كانت النية معقودة في أول الأمر أن أكتب
مقالا واحدا حول مقولة "الإبراهيمية وخطورتها في عمليات التطبيع الصهيوني
والثقافة المتصهينة"، إلا أن طرق هذا الموضوع جعلني ألتفت إليه التفاتا عظيما
لخطورته، وهو لا يقف عند باب التطبيع فحسب، بل تجاوزه بكثير في صورة تحالف قادم
يتعاظم البناء عليه والدخول من أوسع الأبواب لفتح ملفات التحالف التطبيعي الذي
يوالي الكيان الصهيوني ويدفع الآخرين للدخول إليه تحت غطاء ديني..
وخطورة الأغطية
الدينية تلك في فتح أبواب ظلت موصدة وتسُرع من الدخول منها ضمن تحالف يتجاوز مجرد
مشاريع مفردة أو منفردة في عمليات التطبيع، وهي خطورة ما بعدها من خطر، فالتعامل
مع مثل تلك المقولات بحسن نية لا يجوز ومداخل غفلة وتلبيس لا يجب معها قبول
التلبيس والتغرير والتزوير على الحقائق والسير في طريق مليء بالمفخخات الفكرية
والمخدرات المعرفية والأغطية الدينية.
ولعل هذا نهج أراد منه كل من هم في زمرة
الفاعلين والمؤيدين والداعمين، أن يقوموا على تصفية القضية الفلسطينية ضمن أدوات
طمس وأدوات إحلال لمفاهيم خطيرة مثل "الإبراهيمية" في استخدام سياسي
وتوظيف ديني.
وبالنظر لذلك التحالف المسمى بالبيت
الإبراهيمي فإنه يشكل منظومة متكاملة الجوانب؛ تتداخل فيها وتتفاعل فيما بينها
وتؤدي كل منها إلى الأخرى؛ كما هو مبين في الشكل:
في سياق المدافعة لهذا المخطط الذي تحمله
الإبراهيمية فإنه يجب أن تكون ضمن استراتيجية منظومية متكاملة الأركان؛ وبمقدار ما
تحمله تلك المقولة الإبراهيمية من عناصر وجوانب تشكل في حقيقة الأمر أهم أركان
المخطط والمشروع الصهيوني، وأول الخطوات في ذلك التدافع السنني كضمانة في معركة
الوعي في الحال والوعي بالاستقبال، وتدعم الوعي الفطري لدى عموم الناس الحافز لفعل
الأمة ارتقاءً ونهوضا، واستنفارا وجهادا؛ ومقاومة وتدافعا؛ بما يكافئ حالة الطوفان
الدافقة والدافعة والفاعلة، وحالة الأمة في الغثائية والوهن والهوان والمهانة، هذه
اللحظة الفرقانية تؤكد أن الأمة بين خيارين لا ثالث لهما: فإما أن تقيم على ما هي
فيه من خذلان، أو تنهض نحو المقاومة مسارا والجهاد خيارا استراتيجيا لأمة الشهود
والوسط والخيرية.
إن هذه الجوانب التي تتفتق عنها منظومة
الخدعة الإبراهيمية تتطلب تمكين الوعي في كل تلك الجوانب والميادين؛ إن الوعي
الديني والعقائدي والشرعي هو التأسيس الحقيقي، لهذا الصراع، ومواجهة العدو الغاصب
وعدوانه لا يتأتى إلا من خيار المقاومة وحركة المدافعة وأوعية الجهاد المختلفة
والمتنوعة والمتكاملة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}
[العنكبوت: 69]، إن الوعي الحضاري الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي هي
مسالك متعددة تحفز وعي الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، والقيام بفضح هذا
التحالف الذي يضر بالأمة وحياضها، ويحاول اختراقها مستغلا في ذلك حال الوهن
والهوان والمهانة، كما أن تأسيس عقل استراتيجي للأمة أولا، وعقل استراتيجي للفعل
المقاوم والمجاهد في ميادينه المتنوعة لهو من فرائض الوقت التي تحفز حقائق الوعي
في الأمة، ومسالك المقاومة والجهاد والمجاهدة والمدافعة في مواجهة الكيان الصهيوني
ومشاريعه التي تحملها وتدعمها الأنظمة الرسمية الغربية.
إن الوعي الحضاري الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي هي مسالك متعددة تحفز وعي الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، والقيام بفضح هذا التحالف الذي يضر بالأمة وحياضها، ويحاول اختراقها مستغلا في ذلك حال الوهن والهوان والمهانة
إن على المؤسسات العلمائية بما تمثله من
دارسي الشريعة وما ترفدها من مؤسسات علمية وأكاديمية وبحثية، أن تنهض بأدوارها
الكفاحية والمقاومة في الأمة بما يمكن أن تضطلع به من وظائف فاعلة، وما تقوم به من
أدوار دافعة رافعة ضمن معارك عدة؛ معركة الذاكرة الواعية، ومعركة المعنى الضافية،
ومعركة المغزى المؤسسة للفعل والفاعلية لتؤكد ليس فقط وحدة الساحات كما هو متعارف
عليه، بل كذلك تؤكد على وحدة الميادين والمسالك والسبل في ضوء الوظيفة الكفاحية
للعالم ليحمل لواء هذه المعارك ضمن أصول صناعة الوعي الواعد، وحقائق تدبير السعي الراشد.
لقد مثلت التأليفات والكتابات والدراسات حول
الإبراهيمية تبصيرا بمخاطرها وتأسيسا لمناطات الوعي المختلفة تنوعا والمؤتلفة
تكاملا ضمن سلوك لسبل حركة رشيدة وسعي فعّال فتمثل بذلك منظومة وعي حقيقي ووعي آني
ووعي ممتد مستدام، ووعي استراتيجي مستقبلي ضمن حسابات الضرورة والأضرار، ووعي
بالمآلات والآثار.
ولولا أن استعراض هذه المؤلفات وما تمثله
بحق من كتب قيمة قد تأخذ من مساحات قاموس المقاومة الزمن الطويل والتقصي العميق
الذي يليق بها؛ لكنت قد أفردت لكل كتاب منها مقالا أو أكثر؛ ولكن غاية أمرنا في
هذا أن نذكر بها وفائدة مطالعاتها في بناء الوعي المتكامل الذي أشرنا إليه؛ ولعلها
وفق تصور خريطة الجوانب وخرائط الوعي التي توزعت عليها وانبنت على قاعدة منها؛ قد يكون
رابط كل مؤلف أو مقال فيها على ثغر من ثغور وعي الأمة فبينت وأوضحت؛ وكشفت وفضحت
مراميها الظاهرة والخفية؛ فألقت علي المسامع قولا ثقيلا في الوعي كصناعة ثقيلة؛
وأوصت كل مؤمن بالرسالة أن يأخذ الكتاب بقوة؛ فيؤسس وعيا ويسدد سعيا.
يقع في دائرة الوعي الديني والعقدي والشرعي
المؤسس للرؤية الحضارية للصراع مع العدو الصهيوني من مثل كتاب الشيخ الجليل
الدكتور محمد يسري إبراهيم "الإبراهيمية ضلالة القرن"؛ ولا يتصدى
المسلمون لهذه الضلالة إلا بمثل نشر محكمات العقيدة والشريعة، وتعظيم الوحيين،
والعناية بمؤسسات العلم الشرعي، وتقوية الاعتزاز بالإيمان، ومقاومة الانحرافات
والشبهات، وإحياء القضية الفلسطينية، وتملك أسباب القوة المادية، وتربية الناشئة،
وتقوية مؤسسات الأمة، ومحاربة توظيف الدين لصالح أعدائه!" خاصة أن من حمل هذه
المقولة كما أشار صاحب الكتاب "تجتمع اليوم من مراكز الإبراهيمية حول العالم
نحو ثلاثين مركزا، تسعى جميعا للتبشير بالديانة الجديدة سياسيا واقتصاديا وتنمويا
واجتماعيا ودينيا، وتعتبر البلاد المستهدفة ببناء البيت الإبراهيمي داخلة ضمن "الولايات
المتحدة الإبراهيمية" وقد مضى على تأسيس بعض تلك المراكز أكثر من عشرين
سنة"!.
وكتاب الدكتور إسماعيل علي محمد
"الإبراهيمية بين خداع المصطلحات وخطورة التوجهات"؛ وكتاب الدكتور محمد
عبد المحسن "التطبيع
العربي الإسرائيلي من معسكر داود إلى الاتفاقيات
الإبراهيمية"؛ والشيخ الدكتور حسام الدين عفانة "الديانة
الإبراهيمية" الأبعاد العقدية والسياسية وصلتها بالمشروع التطبيعي
والصهيوني"؛ ومقال "مخالفات الديانة الإبراهيمية وآثارها على العقيدة
الإسلامية" للدكتورة فايقة محمد جاد زيدان.
أما عن الجوانب الثقافية والاجتماعية
والاقتصادية والسياسية والتي تؤول في معظمها إلى رؤية مسيسة تخفي وتتخفى من خلال
تلك الأغطية والأقنعة لتشكل تبريرات وتسويغات لمنطقها المسموم في التطبيع
والتصهين؛ فيقع على رأسها كتاب "الديانة الإبراهيمية وصفقة القرن"
للدكتورة هبة جمال الدين؛ هذا كتاب تحذيري، يتصدَّى لواحدة من أهم وأخطر المؤامرات
التي تُحاك للمنطقة العربية، وتتخذ مدخلًا شديد الخُبث؛ لاختراق الوعي الجمعي من
ثغرة ارتباطه بدينه، وذلك من خلال ما يُعرف بالديانة الإبراهيمية، نسبة إلى نبي
الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ كمحاولة لاختراق الحدود التاريخية والتمهيد لإقامة
ما يُسمَّى بإسرائيل الكبرى!
ومن خلال مناقشة هذه القضية الخطيرة، ترصد
الكاتبة علاقة الديانة الإبراهيمية بصفقة القرن، وبداية تغيير مُسمَّى
الأديان من
السماوية إلى الإبراهيمية، وصولًا لعالمية الدعوة المزعومة، وتحديد مسارات للحج
الديني المشترك، والتخفي وراء ما يُسمَّى بالأخوَّة الإنسانية!
كما تُناقش الكاتبة عددًا من القضايا
المستقبلية المرتبطة بهذا المخطط، كالجينوم البشري، والشعوب الأصلية، ودعوات عودة
اليهود للدول العربية، وكل ذلك في ضوء مخطط الولايات المتحدة الإبراهيمية، الذي
يهدف إلى إعادة ترسيم المنطقة ككل، تمهيدًا لسيطرة الكيان الصهيوني عليها بالكامل.
وواصلت ذات الرؤية؛ حيث كشفت وفضحت ما يسمي
بهتانا وزورا بالدبلوماسية الروحية"؛ تحت عنوان "الدّبلوماسيّة الروحيّة
والمشترك الإبراهيمي ـ المخطّط الاستعماري للقرن الجديد"، وكتاب
"الإبراهيمية وفرض الزعامة الصهيونية على المنطقة" من تأليف عبد الله
إبراهيم الصالح؛ وفي ورقة سياسية أصدرها مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير تحت عنوان
"الإبراهيمية الجديدة خديعة صهيونية أمريكية".
من هنا نرى أن تلك المقولة التي حملها الغرب
لأغراض صهيونية وبترتيب مع المتصهينة العرب قد أقاموا حلفا للصهاينة والمتصهينين
في المنطقة وهو أكثر بكثير من عمليات التطبيع التي سبقت الإشارة إليها، هذا
التحالف الاستراتيجي بغطاء ديني يحاولون فيه تطبيع الوجود الصهيوني بإسناد من
التصهين العربي.