تحولت "
الخوارزميات" إلى سلاح في
أيدي مواقع التواصل الاجتماعي لقمع ومنع المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية وفضح
والتنديد بالعدوان الإسرائيلي خاصة في حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني
في غزة منذ ما يقارب 11 شهرا.
والمفارقة أن "الخوارزميات" هي
نسبة لأبي عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي، أحد أبرز علماء الرياضيات في الحضارة
العربية الإسلامية، والذي تعتبر إنجازاته مثل "علم الجبر"، أيضا ((Algebra مراجعا للنهضة
الأوروبية، ولتطور العلم والتكنولوجيا عالميا بعدها.
ومن ابتكارات الخوارزمي كذلك الأرقام
العربية، المستعملة عالميا حاليا، والتي لعبت دورا مفصليا كذلك في النهضة
الأوروبية.
وفي القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري)،
وخلال الحكم العباسي في بغداد، استلهم الخوارزمي الأرقام العربية (0، 1، 2، 3، 4،
5، 6، 7، 8، 9) من الأرقام الهندية، (١ و٢ و٣ و٤ و٥ و٦ و٧ و٨ و٩). وتكمن عبقرية
الخوارزمي بتصميم تلك الأرقام العربية على أساس عدد الزوايا (الحادة أو القائمة)
التي يضمها كل رقم، فالرقم واحد (1) يتضمن زاوية واحدة، ورقم اثنان (2) يتضمن
زاويتين، والرقم ثلاثة (3) يتضمن ثلاث زوايا.. وهكذا دواليك. وقد شهدت هذه الأرقام
العربية تطورا في الشكل في المغرب الإسلامي والأندلس، حيث شهدت انتشارا كبيرا بخلاف
المشرق، حيث تم الاحتفاظ باستعمال الأرقام الهندية، والمفارقة أنه يتم اعتبار
الأخيرة بأنها أرقام عربية، بينما الأرقام العربية حقا، تعتبر غربية!
كان هناك توجس كبير في البداية في أوروبا وبمنطلقات دينية مسيحية من هذه "الأرقام العربية الإسلامية!"، قبل أن يتم في الأخير احتضانها، وتلعب دورا كبيرا في النهضة والتطور العلمي والتكنولوجي الذي عرفته أوروبا بعدها.
وقد سميت الأرقام العربية في المغرب
الإسلامي بالأرقام الغُبارية، لأنها كانت تكتب في بادئ الأمر بالإصبع أو بقلم من
البوص على لوح أو منضدة مغطاة بطبقة رقيقة من التراب.
وكان الشاب الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي
(1170م - 1250م)، اكتشف الأرقام العربية خلال دراسته وإقامته في مدينة بجاية
(الأمازيغية) الجزائرية، حيث كانت تلك الأرقام مستعملة بشكل شائع في المعاملات
والمحاسبات. وكان ليوناردو، الذي سيصبح واحدا من أبرز علماء الرياضيات لاحقا، ابن
غوغلييلمو فيبوناتشي، التاجر الغني، والذي كان بمثابة سفير "جمهورية بيزا" (Pisa) في بجاية،
حينها. وكان يصطحب ابنه معه لبجاية واختار له التعلم هناك لفترة، ومرافقته في
تنقلاته كذلك في المنطقة.
ومن خلال ملاحظاته سرعان ما أدرك ليوناردو
فيبوناتشي المزايا العديدة التي تقدمها الأرقام العربية على عكس الأرقام الرومانية
المعقدة (I, II, III, IV, V...) المستخدمة في
ذلك الوقت، مما يسهل العمليات الحسابية. وبناء على ذلك نشر فيبوناتشي في عام 1202،
كتاب Liber Abaci (كتاب
العداد أو كتاب الحساب)، الذي نشر الأرقام العربية في أوروبا، وظل لقرون مرجعا في
القارة.
واللافت أنه كان هناك توجس كبير في البداية في أوروبا وبمنطلقات دينية
مسيحية من هذه "الأرقام العربية الإسلامية!"، قبل أن يتم في الأخير
احتضانها، وتلعب دورا كبيرا في النهضة والتطور العلمي والتكنولوجي الذي عرفته
أوروبا بعدها.
والمفارقة أنه في استمرار لمزيج الجهل
والتعصب ومعاداة العرب والمسلمين في الغرب أن الكثير من الغربيين العنصريين لا
يعرفون أن هذه الأرقام المستعملة والنظريات الأساسية للرياضيات هي من الحضارة
العربية الإسلامية.
ومن المثير للسخرية في السياق أنه في 2019
أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من نصف الأمريكيين يعتقدون أن "الأرقام
العربية" لا ينبغي تدريسها في المدارس، حيث قال 56% من الأشخاص أن هذه
الأرقام لا ينبغي أن تكون جزءًا من المنهج الدراسي للتلاميذ الأمريكيين.
وقد سألت دراسة أجرتها شركة Civic Science، وهي شركة
أمريكية لأبحاث السوق، 3624 مشاركًا: "هل يجب على المدارس في أمريكا تدريس
الأرقام العربية كجزء من مناهجها الدراسية؟" ولم يوضح الاستطلاع معنى مصطلح
"الأرقام العربية".
وأجاب حوالي 2020 شخصًا بـ "لا".
وقال 29% من المشاركين في الاستطلاع إنه ينبغي تدريس الأرقام في المدارس
الأمريكية، ولم يكن لدى 15% أي
رأي.
وقال 72% من المستطلعين المؤيدين للجمهوريين
إن الأرقام العربية لا ينبغي أن تكون في المناهج الدراسية، مقارنة بـ 40% من
الديمقراطيين. وكان هذا على الرغم من عدم وجود اختلاف كبير في التعليم بين
المجموعتين.
وقال جون ديك، الرئيس التنفيذي لشركة Civic Science، إن النتائج
كانت "الشهادة الأكثر حزناً وإضحاكاً على التعصب الأمريكي التي رأيناها على
الإطلاق في استطلاعاتنا"!.