أثار إعلان حركة
حماس في السادس من أغسطس/ آب الجاري، انتخاب قائدها في قطاع
غزة يحيى
السنوار رئيسا لمكتبها السياسي، خلفا للشهيد
إسماعيل هنية، ردود فعل متباينة على الساحة الإقليمية والساحة الدولية أيضا، حتى قيل إن اختياره على رأس المكتب السياسي للحركة كان مفاجأة كبرى، لكن الحقيقة هي ليست كذلك، فالرجل هو زعيم الحركة في غزة وهذه الزعامة تعطيه صفة نائب غير منتخب لرئيس المكتب السياسي فيها، وهو من أسس جهاز الأمن الداخلي التابع لحماس.
كما أن خبرته التي اكتسبها، خلال السنوات التي قضاها في سجون الاحتلال، ودوره الاستراتيجي في التخطيط والتنفيذ في غزوة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، جعلت منه الرجل الوحيد تقريبا في الحركة الذي يجمع بين الأمور العسكرية والسياسية، حتى بات لا أحد يستطيع أن يعقد أمرا من دونه، لا في صفقة تبادل الأسرى والرهائن، ولا في وقف إطلاق النار، ولا حتى في علاقة الحركة مع أي بلد خارجي، وبذلك بات الشخصية الأكثر حظا في هذه المرحلة لتبوء هذا الموقع القيادي.
قيادة حماس في غزة ما زالت قائمة وفاعلة ولديها القدرة على المطاولة
وكان في اختياره هذا رسالة قوية للاحتلال مفادها، أن حماس ماضية في نهج
المقاومة، على الرغم من التكالب عليها، ورسالة أخرى تقول إن قيادة حماس في غزة ما زالت قائمة وفاعلة ولديها القدرة على المطاولة، بل لعل المفاجأة هي أن العدو استطاع اغتيال إسماعيل هنية وهو القائد البعيد عن ساحة المعركة، لكنه فشل في العثور على قيادة حماس الموجودة في الساحة نفسها، التي تتحرك على أرضها كل آلياته العسكرية ومجساته الاستخباراتية الفنية والبشرية، وتغطي سماءها طائراته الحربية والسمتية.
اظهار أخبار متعلقة
يقول وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في تعليقه على انتخاب يحيى السنوار زعيما لحركة حماس، إن السنوار كان ولا يزال صانع القرار الرئيسي في ما يتعلق بإبرام وقف لإطلاق النار في غزة.
وهذا الموقف الأمريكي الذي بدا وكأنه اعتراف بالأمر الواقع، يمكن قراءته على أن على الولايات المتحدة وإسرائيل أن يتعاملوا مع الرجل على رأس حماس من الآن فصاعدا.
كما أن فهم هذا التصريح يتأتى من أن بلينكن على وجه الخصوص على دراية تامة بهذا الموضوع، لأنه يتابع المفاوضات منذ أواخر أكتوبر، والشهيد إسماعيل هنية ويحيى السنوار كانا على اتفاق دائم وقريبين من بعضهما في هذا الملف، ولذلك لم يكن هناك أي قرار يُتخذ، من دون موافقة السنوار، بل إنه في بعض المرات كانت الفرق المفاوضة تنتظر أسبوعا أو أكثر حتى يتيسر الاتصال بالرجل، لأن القرار النهائي لا بد من أن يكون له فيه موقف.
كل الخطوات الأمريكية عن المفاوضات، ينبغي إدراجها في إطار استغفال الرأي العام في الولايات المتحدة والعالم
لكن السؤال الأهم اليوم هو، هل بإمكان الولايات المتحدة أن تضغط على إسرائيل وتجعلها تتفاوض مع الرجل الأول المطلوب منها؟ يقينا أن كل الكلام الأمريكي وكل الخطوات الأمريكية عن المفاوضات، ينبغي إدراجها في إطار استغفال الرأي العام في الولايات المتحدة والعالم، وهي تسعى من وراء ذلك لتمكين إسرائيل لمزيد من الخطوات على أمل الوصول إلى القضاء على كل حركة حماس، أو على الأقل قياداتها ومنهم يحيى السنوار، إلى الحد أنه لم يصدر عن بلينكن أي قول يشير إلى استهداف المفاوض الأول في العملية التفاوضية الشهيد إسماعيل هنية، تلك العملية التي تزعم واشنطن بأنها تدعمها وتسعى إلى إنجاحها.
في حين سمعنا سابقا على أكثر من مستوى في الولايات المتحدة بأنه لو توفرت لديها معلومات استخباراتية عن موقع السنوار وغيره من القادة لما ترددت لحظة واحدة في إرسالها الى إسرائيل.
وهذا يعني أننا أمام إدارة للأمر الواقع وتمكين لإسرائيل، وليس هناك من تغيير في وجهة النظر الأمريكية هذه، فالهدف كان وما يزال في أحسن الأحوال هو تحقيق هدنة مؤقتة كي تتمكن الولايات المتحدة من خلالها، استرداد الرهائن الأمريكيين، وبذلك تتمكن إدارة بايدن من تحقيق نصر إضافي بعد النصر الذي حققته بتبادل السجناء مع روسيا مؤخرا.
إذن لا يمكن الافتراض بأن هذا بحد ذاته سيؤدي إلى تغيير، ولكنه يؤثر بالسردية الإسرائيلية الغالبة في أمريكا، والقائلة بأن إسرائيل تستمر بهذا الفعل الممنهج، وهذا التدمير المتواصل، للضغط على حماس من أجل إخضاعها، ويبدو أن اختيار السنوار يشير إلى خلاف ذلك، بل إنه يعطي انطباعا يقينيا بأن الحركة لن تخضع ولن تساوم على ثوابتها.
وعليه يمكن القول وبثقة تامة، إن المفاوضات ليست صادقة، وهي مجرد وسيلة لاستغفال الرأي العام الداخلي والخارجي، أملا في إتاحة الفرصة لإسرائيل لتحقيق إنجازات على الأرض، كما يتوهمون.
اظهار أخبار متعلقة
وتبقى الولايات المتحدة كاذبة في هذا الشأن على الرغم من إشراك الأطراف العربية فيها. فهل يُعقل أن الولايات المتحدة ليست لديها أية إمكانية للضغط على إسرائيل؟ نعم لديها إمكانية فعل ذلك، ولكن القرار هنا هو تفهّم لرغبة نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتشدد، لان المعركة هي معركة استحقاقات عديدة، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية الأمريكية. فهناك توجه مبني على اعتبارات انتخابية.
إن انتخاب يحيى السنوار على رأس المكتب السياسي لحركة حماس، كان من وحي المرحلة، وفيه تأكيد لجملة من الحقائق في مقدمتها، إمساك السنوار بزمام الأمور في قطاع غزة حربا وسلما، استعداد حماس لحرب طويلة، إن أراد الطرف الآخر ذلك، تصميم حماس على عدم السماح لأحد بانتزاع حقها في إدارة القطاع بعد الحرب، وأن وقف إطلاق النار يمر عبر مرجعية حماس وقائدها يحيى السنوار.
كما أرادت الحركة أن تبعث رسائل واضحة لا لبس فيها من خلال هذا الاختيار، وهي أن الحركة ما زالت متعافية وتستطيع أن تجتمع على رأي واحد، وتتخذ قرارتها بشكل واقعي، عكس ما يظنه البعض من أنها باتت عاجزة عن فعل ذلك بسبب الظرف الحالي.
رسالة ثانية تقول لنتنياهو بأن تصفية هنية الذي كان يوصف بأنه من الحمائم وذو أسلوب براغماتي، قد دفع بشخصية أخرى لمواجهتكم وهو من الصقور ورجل أمني وسياسي وعسكري أيضا.
أما الرسالة الثالثة فكانت تأكيد بأن السنوار ما زال حيا وعلى أرض المعركة. والرسالة الأخيرة هي للشعب الفلسطيني والعربي لرفع الروح المعنوية، والقول إن الزعيم الجديد للحركة هو أحد رمزيات طوفان الأقصى.
إن إيجاد البدائل في الزعامات السياسية والعسكرية في أيام الحرب أمر ليس سهلا، لكن الحركات ذات المكانة الوطنية تستطيع عبور الأزمات بتكاليف أقل حتى في حالة خسارة أحد زعاماتها. ويبدو أن الميدان هو الذي كسب مع اختيار يحيى السنوار زعيما للمكتب السياسي في حركة حماس.
القدس العربي