قضايا وآراء

الحرب في السودان: "الإطاري" وإعادة النفوذ البريطاني

إبراهيم الصديق علي
"القضية السودانية جزء من أجندة صراع استخباراتي ومصالح قوى إقليمية تتم إدارته بأدوات خفية"- جيتي
"القضية السودانية جزء من أجندة صراع استخباراتي ومصالح قوى إقليمية تتم إدارته بأدوات خفية"- جيتي
(1)

حدثان يعكسان حقيقة هذه الحرب وأبعادها، أحدهما حديث والآخر مر عليه عامين، وكليهما لديه ارتباط مباشر مع الاتفاق الإطاري وتداعياته على البلاد والعباد..

ففي 12 أيلول/ سبتمبر 2024م أعلن قائد مليشيا الدعم السريع ترحيبه بمسودة مشروع دستور المحامين، وقال "أرحب به مع أنني لم أطلع عليه". كانت تلك محاولة تملص من الانتقادات الواسعة للمشروع، مع التمسك بجوهر الاتفاق الذي أبرمه مع فولكر بيرتيس رئيس اليونتاميس، وخلال مراحل مختلفة اتضح أن حميدتي دخل في تحالف جديد؛ حاضنته "قحت" ورعايته من فولكر وأطراف أخرى، للعبور من مرحلة قوة تابعة للجيش السوداني إلى قوة تمثل الجيش السوداني وتعتمد كقاعدة وبديل له، وما زال هذا موقف ذات الأطراف..

وكنت قد كتبت حينها: "لا أظن من المناسب أن ترحب شخصية قيادية في البلاد بموقف قبل أن تقرأ التفاصيل ولديها عدد من المستشارين والخبراء إلا إذا كان الترحيب في حد ذاته إشارة أو رسالة"، فقد اتضح منذ أزمة الإطاري أن الترحيب جزء من مشروع فكرة ومخطط كان وما يزال..

كل هذه الأحاديث من المبعوث الأمريكي الخاص أو مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي هو جزء من مخطط "مصنوع" بترتيبات سياسية وخبراء، وبتنسيق مع قوى إقليمية ومنظمات، فهو ليس صرخة ضمير إنساني


(2)

أما الحدث الآخر فهو المناظرة الرئاسية التي شغلت العالم بين مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس ومرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وخلال 90 دقيقة، من النقاشات والحوارات والأسئلة والاستدراكات لم يتحدث أحدهم عن "الوضع في السودان"، لم يطرح فريق القناة سؤالا عن أفريقيا أو السودان ولم يتعرض أحد المرشحين لهذا الموضوع، رغم كل الضوضاء وكل الحديث في مجلس الأمن الدولي أو المنظمات، ورغم كل الفظائع والانتهاكات، وذلك لسببين جوهريين:

- الوضع في السودان ليس ضمن اهتمامات الرأي العام الأمريكي..

- القضية السودانية جزء من أجندة صراع استخباراتي ومصالح قوى إقليمية تتم إدارته بأدوات خفية..

وعليه يمكن القول إن كل هذه الأحاديث من المبعوث الأمريكي الخاص أو مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي هو جزء من مخطط "مصنوع" بترتيبات سياسية وخبراء، وبتنسيق مع قوى إقليمية ومنظمات، فهو ليس صرخة ضمير إنساني وإنما مخطط ماكر..

وكل تحركات المبعوث الأمريكي وتواصله هو جزء من هذا الفعل، وهو إكمال لمشهد "الإطاري" وأجندته؟.. كيف؟ هذا أمر واضح..

(3)

منذ محادثات جدة (أيار/ مايو 2023م) تم الاتفاق على أن تركز المحادثات بين الحكومة السودانية ومليشيا الدعم السريع على قضية الحرب ووقفها والتداعيات الإنسانية، ولكن أطرافا أخرى تدخلت لـ"حشر" العملية السياسية، والمقصود هنا الاتفاق الإطاري وأطرافه وأدواره..

وهذا ما قامت به "تقدم" حين وقعت "اتفاقا" سياسيا مع مليشيا الدعم السريع، في كانون الثاني/ يناير 2024م، فلم يتضمن ذلك الإعلان سوى دعوة لوقف الحرب أما بقية أجندته كلها فهي أجندة سياسية، والهدف نقل الحرب من "قوة متمردة على الجيش" إلى "فصيل سياسي" وبأجندة سياسية..

وكل تحركات القوى الدولية والإقليمية لترسيخ هذه الحقيقة والتي تهرب منها "تقدم" رغم انخراطها في هذا الدور، وهذا الموقف المبتذل حيث ربط وقف الحرب مع عودة "قوى الحرية والتغيير للحكم" وعودة الشراكة مع المليشيا..

(4)

وحتى القوى السياسية التي تباعدت عن قحت، فإنها توظف كل جهدها لخدمة هذا الهدف، ومن ذلك الحزب الشيوعي السوداني الذي اتخذ من جوبا (عاصمة جنوب السودان) ملاذا لقيادته، بينما توزعت أطراف أخرى في كمبالا ونيروبي، وأديس ونشطت الغرف الإعلامية لخدمة هذا الهدف بطريقة مختلفة (أي إضعاف الجيش السوداني لصالح قوى أخرى هي حركة عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو)..

وقف الحرب مع المسببات الأساسية وليس القشور وفلاشات الكاميرات وضجيج وسائل التواصل الاجتماعي

وخلال فترة الحرب فإن بيانات المكتب السياسي للحزب الشيوعي خالية من انتقاد صريح للدعم السريع كليا، وحتى تداعيات الحرب مع التركيز على انتقاد قيادة الجيش وما أسموه "اللجنة الأمنية"، وهو موقف يتسق مع أدوار ومطالب مليشيا الدعم السريع، حيث أول مطالبها صبيحة (15 نيسان/ أبريل 2023م) استسلام قيادة الجيش السوداني..

وعلى ذات النسق انخرطت بعض لجان المقاومة على الواقع في إسناد المليشيا بالمعلومات والقوائم والتغطية الاعلامية والسياسية..

(5)

ولذلك فإن صور ومشاهد المبعوث الأمريكي الخاص مع نشطاء جزء من حملة شركاء الجريمة، وليس دعوة للحلول والمعالجة..

والأطراف ذات الارتباط المباشر بالقضية السودانية هي -وفي قناعتي الشخصية- المخابرات البريطانية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبقية المواقف هو صدى لهذه العلاقة..

ووفق هذا المنظور، فإن وقف الحرب مع المسببات الأساسية وليس القشور وفلاشات الكاميرات وضجيج وسائل التواصل الاجتماعي، إنها محاولة لإعادة "النفوذ البريطاني" المفقود، فبعد الخروج من الاتحاد الأوروبي لم يعد لبريطانيا العظمى أدوار، وهذا أحد مهام العودة للهيمنة..
التعليقات (0)