يدرك ويعرف بنيامين نتنياهو ما يقترفه جيشه من جرائم حرب وضد الإنسانية في
غزة، ويدرك أكثر قوة الحائط الأمريكي والغربي الذي تستند إليه
إسرائيل للإفلات من
العقاب، لذلك لا يكل ولا يمل عن الاجتهاد في تكرار المذابح بحثا عما يحافظ له عبثا
على "انتصارٍ" يتجلى بقوة الجرائم، في محاولة امتصاص ورطة جيشه في غزة،
وفشله في تحقيق أهداف العدوان المتمثلة بتحرير أسراه من قبضة
المقاومة بعد القضاء
عليها. وهو ما تذهب إليه التحليلات الإسرائيلية في الصحف، وآخرها ما أشارت إليه صحيفة
"يديعوت أحرونوت" من حالة إحباط في صفوف الجنود وهيئة الأركان بسبب غياب
هدف سياسي واضح بشأن قطاع غزة، ما يترك الجيش عالقا فيه بعيدا عن أحلام قادة
الاحتلال بهزيمة حركة "حماس" التي تجدد قوتها.
ومن هذا الإدراك الفاشل يُكرر نتنياهو وحلفه الفاشي في الحكومة العودة
للذهنية الصهيونية الدموية الصريحة السلوك في تنفيذ الجرائم المتكررة، للتغطية على
هذا الفشل باللجوء لضرب وسحق المجتمع
الفلسطيني؛ حاضن أبنائه من المقاومين، فكل
مرة تتم تغطية الجريمة الصهيونية بمجزرة جديدة وبإرهابٍ منتشر على كامل مساحة غزة.
كم هو مخجل أن يبتلع النظام الرسمي العربي المذبحة تلو الأخرى، وأن يمتص أحداثا بهذا الجلل، بينما أصدقاء الفلسطينيين وأنصار العدالة الإنسانية أكثر جرأة في التعاطف مع الدم الفلسطيني من بعض النظام العربي
مذبحة الفجر أو مدرسة التابعين في حي الدرج في غزة، ليست الأولى التي
ترتكبها الأيادي الصهيونية المجرمة، وإن كانت تشابه في وحشيتها الحصاد الصهيوني
الوفير من الدم الفلسطيني، لكنها ليست الأخيرة بالتأكيد، وكم هو مخجل أن يبتلع
النظام الرسمي العربي المذبحة تلو الأخرى، وأن يمتص أحداثا بهذا الجلل، بينما
أصدقاء الفلسطينيين وأنصار العدالة الإنسانية أكثر جرأة في التعاطف مع الدم
الفلسطيني من بعض النظام العربي.
وحين تتهم مقرّرة الأمم المتحدة الخاصّة في الأراضي الفلسطينية الإيطالية، فرانشيسكا
ألبانيز، إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" ضدّ الفلسطينيين وتكون حالة
الغضب من جرائم الاحتلال وسياساته العنصرية على الفلسطينيين أعلى في شوارع غربية، تصدر
بيانات عن دول عربية وازنة ومؤثرة تقول إن "قتل الفلسطينيين عمدا دليل قاطع
على غياب الارادة السياسية لدى الإسرائيليين لإنهاء الحرب"، وأخرى تدعو كلا
الطرفين لوقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات دون أن تفعل شيئا لترجمة ما تقول على
الأرض، وكأن السياسة العربية الرسمية تكتشف جديدا في المجرم وسياساته، ولا تسمي
الجريمة إبادة جماعية ولا تدقق فيما ينفذه نتنياهو وبن غفير وسموتريتش من فاشية
وعنصرية.
هل بالإمكان أن يكبت المرء موضوعيته متجاهلا حقائق الإبادة الجماعية وصور
الضحايا ويهضم كل هذا الكذب والاستعلاء والعنجهية المتغطرسة على سماء غزة وأرضها
وحجرها وبشرها؟ إنها الأسئلة المؤلمة من بشرٍ ضاقت بهم جغرافيا المجزرة في وطنٍ
حوله المحتل لمقبرة جماعية أمام بصر وسمع العالم أجمع.
ولعل الانتكاسات الكبرى التي أصابت الفلسطينيين شعبا وقضية في تاريخهم
المتصل بالنكبة 1948، والهزيمة العربية 1967، والمعاصر اليوم، تخطت الفرجة العربية
الأليمة والمخزية في ألسنتها وعقولها المعبرنة؛ على نضال الفلسطينيين ومعاناتهم وعلى
شهدائهم، وعلى مقاومتهم لمحتل عنصري وفاشي النزعة والعقيدة، حتى أصبح الهاغاريون
والأدرعيون مرجعا عربيا ينطق به إعلام عربي بلغ فيه الجهل الرسمي العربي واستهتاره
حد العمى، بالتغافل عن طبيعة عدو الشعب الفلسطيني، والتغافل عن طبيعة الأخير في حقه
بمقاومته بعدما أيقن هذا الشعب منذ زمن بعيد أنه يواجه عدوا إجلائيا استيطانيا
يحلم بإسرائيل الكبرى، ولن يجلو عنها بدعوات التعقل الفلسطيني والعربي الاستسلامي،
ولا بمناشدته لوقف المذبحة والتمني أن تكون جريمته الأخيرة، أو وصف سلوك العدو بغير
المقبول عربيا.
فكل المذابح في غزة، التي يراقبها العالم اليوم، ومنهم العرب، لم تدفع
هؤلاء لتغيير نهجهم التآمري الواضح إلى موقف آخر يحاصر الجريمة والمجرم، ويندد
بقوة بجرائمه وينتفض واقفا لإعلان قطع العلاقة مع السفاح ومع من يؤيده، أعلى ما
طرح للآن انشغال بكتابة أوراق تدعو لوقف إطلاق النار، وبحث الأمر مع المعتدي
وحليفه القائل بوجه كل هؤلاء إن من حق هذه الفاشية الدفاع عن نفسها ومن حق أعضائها
الجهر بخطط تجويع وقتل مليوني فلسطيني.
فاشيو المؤسسة الصهيونية (سموترتش وبن غفير ونتنياهو وغالانت)، الذين يعتبرون الفلسطينيين حيوانات بشرية يجب القضاء عليهم ومنع الماء والغذاء عنهم وتدمير كل شيء متصل بحياتهم وإنسانيتهم، وعن خطط أخرى في الضفة من تهويد واستيطان بدعم أمريكي واضح بالسلاح والمواقف، يدركون أن في الجبهة العربية المقابلة لا يوجد أي قرار يمس بمصالحهم أو يلجم عدوانهم، وأن القرار هو بانحناء الرأس
ففاشيو المؤسسة الصهيونية (سموترتش وبن غفير ونتنياهو وغالانت)، الذين
يعتبرون الفلسطينيين حيوانات بشرية يجب القضاء عليهم ومنع الماء والغذاء عنهم
وتدمير كل شيء متصل بحياتهم وإنسانيتهم، وعن خطط أخرى في الضفة من تهويد واستيطان
بدعم أمريكي واضح بالسلاح والمواقف، يدركون أن في الجبهة العربية المقابلة لا يوجد
أي قرار يمس بمصالحهم أو يلجم عدوانهم، وأن القرار هو بانحناء الرأس العربي الرسمي
أمام المذبحة إلى حين أن تمر والسعي لامتصاصها وتحقيق مرورها بأسرع ما يمكن لحين
حدوث مذبحة أخرى.
لم تؤدِ
المجازر الصهيونية في غزة لتشكيل رد عربي حقيقي يُقلد طريقة الحليف
الأمريكي للعدو، وليس المقصود أن تستنفر مستودعات السلاح العربي وتتأهب الطائرات
المقاتلة في الأجواء والبحار العربية للذود عن أرض العرب والدفاع عن شعب أعزل، بل
في استنفار الدبلوماسية العربية للتنديد بالجرائم وقطع العلاقات مع المحتل أو
تصنيف من يدعمه بالإرهابي، كما يفعل الأمريكي معهم ومع دولهم وشعوبهم.
بكل ألم، الاستخلاص في حالة استمرار الوضع كما هو موصوف أعلاه، أن مجزرة حي
الدرج في مدرسة التابعين ستمر كما مرت سابقاتها على مدار 312 يوما بدون رد حقيقي،
إلا رد واحد هو إمعان في طريقة الخذلان والتآمر والنفاق، واستعارة أكاذيب هاغاري
وأدرعي في استوديوهات الإعلام العربي والغربي وفي تقديم الكذب الصهيوني.. هكذا هو
قدر غزة وقدر الشعب الفلسطيني، فكلما ضرب عدوه وأوجعه كلما هبط سقف التوقعات
العربية الرسمية وعلا الصراخ بجانب النفاق الدولي.
وختاما، من يراقب ما يجري في غزة، ينتابه شعور غامض من الانكسار والخوف لأن
بشاعة المجازر الصهيونية في غزة لا تقلب الموازين العربية، وذلك حتما يؤدي إلى
مزيد منها، لأن أنظمة عربية قررت أن تعمم هزيمتها بنقل انكسارها وجبنها الداخلي إلى
الشعب والقضية باستخدام الاستنكار البشع من الضحايا ومن مقاومتهم وهي مضمون العمل
العربي المشترك.
x.com/nizar_sahli