة لشن المزيد من الحروب.
وتمتد الحروب العقائدية لآلاف السنين؛ بدءًا من
الفتوحات الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أوائل العصور الوسطى، وعصر
الحروب الصليبية المسيحية التي أعقبت ذلك، إلى حملات الجهاد الحالية للإسلام
المتشدد.
ونقلت الصحيفة عن توماس هوبز قوله في كتابه الطاغوت
سنة 1651، إن الأمن معرض للخطر دائمًا في عالم فوضوي حيث لا توجد قوة مشتركة واحدة
لفرضه. وتشكل الحدود أساس المخاوف الأمنية وانعدام الثقة، كما تظهر الحربان في
أوكرانيا وغزة اليوم. لكن الحدود الصينية الطويلة مع البدو الرحل على السهوب
والحدود الشاسعة للإمبراطورية الرومانية المتأخرة كانت أيضًا مواقع لانتهاكات
مستمرة ومعارك دفاعية وحملات عقابية.
وربما يكون السعي إلى السلطة هو التفسير الأكثر
شيوعا للحرب، وهو التفسير الذي يحظى بشعبية خاصة بين علماء السياسة وعلماء الاجتماع.
وترى نظرية انتقال القوة؛ التي ظهرت لأول مرة في ذروة الحرب الباردة، سباقًا
مستمرًّا بين القوى المهيمنة الكبرى حيث تحاول إحداهما تجاوز قوة الأخرى. ويقال إن
السباق قد ينتهي بالحرب حيث تسعى قوة متراجعة إلى حماية موقعها، أو تسعى قوة صاعدة
إلى الحلول محلها.
وأفادت الصحيفة أنه في وقت من الأوقات، تم تطبيق
النظرية على الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لكنهما لم يشنا أبدًا الحرب ضد
بعضهما البعض؛ والآن يتم تطبيقه على الحرب المحتملة بين الولايات المتحدة والصين،
والتي أصبحت السيناريو المفضل لأولئك الذين يتوقعون صراع القرن الحادي والعشرين.
ومع ذلك، تعمل هذه النظرية بشكل سيئ. لقد بدأت الحربان العالميتان بمهاجمة قوة
كبرى لقوة أقل أهمية، ومن ثم قامت بجر قوى أخرى إلى هذه الدوامة. وقد يحدث هذا
بالفعل مع تايوان، كما يحدث بالفعل مع أوكرانيا.
وتنجح القوة في تفسير ذلك عندما يتحول التاريخ إلى
الأفراد الذين دفعوا أنفسهم ليصبحوا الغزاة العظماء، والرجال الذين حشدوا الدعم من
شعوبهم لغزو غير محدود. ولكن طالما أنهم يقودون، وهناك أشخاص على استعداد
لاتباعهم، فإن الحرب غير محدودة ومدمرة على نطاق واسع. وهذا هو التفسير الأكثر
خطورة والذي لا يمكن التنبؤ به لاستمرار الحرب، وهو يغطي السجل التاريخي بأكمله،
وهو واحد من المؤشرات الأكيدة على أن الحرب لا يزال لها مستقبل وكذلك ماض طويل.
واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن حروب المستقبل
تعتمد على تراث قاتم. وهذا التراث هو السبب الرئيسي الذي يجعل من الممكن تصور حرب
مستقبلية. والحقيقة المحزنة هي أن فهمنا لأسباب حدوث الحروب لم يسهم حتى
الآن إلا قليلاً في تجنب الحرب باعتبارها عنصرا دائما في الشؤون الإنسانية.