طلب الملك
المغربي، محمد السادس، الجمعة،
فتوى، من المجلس العلمي الأعلى، بخصوص المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة
مدونة الأسرة (قانون الأسرة)، وذلك استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي، ومقاصده السمحة.
وبحسب بلاغ للديوان الملكي، اطّلعت عليه "عربي21" فإن توجّه الملك المغربي إلى رئيس المجلس العلمي الأعلى، أتى عقب انتهاء الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة من مهامها داخل الأجل المحدد لها، ورفع مقترحاتها إلى الملك، الذي اقتضى، بالنظر لتعلّق بعض المقترحات بنصوص دينية، إحالة الأمر إلى المجلس العلمي الأعلى.
وأشار البلاغ نفسه، إلى أنه وفقا للفصل 41 من الدستور المغربي، فإن المجلس العلمي الأعلى، هو الجهة الوحيدة المؤهّلة لإصدار الفتاوى التي تُعتمد رسميا.
كذلك، دعا الملك محمد السادس، المجلس العلمي الأعلى، وهو يُفتي فيما هو معروض عليه من مقترحات، استحضار مضامين الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى رئيس الحكومة، الداعية إلى "اعتماد فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء، في ظل الضابط الذي طالما عبر عنه جلالته، من عدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال".
تطمين المجتمع المغربي
من جهتها، قالت الأكاديمية
والحقوقية المغربية، الدكتورة نزيهة امعاريج، إن "هذه الخطوة تحمل بشارات للمجتمع
المغربي وتطمين له على احترام مرجعيته الإسلامية، واختياراته المذهبية، وانتمائه الحضاري،
وأن المرجعية الإسلامية مُقدمة في هذه التعديلات، وخاصة ما يتعلق بها من أحكام مصدرها
نصوص قطعية لا تحتمل التأويل هذا مع الانفتاح على المشترك الإنساني فيما لا يتعارض
مع الشريعة السمحاء".
وأضافت، في تصريح لـ"عربي21"، أن "مدونة الأسرة بهذه
الصورة التي أشار لها الملك ستعزز استقرار الأسرة المغربية، وستعمل على تجاوز الخلل في المدونة السابقة،
وستجنب المجتمع المغربي الفوضى والصراعات الأيديولوجية التي يرفضها المجتمع".
وحول موعد الإعلان الرسمي عن إصدار المدونة الجديدة،
أضافت امعاريج: "لا أحد يستطيع التنبؤ بهذا الموعد على وجه التحديد؛ فهو مسألة
من صلاحيات ملك البلاد".
ولمدة أشهر مضت، ومنذ اللحظة الأولى من إعلان الرّغبة في تعديل مدوّنة الأسرة، أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، تصدّر المشهد المغربي، جملة من الآراء والمرجعيات المختلفة، ما أدّى إلى اشتعال فتيل النقاش والخلاف، على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي؛ بالنظر إلى حجم أهمّية هذا القانون، بالنسبة لجميع المواطنين المغاربة.
اظهار أخبار متعلقة
وبين من كان يطالب بتعديلات تتماشى مع "المرجعية الإسلامية" ومن كان يُطالب بـ"الاجتهادات وفقا لتغييرات المجتمع الذي بات حداثيا"، علَت الأصوات وتضاربت، واحتدم النقّاش، الذي وصل لـ"تراشق الاتهامات".
في هذا السياق، كانت "عربي21" قد رصدت جُملة من المنشورات والتغريدات التي أكّد فيها أشخاص مغاربة على مطالبهم، وأبرزوا خلالها مخاوفهم؛ والانطلاقة من صفحة الحملة الرقمية، على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، التي عرفت آلاف المتابعين في غضون أيام قليلة، وجاء في جُل منشوراتها تعليق يقول: "المطلوب هبّة شعبية ينخرط فيها عموم المغاربة، تُذكر بشروط تعديل مدونة الأسرة التي جاءت في الخطاب الملكي، والضمانات التي أعطاها ملك المغرب لشعبه".
وأضاف التعليق نفسه، الذي وُضع على جل منشورات صفحة الحملة الرقمية: "هبّة شعبية تكون على شكل تسجيلات مصوّرة تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، لا تتعدى دقيقة أو دقيقتين، يعلن فيها المسلم المغربي موقفه بكل وضوح"، حيث أرفقت بعدد من الوسوم، أبرزها: "ما تقيس عائلتي"، و"لن أحل ما حرم الله"، و"لا لمدونة بمرجعية لا دينية"، و"نعم لمدونة أسرة إسلامية"؛ فيما توالى التعبير عن الرغبات، وكذلك استرسلت التوضيحات على صفحة الحملة، حيث يتم توضيح الفرق بين التشريع الإسلامي في القضايا المتعلقة بالأسرة وبين التشريع القانوني "الحداثي".
كذلك، أعرب المتفاعلون مع هذه الحملة الرقمية، التي عرفت انتشارا واسعا، عن تخوفاتهم مما وصفوه بـ"طغيان الفكر الحداثي على تعديلات المدونة، واستيراد قيم غربية لتدبير شؤون الأسرة المغربية المسلمة"، مؤكدين على "ضرورة انتصار التعديلات لشرع الله"؛ فيما كان يُطالب آخرين، على حسابات أخرى بـ"المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث"؛ فاحتدم النقاش بين الطرفين لأشهر طِوال.
وقبل أشهر، قال بيان الديوان الملكي المغربي، أن الملك أرسل رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية، عبد العزيز أخنوش، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، ورفع التوصيات إليه في غضون ستة أشهر، فيما أسند الملك المغربي "الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع".
اظهار أخبار متعلقة
ودعا الملك المغربي، خلال البيان الذي وصل "عربي21" نسخة منه، إلى أن "تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين".
إلى ذلك، كان وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، قد أكد في آيار/ مايو التزامه بالقيام بإصلاحات جديدة وصفها بأنها "المعركة الأخيرة لإنهاء إقصاء وسوء معاملة النساء المتراكم في البلاد منذ سنوات".
تجدر الإشارة إلى أن آخر مدونة للأسرة، للمغرب، قد تم سنّها في عام 2004، وكانت آنذاك، قد أدخلت تغييرات كبيرة فيما يخص عددا من الأمور الرئيسية مثل الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال. فيما كان قانون الأحوال الشخصية لعام 1958 يسمح للرجل بتعدد الزوجات دون اشتراط موافقة زوجته (أو زوجاته) الحالية، وكان حق المرأة في الطلاق مقيدًا بشدة، ولم يكن مسموحا للمرأة الزواج دون موافقة الوصي القانوني (الولي).