الكتاب: "حركة مقاطعة إسرائيل، بحث في الطرق
والقيم والتأثير"
المؤلف: عمرو سعد الدين
الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية
في العام 2005 أطلقت حركة مقاطعة إسرائيل
وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، المعروفة اختصارا بحركة "بي دي
إس"، نداء توجهت به إلى مجتمعات العالم لمقاطعة إسرائيل، وقد تزامن هذا
النداء مع الذكرى السنوية الأولى لصدور قرار محكمة العدل الدولية الذي أكد عدم
شرعية جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية. وقّع هذا النداء نحو 170 طرفا
فلسطينيا نقابيا، ومدنيا، وأكاديميا، وسياسيا. وتحول النداء إلى حركة لها لجنتها
الوطنية
الفلسطينية، ولها مناصرون حول العالم، يعمل كثيرون منهم تحت عنوان
ال"بي دي إس". يبحث عمرو سعدالدين، أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية،
في هذا الكتاب في قصة نشوء هذه الحركة، التي جمعت "بجدية بين العوامل الوطنية
المتمثلة في التحالف المجتمعي الفلسطيني الواسع من جهة، وبين ناشطين حول العالم
مستعدين للعمل في إطارها العام من جهة أخرى، والتي ترافقت مع مبادرات مقاطعة في
مجتمعات دول الشمال العالمي بدأت مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام
2000".
مكنت الحركة بحكم نشأتها الفلسطينية من إنجاز ائتلاف واسع محليا، ونجحت في تحقيق المقاطعة في الضفة الغربية وقطاع غزة من جانب المؤسسات الأكاديمية والمنظمات المدنية.
يشرح سعدالدين السياق الفلسطيني لنشوء
الحركة، التي يفترض الكثيرون خطأ أنها نشأت في مجتمعات الشمال، ويتوقف عند طبيعة
الأطراف الفلسطينية التي دفعت نحو تشكلها، ومدى تأثير الحركة في المقاطعة
الفلسطينية نفسها للمنتوجات والمؤسسات الإسرائيلية، ومدى تعبير الحركة عن مكونات
الشعب الفلسطيني ( الفلسطينيون داخل الخط الأخضر، وفلسطينيو الضفة الغربية وغزة،
وفلسطينيو الشتات). ثم ينتقل إلى نقاش المسارات التي شكلتها حركة المقاطعة
أوروبيا، ويبحث في عوامل الجذب لفلسطين، وتأثير التفاعلات داخل هذه الدول في
الحركة ونشأتها. يتوقف سعدالدين أيضا عند الحضور الإسرائيلي المعادي للصهيونية في
حركة المقاطعة، ويبحث في مساهمة الإسرائيليين هؤلاء في مبادرات المقاطعة، والجدل
الذي يثار حول مشاركتهم.
وفي فصل آخر من الكتاب يتناول سعدالدين واقع
حال المقاطعة في الدول العربية، التي تبين المسوح الإحصائية أن أغلبية الناس فيها
مؤيدين لها في الوقت الذي تنحو السلطات العربية نحو التطبيع. ويناقش تجارب عربية
محددة مثل حملة إسقاط اتفاقية الغاز في الأردن والعقبات التي تواجهها، ومحاولة
إقرار قانون لتجريم التطبيع في تونس بعد الثورة، وحالة المقاطعة في لبنان
والإشكالية التي لها علاقة بالحرية والانقسامات فيه، والأثر الذي يمكن أن تحدثه
المقاطعة في ظل الأوضاع العربية التي تتسم بالتبعية أو الانقسام. كما يتناول
سعدالدين مسار المقاطعة في أميركا ويناقش ملامح من الأجواء العالمية الاحتجاجية من
خلال قصة راشيل كوري التي قتلها بلدوزر إسرائيلي في رفح، ويشرح التغيرات في
الأوساط الشبابية، والأجواء التي خرجت منها حركة المقاطعة عالميا، وأولوياتها.
إنجاز محلي وعالمي
ينطلق بحث سعدالدين من ملاحظة أولية تتمثل
في إيلاء حركة المقاطعة أولوية للعمل عبر دول الشمال العالمي، ويطرح تساؤلات بشأن
صحة هذا التوجه من خلال مناقشة نشاط الحركة في فلسطين ومجتمعات عربية وأوروبية وفي
الولايات المتحدة الأمريكية. ويقول سعدالدين أن ثمة اختلاف بين الطرق التي ساهمت
في تشكل حركة المقاطعة (بي دي إس)، وبين الأولويات التي اتبعتها. فرغم تعدد هذه
الطرق التي ساهمت فيها أوساط وطنية فلسطينية وإقليمية ومن الجنوب والشمال
العالميين، ركزت الممارسة العملية لها على أولية الشمال العالمي في الفترة الأولى،
على اعتبار أن الدول الداعمة لإسرائيل أو الحليفة لها تملك تأثيرا أكبر في هذا
المجال، دون إهمال مناطق جغرافية أخرى مثل جنوب إفريقيا والبرازيل، التي اتضح أنها
تسهل وصول المقاطعة إلى دول الشمال العالمي. غير أنه بعد الثورات العربية زاد
تركيز الحركة على المنطقة العربية.
من جهة أخرى فقد تمكنت الحركة بحكم نشأتها
الفلسطينية من إنجاز ائتلاف واسع محليا، ونجحت في تحقيق المقاطعة في الضفة الغربية
وقطاع غزة من جانب المؤسسات الأكاديمية والمنظمات المدنية. يضيف سعد الدين إن
النواة التي أسست الحركة هي فئة اجتماعية لها حضورها، وإن لم تملك قوة شعبية مثل
التنظيمات السياسية الفلسطينية، الأمر الذي يفسر تواضع قدرتها على التأثير في مجال
المقاطعة الاقتصادية الشعبية .
ويلفت إلى وجود فئة تختلف عن حركة المقاطعة نشطت في
عمل سياسي شعبي وقادت المقاطعة خلال أوائل فترة الانتفاضة الثانية، مثل هيئة تنسيق
الانتفاضة الثانية، التي ساهمت في عودة قيمة المقاطعة فلسطينيا وعربيا وعالميا.
غير أن ما يميز حركة المقاطعة (بي دي إس) أنها أنجزت أمرين أساسيين: فقد سعت أولا
"لتأطير صدى النضالات الفلسطينية في الخارج وعززتها، ودفعت باتجاه ترسيخ
قناعة لدى العالم بأن إسرائيل دولة فصل عنصري، وأصرت على رواية النكبة وتأثير
المشروع الاستعماري الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وعملت كمترجم ووسيط فعال بين
النضالات الفلسطينية ومبادرات المقاطعة في أكثر من مكان في العالم. وثانيا فقد
بادرت الحركة بنفسها إلى تبني مبادرات للمقاطعة من دون أن تكون مترافقة مع وجود
هبة أو مواجهة فلسطينية إسرائيلية كبيرة بالضرورة".
ورغم أن الحركة تبتعد عن العمل السياسي
المباشر اعتمدت على أسلوب الحملات المدنية التي تؤثر في المستوى السياسي
بالتدريج وعلى نحو غير مباشر. وقد حققت
حركة المقاطعة إنجازات على المستوى الدولي مهمة، مثل إلزام العديد من الشركات
العالمية بمقاطعة إسرائيل، ومقاطعة منتجات المستعمرات الإسرائيلية، على الرغم من
المواقف الرسمية للدول الغربية الأساسية (الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا،
وفرنسا، وألمانيا، وأستراليا، وكندا) التي لا تزال معادية لمبدأ مقاطعة إسرائيل.
ثقوب في جدار حماية إسرائيل
يرى سعد الدين أن المقاطعة تصطدم بجدار رسمي غربي، لكنه يقول أن ثمة ثقوب في هذا الجدار تكبر مع الوقت، وأن هناك احتمالات لحدوث تأثير إيجابي في المستقبل
باتجاه فرض دول رئيسية عقوبات على إسرائيل أو ممارسة مقاطعة جزئية أو كلية، لعدة
أسباب منها أن عملية السلام لم تعد حاليا حاضرة ، إذ أنها سابقا أعاقت دولا عن
اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل. كما أن هناك تراكم تاريخي فيما يتعلق بالضغط على
إسرائيل دوليا، وقد وصل هذا التراكم إلى الآراء العامة في العالم مع تتالي
النضالات الفلسطينية والعربية و ردات الفعل الإسرائيلية العنيفة ضدها.
إقدام حركة المقاطعة على التعاون مع إسرائيليين مناصرين للحقوق الفلسطينية الأساسية يعد خطوة كبيرة، على الرغم من أن لدى الحركة التباسات في أمر العلاقة مع هؤلاء الإسرائيليين.
من جهة أخرى يشير سعدالدين إلى أنه لا يزال
هناك تأثير حتى وإن كان جزئيا للقيم الإنسانية في السياسة الدولية، إذ يمكن لهذه
القيم أن تحفظ استمرارية النشاط المجتمعي العالمي ضد الفصل العنصري، والاحتلال،
والاستبداد.
وبحسب ما أظهره بحث سعد الدين فإن هناك زخم
فعلي لمقاطعة إسرائيل في كثير من المجتمعات في العالم يوازي الزخم الذي حدث في
تجربة جنوب إفريقيا سابقا. أمر آخر يلفت إليه سعدالدين هو أن حركة المقاطعة ارتبطت
"بتوجهات تقدمية وقاعدية وديمقراطية وتحررية في العالم(مجتمعات الشمال
العالمي)، الأمر الذي يحميها من تذبذبات الساسة، ويشكل رافعة مستمرة لها...
فالحركة أحيانا تكون ضد المنظومة المسيطرة، وفي أحيان أخرى تريد تغييرا من خلال
القنوات السياسية المتاحة".
يشير سعدالدين إلى أن إقدام حركة المقاطعة
على التعاون مع إسرائيليين مناصرين للحقوق الفلسطينية الأساسية يعد خطوة كبيرة،
على الرغم من أن لدى الحركة التباسات في أمر العلاقة مع هؤلاء الإسرائيليين.
ويقول
إن "الجدل الرائج في أن هؤلاء الإسرائيليين يعدون على أصابع اليد الواحدة، أو
أنهم بلا تأثير، أمر يحتاج إلى تدقيق. فهم مؤسسون في مبادرات المقاطعة نفسها، مثل
أول قرار نقابي أكاديمي بريطاني بمقاطعة جامعتين إسرائيليتين سنة 2005، وأول قرار
إدارة جامعية بالمقاطعة في الولايات المتحدة.. ولهم تأثير لا يستهان به لدى
الأوساط اليهودية التقدمية ... ولا يمكن تجاهل فكرة سعي أي شعب خاضع للاستعمار لمد
جسور مع أوساط داعمة في المجتمع الذي يستعمره، كما حدث في تجارب التحرر في الجزائر
أو جنوب إفريقيا أو فيتنام أو الهند".
من جهة أخرى يلفت سعد الدين إلى إشكاليات
تواجهها حركة المقاطعة في الدول العربية، أهمها أن أغلبية الآراء العامة تعد
فلسطين قضية مهمة جدا، لكن المستوى الرسمي العربي ينحو باتجاه التطبيع مع إسرائيل
أو مهادنتها، وبالتالي تصبح الإشكالية الأساسية هي ترجمة الآراء الشعبية إلى
قرارات عملية. كما أن ثمة تفاوت من ناحية التوجه القاعدي والشعبي، ففي حين اعتمدت
نقابات مهمة ، كنقابة الشغل في تونس، قيم حركة المقاطعة (بي دي إس)، ظهرت في
الأردن فئة شبابية تنشط في حراك المقاطعة لا تملك امتدادات شعبية واسعة، ومع ذلك
فقد ساهمت هذه الفئة على نحو فعال في تشكيل إطار جامع وفي التوسع. أما على مستوى
عالمي فقد ثبت أن للفلسطينيين والعرب المقيمين في دول أجنبية دور مهم في تحريك
المقاطعة في العالم. "
ويعزو ناشطون في حركة المقاطعة أحد أسباب
الحراك الأمريكي والأوروبي المستجد لفلسطين إلى نشاط لاجئين فلسطينيين في هذه
الدول.. وهو نشاط جديد له زخم كبير وفيه تركيز على العمل القاعدي أيضا.. وعلى
سبيل المثال اتضح هذا الدور في المقاطعة في بدء الألفية الجديدة في نشاط طلاب
جامعة بيركلي في الولايات المتحدة من خلال "طلاب من أجل العدالة
لفلسطين" الذين كانوا سباقين لاقتراح مبادرات سحب الاستثمارات من إسرائيل
والدعوة إلى المقاطعة منذ سنة 2001".