أتضايق أحيانا حينما أستمع إلى أحفادي وهم
يتحدثون فيما بينهم بالإنجليزية ولا يتحدثون باللغة العربية رغم أنهم يتقنونها. ثم أتذكر أنهم جميعا ولدوا
هنا في بريطانيا. وتلقوا تعليمهم كله من الروضة إلى الجامعة هنا في بريطانيا. وأنهم
يفكرون ويتصرفون كما يتحدث ويتصرف الإنجليز وكما تعلموا.!
حرصت منذ الأشهر الأولى للهجرة على أن يتلقى
إبني الأصغر حينها هاني وكل أحفادي بعد ذلك دروس اللغة العربية والدين الإسلامي عن
طريق مدرسين خصوصيين كان معظمهم من مصر الشقيقة من المقيمين في بريطانيا، كان
من بينهم مدرس مصري عرفته عن طريق صديق عربي مقيم هنا في بريطانيا.
بدأ ذلك المدرس القدير. تعليم هاني الكتابة
باللغة العربية فكتب له كلمةُ "باب" وطلب منه أن يملأ الصفحة بتكرار
كتابة تلك الكلمة لكي يتعود الكتابة باللغة العربية. فوجئ المدرس بأنً التلميذ
هاني قد أكمل تلك المهمة في وقت قياسي لم يصدقه وجاء يبشرني بعبقرية ابني العزيز وسرعته
في التعلم.!
سألت هاني: كيف أكملت الكتابة بهذه
السرعة.!؟ فكانت المفاجأة .!! كان الأستاذ قد علم هاني كيف يكتب كلمة باب من اليمين إلى اليسار حسب
الأصول العربية، تعب هاني في كتابة الكلمة الأولى من اليمين إلى اليسار كما طلب
المدرس ولكنه سرعان ما وجد الحلـ، فبدأ يكتب تلك الكلمة من اليسار إلى اليمين
مبتدئا بالباء الأخيرة بدلا من الباء الأولى في كلمة باب.!
وهكذا تمكن من ملء الصفحة بتلك الكلمة وبتلك
الطريقة التي تعود بها كتابة الكلمات باللغة الإنجليزية من اليسار إلى اليمين وليس
العكس في ذلك الوقت القياسي الذي أذهل مدرس هاني. ! ولم يصدق مدرس هاني أن
هاني كان على ذلك القدر من الذكاء.! ومن معرفة مثل تلك الحيل وهو في تلك السن
المبكرة.!!
كانت المدرسة القريبة من بيتنا في ضاحية
ويمبلدون جنوب غرب لندن مدرسة تابعة للكنيسة فسجلت إبني هاني فيها دون أن أعلم ما
كان يجري فيها. وبعد عدة أسابيع لاحظت أن
هاني يستعمل علامة الصليب قبل الأكل.! و عندما سألته لماذا يفعل
ذلك قال لي بالإنجليزية القحة إن ذلك ما تعلموه في المدرسة عن طريق القسيس الذي
يعلمهم دروس الدين كل يوم خميس.!
مشكلة الجيل الجديد من المهاجرين الليبيين والعرب الذين ولدوا و تربوا ويعيشون في بيئة مختلفة قد تكون متقدمة و لكنها قد تؤثر في طريقة حياتهم وتفصلهم عن بيئتهم الوطنية الأصلية وقد تبعدهم قليلا عن القيم والتقاليد التي نشأ عليها آباؤهم وأمهاتهم.!
شرحت لهاني أننا نحن معشر المسلمين لا
نستعمل الصليب ولكننا نقول: بسم الله. وعلمته أن المسيح هو رسول
من رسل الله وليس هو الرب كما يقول أتباعه.! وكما قيل لهاني.
ويبدو أن الطفل هاني قد اقتنع بما قلته له
وقال لي بعد أول خميس إنه قد ذكر ذلك للقسيس الذي يأتي للمدرسة كل خميس لتقديم درس
الدين للتلاميذ وقال هاني للقسيس إن المسيح هو رسول الله و ليس هو الله.!!
قال لي هاني إن القسيس قال له إنه يحترم
رأيه في السيد المسيح ولكنه أي القسيس يعتقد أنه هو الرب،
ولم يصدق هاني ذلك.!
وحتى لا تتطور الأمور إلى الأسوأ بين هاني
والقسيس قررت الذهاب إلى مدرسة هاني يوم الخميس التالي و طلبت من القسيس إعفاء
هاني من درس الدين لأنه تلميذ مسلم ولا داعي لتشويش أفكاره.!
وافق القسيس على ذلك ولم يعد هاني يحضر درسه
كل يوم خميس، ولم يعد يستعمل علامة الصليب عند الأكل وصار يقول مثلنا بسم الله.!
مشكلة الجيل الجديد من المهاجرين الليبيين
والعرب الذين ولدوا وتربوا و يعيشون في بيئة مختلفة قد تكون متقدمة ولكنها قد
تؤثر في طريقة حياتهم وتفصلهم عن بيئتهم الوطنية
الأصلية وقد تبعدهم قليلا عن القيم والتقاليد التي نشأ عليها آباؤهم وامهاتهم.!
هذه المشكلة جديرة بلفت النظر إليها ومحاولة
إيجاد الحلول المناسبة لها من ذوي الاختصاص من علمائنا وأهل الفكر فينا. ومن هنا جاءت هذه الفكرة. وندعو الله سبحانه وتعالى
أن يهدينا جميعا سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة لله تعالى وبركاته.
*كاتب وباحث
ليبي مقيم في بريطانيا