نشر موقع "
أويل برايس" تقريرًا يسلط الضوء
على دور كازاخستان في سباق
الفضاء، ويشير إلى أن هذه الجمهورية السوفيتية
السابقة (أكبر دولة مسلمة من حيث المساحة) تُعدّ من أهم مراكز إطلاق الصواريخ في العالم،
وتمتلك موارد وخبرات كبيرة في مجال الفضاء، كما تعمل كازاخستان على
تطوير برنامج فضائي خاص بها، ما قد يؤدي إلى تُغيّر موازين القوى
في سباق الفضاء.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته
"
عربي21"، إن الاتفاق الجديد الذي يسمح لكازاخستان بالانضمام إلى الخطط
التي تقودها الصين لبناء وتشغيل قاعدة بحثية على القمر، من شأنه أن يمهد الطريق
لتعميق التعاون بين البلدين، مع تقدم بكين لتصبح قوة رائدة في مجال الفضاء.
تم توقيع اتفاق 3 تموز/ يوليو على هامش قمة منظمة
شنغهاي للتعاون، الذي اعترف بكازاخستان باعتبارها العضو الثاني عشر في محطة أبحاث
القمر الدولية، وهي مبادرة تقودها الصين مع وكالة الفضاء الروسية روسكوسموس لإنشاء
قاعدة قمرية تم الإعلان عنها في سنة 2021، وتشمل أذربيجان وبيلاروسيا ومصر ونيكاراغوا
وصربيا وباكستان وجنوب أفريقيا وتايلاند وفنزويلا.
وقد كشفت وزارة التنمية الرقمية والابتكار وصناعة
الفضاء الكازاخستانية عن تفاصيل جديدة لهذا التعاون في 5 آب/ أغسطس، قائلة إن بكين
وأستانا ستستكشفان الاستخدام التجاري لموانئ الفضاء الخاصة بكل منهما، وستكون
كازاخستان أيضًا جزءًا من تطوير وإطلاق مشروع تلسكوب قمري.
اظهار أخبار متعلقة
وأفاد الموقع بأن إضافة كازاخستان تعزز خطط استكشاف
القمر الصينية، وتضع الدولة الواقعة في آسيا الوسطى على مسار التكامل مع صناعة
الفضاء المزدهرة في الصين، التي تعد جزءًا من حملة بكين التي يقول الخبراء إنها
مدفوعة بطموح لمنافسة الولايات المتحدة.
وبحسب بروس ماكلينتوك، الملحق الدفاعي السابق في
السفارة الأمريكية في موسكو والباحث الكبير في سياسة الفضاء في مؤسسة راند، فإن
الصين تعتزم منافسة الولايات المتحدة وتجاوزها كقوة فضائية.
وقد كانت عودة المركبة القمرية الصينية تشانغ إي-6
إلى الأرض، في حزيران/ يونيو الماضي، أحدث إنجاز في إطار سعي بكين إلى الانتهاء من
بناء محطة أبحاث القمر الدولية في ثلاثينيات القرن الحالي، كما قالت إدارة الفضاء
الوطنية الصينية إنها تخطط لإرسال رواد فضاء إلى القمر قبل سنة 2030، وأنشأت بكين
منظمة التعاون الدولي لمحطة أبحاث القمر في نيسان/أبريل، وهي هيئة تقودها الصين
لتنسيق البعثات القمرية مع الدول الأعضاء.
ويُنظر إلى الخطط المتعلقة بمحطة أبحاث القمر
الدولية على أنها استجابة لبرنامج أرتميس التابع لوكالة ناسا، وهي مبادرة تقودها
الولايات المتحدة وتهدف إلى إرسال مهمة مأهولة إلى القمر بحلول سنة 2025، مع وجود
مستمر حتى سنة 2028. وكجزء من جهودها الدبلوماسية في مجال الفضاء، نجحت واشنطن في
إقناع أكثر من 40 دولة بالتوقيع على اتفاقيات أرتميس.
ووفقًا لإيفا سيويرت، المحللة في معهد ميركاتور
للدراسات الصينية ومقره برلين، فإن الصينيين يحاولون بناء منظماتهم الخاصة في سباق
محتدم لمعرفة من يمكنه الحصول على أكبر قدر من الدعم لبرامجهم. وبالنسبة
لكازاخستان، فإنهم يرون الصين كمصدر مستقبلي للمعرفة والتدريب والتمويل لصناعة
الفضاء الخاصة بهم.
انطلاقة للصين
وأشار الموقع إلى أن كازاخستان كانت جزءًا لا يتجزأ
من برامج الفضاء السوفييتية والروسية لمدة تقرب من 70 سنة.
وأطلق بايكونور، المجمع الواسع الواقع في جنوب
كازاخستان، مئات الصواريخ إلى الفضاء ويحتل مكانة خاصة كموقع انطلاق بعض الإنجازات
التاريخية في رحلات الفضاء، مثل إطلاق الاتحاد السوفييتي سنة 1957 لسبوتنيك، أول
قمر صناعي في العالم، وأول رحلة بشرية لرائد الفضاء يوري جاجارين إلى الفضاء
الخارجي سنة 1961.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ظل بايكونور موقع
إطلاق لوكالة روسكوسموس الروسية، التي حافظت على موقعها المهيمن داخل صناعة الفضاء.
لكن المجمع الفضائي كان في قلب نزاع بين روسيا
وكازاخستان لسنوات، وتخطط روسكوسموس حاليًا لنقل عمليات الإطلاق الفضائية إلى
الأراضي الروسية.
في الوقت نفسه، واجه برنامج الفضاء الروسي تخفيضات
في التمويل، وانتكاسات فنية، كما أدت العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا في سنة
2014 وتوسعت بعد غزوها الكامل لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022 إلى إضعاف برنامجها
الفضائي بشكل أكبر حيث تم منع بعض المكونات الأساسية المصنوعة في الغرب.
اظهار أخبار متعلقة
وقد حدثت هذه التغييرات مع تقدم برنامج الفضاء
الصيني في السنوات الأخيرة، مع استثمار مليارات الدولارات.
واكتسبت الشراكة الفضائية بين روسيا والصين زخمًا
لأول مرة في سنة 2014 ونمت تدريجيًا على مر السنين حتى بلغت ذروتها في مشاريع
مشتركة مثل محطة أبحاث القمر الدولية.
وبحسب جوليانا سوس، زميلة الأمن الفضائي في المعهد
الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث مقره لندن، فإن روسيا ليس لديها العديد من
الخيارات الأخرى، فرغم أنها تتمتع الكثير من الإرث والخبرة، لكنها تبدو وكأنها
الشريك الأصغر في العلاقة بين الصين وروسيا.
وفي الوقت نفسه، واصلت بكين توسيع نطاق وصولها، فقد
أضافت المكون الفضائي إلى مبادرة الحزام والطريق التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من
الدولارات، وسعت إلى بناء وربط صناعتها الفضائية بدول أخرى.
وأكدت سوس أن الصين تعمل بنشاط على بناء مكانتها
كقوة فضائية، وهذه القاعدة القمرية التي انضمت إليها كازاخستان ليست سوى جزء واحد
من جهد مستمر للقوة الناعمة الفضائية.
عصر جديد في الفضاء
وأوضح الموقع أنه بينما يمثل توقيع كازاخستان على
نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية الدولي خطوة أخرى إلى الأمام في طموحات الصين
الفضائية، فإن الجوانب الأخرى للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين أستانا وبكين قد
تكون أكثر أهمية في الأمد البعيد، بحسب بليدين بوين، الأستاذ المشارك المتخصص في
سياسة الفضاء في جامعة ليستر.
وأضاف بوين أن الاتفاقية تعني وضع المزيد من الأقمار
الصناعية في مدار الأرض، وهو أمر مهم لأنه يوفر البنية الأساسية اليومية التي
نعتمد عليها وهو أمر أساسي للاقتصاد الفضائي.
وبالنسبة لبكين، فإن المجال الحاسم لتعزيز قدرتها
على المنافسة في الفضاء مع الولايات المتحدة هو نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية
بيدو (BDS)،
وهو الرد الصيني على نظام تحديد المواقع العالمي الأمريكي، أو نظام غلوناس الروسي،
أو أنظمة الملاحة الأوروبية جاليليو.
إن التبني الواسع النطاق لأي من النظامين يحمل قيمة
تجارية هائلة، وتريد الصين استخدام نظام بي دي إس في الملاحة الجوية والسيارات
والسفن، فضلاً عن المساعدات الإنسانية والكوارث، وتحسين الزراعة، وتوقعات الطقس.
وكما أشار تقرير صادر عن معهد دراسات الفضاء الصيني التابع للقوات الجوية
الأمريكية، فإن جميع أقمار بي دي إس البالغ عددها 30 قمرًا صناعيًا موجودة منذ سنة
2020، وبدأت بالفعل أكثر من 120 دولة في استخدامه.
وأفاد الموقع بأن انجذاب كازاخستان نحو بكين بدأ في
سنة 2013، عندما بدأت شركات الفضاء الخاصة الصينية والكازاخستانية في التعاون، وقد
تسارع التعاون مع فشل برنامج الفضاء الروسي في مواكبة برنامج الصين.
ويُعد استخدام الأراضي الكازاخستانية لإطلاق
الصواريخ الفضائية أمرًا مهمًّا أيضاً في ظل سعي روسيا إلى سحب استثماراتها من
مجمع بايكونور.
وفي حين أن روسيا لديها عقد إيجار للمنشأة حتى عام
2050، فإن الصين تعمل حاليًا على تعزيز وصول منصات الإطلاق في مختلف أنحاء العالم
لمقدمي خدمات الفضاء التجارية، كما تستضيف كازاخستان، التي تشترك في حدود طويلة مع
الصين، موقع ساري شاغان لاختبار الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية.
وقد أكد بوين أن كازاخستان بحاجة إلى تنويع مصادرها، وإشراك دول جديدة لدفع ثمن ما كانت روسيا توفره في السابق، والشراكة مع الصينيين
تشكل جزءاً من هذه الخطة للمستقبل.