تواصل حكومة رئيس النظام
المصري عبدالفتاح السيسي، طرح مناطق بحرية هامة وأراض إستراتيجية ومواقع تمس الأمن القومي المصري للبيع أمام مستثمرين أجانب، ما يثير مخاوف معارضين مصريين من خسارة بلادهم لها أو وقوعها في يد شركات أو دول تسلمها لاحقا للاحتلال الإسرائيلي.
وأعلن وزير الإسكان المصري شريف الشربيني، السبت، عن تجهيز مخطط إستراتيجى لطرح شبه جزيرة "رأس بناس" بالبحر الأحمر على مستثمرين محليين وأجانب، وذلك استمرارا لسياسة ببيع أراضي مصر الاستراتيجية وأجمل البقع فيها، للحصول على العملات الصعبة بهدف سداد ديون النظام الخارجية (أكثر من 150 مليار دولار) واستكمال مشروعاته الإنشائية.
ووصف الشربيني منطقة الطرح الجديدة بأنها تمتلك أحد أجمل الشواطئ المصرية وبمساحة تعادل مساحة "رأس الحكمة" بحوالي 50 كيلومترا داخل البحر الأحمر.
وتتميز تلك المنطقة بأنها تضم محميات طبيعية ومنطقة سياحية في جنوب محافظة البحر الأحمر، وتضم ميناء برنيس القديم، بجانب قاعدة برنيس البحرية والجوية المصرية الجديدة التي جرى إنشاؤها قبل 4 أعوام.
وأثار ذلك مخاوف من خسارة مصر موقعا عسكريا فريدا، وميناءً بحريا متميزا يقع على طرق التجارة العالمية عبر قناة السويس شمالا، ومضيق "باب المندب" على البحر الأحمر جنوبا، ومضيق "هرمز" بالخليج العربي شرقا.
اظهار أخبار متعلقة
ويأتي الطرح الجديد بعد نحو 7 أشهر من طرح حكومة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي منطقة "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي الغربي لمصر، في مشروع حازته
الإمارات مقابل 35 مليار دولار، وبنسبة 35 بالمئة لمصر من دخل المشروع الذي تعرض لانتقادات واعتراضات، وسيجري تسليم أراضيه للإمارات مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بحسب وزير الإسكان المصري.
وفي شباط/ فبراير الماضي، جرى طرح مصر لمنطقة "رأس جميلة" في شرم الشيخ، وهي المنتج السياحي الأشهر بجنوب سيناء لإقامة مشروع سياحي فندقي بمساحة 860 ألف فدان، وسط حديث عن حضور سعودي في الصفقة مقابل 15 مليار دولار، وفق تقارير صحفية.
ومع مرور نحو 7 أشهر لم تصدر أي تأكيدات على اتخاذ خطوات جديدة بملف "رأس جميلة"، ولم تظهر تفاصيل حولها حتى الآن، ولم يُعرف ما إذا كانت الصفقة قد تعثرت، أو أنه تم طرح "رأس بناس" بدلا منها.
إلا أن وجود "رأس جميلة" قبالة مضيق تيران مباشرة، وإطلالتها على جزيرتي "تيران وصنافير" التي تنازلت عنهما القاهرة للرياض عام 2016، وقربها من موقع سيقام فيه جسر عبر البحر الأحمر، بين
السعودية ومصر، يجعل شركات الرياض وصناديقها الاستثمارية والسيادية الأقرب من هذا الطرح.
لكن، وفي ظل التنافس السعودي الإماراتي على النفوذ في البحر الأحمر، والسباق بينهما للاستحواذ على الأصول المصرية الاستراتيجية، هل تسمح السعودية بحصول الإمارات على "رأس بناس" هذا المنفذ الهام بالبحر الأحمر، خاصة أنه يقابله أيضا على الساحل الشرقي للبحر الأحمر ميناء "ينبع" أحد أهم موانئ المملكة؟
وكانت مصر قد اتفقت مع
الكويت في 24 آب/ أغسطس الماضي، على قيام شركات "مجموعة الغانم" الكويتية، بتطوير ميناء "برنيس" البحري قرب "رأس بناس"، وتحويله لقاعدة اقتصادية ومنطقة لوجستية متكاملة، وهو ما يدعو للتساؤل: هل ستكون "رأس بناس" من حظ الكويت التي تغيب بشكل لافت عن الطروحات المصرية للأراضي والمباني والموانئ الاستراتيجية؟
"خطر استراتيجي"
وقد يمثل التفريط في شبه جزيرة "رأس بناس" خطرا على الأمن القومي المصري، مع قرب المنطقة مع قاعدة "برنيس" العسكرية، البحرية والجوية التي جرى افتتاحها في 15 كانون الثاني/ يناير 2020، كنقطة استراتيجية مهمة للقيام بأعباء ومهام التفوق العسكري والاستراتيجي خاصة أنها تعد سهلا ساحليا ضيقا وسط سلاسل جبال البحر الأحمر.
وقاعدة "برنيس" العسكرية، المنوط بها حماية حدود مصر الجنوبية، تضم إلى جانب "مطار برنيس الدولي"، ممرات جوية بطول 3000 متر، ورصيفا حربيا بطول 1000 متر يلبي إحتياجات القطع البحرية ذات الغاطس الكبير كحاملات الطائرات والغواصات والفرقطات، فيما يجري العمل على إنشاء ميناء تجاري وأرصفة بطول 1200 متر وعمق 17 مترا.
وعن هذا، أعربت الناشطة المصري حنان عبدالمنعم، عن مخاوفها من طرح مناطق تمس الأمن القومي المصري، قائلة عبر منصة "فيسبوك": إنه "بجانب القواعد العسكرية المصرية، وفي أماكن استراتيجية هامة تباع مساحات بحجم دول صغيرة بحجة الاستثمار والسياحة".
وأضافت حنان عبدالمنعم: "بجانب قاعدة (محمد نجيب) وميناء (جرجوب) العسكري، سلم رأس الحكمة للإمارات، وأمام (تيران وصنافير) ومضيق (تيران) يريد تسليم السعوديين رأس جميلة، وعند قاعدة (رأس بناس) يطرح (رأس بناس)، أيضا، ولا نعرف لمن؟".
وأكدت أن "الإمارات عندها مشروع سياحي في دولة (الجبل الأسود) مشابه لرأس الحكمة، وهناك تقارير تحدثت عن سماحها بدخول سفن حربية أمريكية لمياه المشروع سرا، والجبل الأسود صمتت على ما حدث"، متسائلة: "ماذا تتوقع مستقبلا بالنسبة لمصر؟".
"سيادة وأمن قومي في خطر"
وفي قراءته، قال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير، إن "الطرح الجديد لشبه جزيرة (رأس بناس) ضمن خطة الحكومة المصرية لبيع الأصول الاستراتيجية يعد استمرارا لنهج بيع مقدرات الدولة مقابل العملة الصعبة لسداد الديون المتراكمة".
وأضاف الباحث المصري لـ"عربي21"، أن "هذا التوجه يعكس أزمة أعمق في إدارة الاقتصاد المصري، التي تعتمد على بيع الأصول والقروض، بدلا من تبني سياسات إصلاحية جذرية".
وأعرب عن أسفه من أن "هذه الصفقة كالصفقات الأخرى كـ(رأس الحكمة) لها تأثير سلبي على الأمن القومي المصري، فرأس بناس الواقعة على البحر الأحمر، تتميز بموقعها الإستراتيجي قرب قاعدة (برنيس) البحرية المصرية الجديدة، وميناء (برنيس) القديم".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أن "هذه المنطقة تمثل نقطة تحكم في الملاحة والتجارة عبر البحر الأحمر، كما أنها قريبة من مضيق باب المندب، الذي يعد شريانا حيويا للتجارة العالمية".
ويعتقد المنير، أن "بيع مثل هذا الموقع الحساس يفتح المجال لتأثير خارجي على أحد أهم الممرات البحرية في العالم، ما قد يعرض سيادة مصر وأمنها القومي للخطر".
ولفت إلى أنه "في المقابل؛ رأس الحكمة الواقعة على الساحل الشمالي الغربي، تمثل أيضا بقعة استراتيجية على البحر المتوسط، وتفتح أبواب مصر أمام استثمارات أجنبية، لكنها أقل حساسية من الناحية العسكرية مقارنة برأس بناس".
وقال إنه "رغم ذلك، فإن تحويل أراضٍ بهذا الحجم إلى أيدي مستثمرين أجانب يحمل خطر تآكل السيطرة الوطنية على ثروات البلاد ومقدراتها".
ويرى أن "بيع أراضٍ استراتيجية مثل (رأس بناس) للإمارات أو غيرها يعني تسليم أجزاء حساسة من الدولة لنفوذ خارجي قد يتعارض مع المصالح الوطنية، فضلا عن الأدوار المشبوهة التي تقوم بها الإمارات في السودان ومنطقة القرن الأفريقي عموما".
وبين أن "هذا النفوذ المالي والجيواستراتيجي يسمح لهاتين الدولتين (الإمارات والسعودية) بالتدخل في سياسات مصر الداخلية والخارجية، وتحديد مصير مواردها الحيوية".
"من يفوز بالصفقة؟"
وعن التنافس السعودي الإماراتي، يرى الباحث المصري، أنه "من المرجح أن تتدخل السعودية للحفاظ على توازنها الإستراتيجي في مواجهة الهيمنة الإماراتية المتزايدة في المنطقة، خاصة أن (رأس بناس) تقع قبالة ميناء ينبع السعودي".
"أما الكويت، فربما تسعى لتعزيز حضورها من خلال ميناء (برنيس)، لكنها لا تملك نفس النفوذ المالي والسياسي الذي تملكه الإمارات والسعودية"، بحسب المنير.
ومضى المنير يؤكد أنه "هذه الدول تتمتع بنفوذ أكبر في مصر، وهو ما يجعل من الصعب على الكويت أن تدخل بقوة على خط هذه الصفقات الكبيرة بدون تفاهمات سياسية أو شراكات مع أحد اللاعبين الكبار".
وأوضح أنه "من الناحية الاقتصادية، بيع الأصول لن يعالج جذور الأزمة المالية في مصر، فمصر تواجه أزمة هيكلية في الاقتصاد، حيث تتزايد الديون بشكل لا يمكن تحمله، بينما تتقلص الفرص الحقيقية للنمو بسبب الفساد وسوء الإدارة وسيطرة الجيش على الاقتصاد المدني".
وختم بالقول: "بدلا من بيع الأصول، تحتاج الدولة إلى سياسات تحفيزية للاستثمار المحلي وزيادة الإنتاجية وتخارج للجيش من الاقتصاد وتوفير بيئة سياسية مشجعة على الاستثمار".
"خطر استراتيجي لهذه الأسباب"
من جانبه، لفت الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، وعضو "تكنوقراط مصر"، الدكتور سعيد عفيفي، إلى أنه "هناك قاعدة رأس بناس العسكرية"، مؤكدا أن "بها قوات أمريكية (الأفريكوم)"، ملمحا إلى "التسهيلات التي منحتها مصر لأمريكا منذ العام 1982، وإلى أنها قاعدة أصبحت مهمة الآن بعد الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد عفيفي على "خطورة أية صفقة أجنبية تتم قرب تلك القاعدة"، مشيرا إلى "وجود وثيقة أمريكية تؤكد استعمال البحرية الأمريكية لرأس بناس، وتوضح أنه تم استخدامها لإطلاق أول صواريخ على بغداد يوم 19 آذار/ مارس 2003، وبداية الحرب ضد العراق".
ويعتقد عفيفي، أنه "أثناء الحرب على غزة أصبح للقاعدة العسكرية المصرية أهمية كبرى، في التصدي لصواريخ وطائرات اليمن، الداعمة للمقاومة في فلسطين".
"طلب سعودي مريب"
وعن الاستثمار في رأس بناس، قال إنه "يجب ربط عدة أمور مع بعضها"، مشيرا إلى أنه "منذ شهر طالبت السعودية بإصدار قانون لحماية استثماراتها في مصر، وهذا يعد دليلا على أن السعودية ترى أن النظام لم يعد مستقرا".
وأضاف: "النظام غير مستقر اقتصاديا لأسباب كثيرة تتعلق بأمور سياسية وقانونية، والأسباب الاجتماعية هي من تضغط عليه الآن، وهذا ما جعل السعودية تريد حماية استثماراتها التي بدأت بإجراءات باطلة وتريد تصحيحها بقانون خاص".
ويرى الخبير المصري، أن "هذا الطلب بالتأكيد سوف تستفيد منه كل الدول، لأن أي قانون لا بد أن يتصف بالعمومية والتجرد".
وتوقع أن "تستفيد الإمارات والكويت من هذا، وبالتالي هذا سيجعل الكويت تتقدم بطلبات استثمار لأنها ستكون محمية بالقانون الذي سيصدر بالتأكيد، وحسب طلبات الزبون السعودي بالطبع".
في نهاية حديثه أكد أن "كل التعاقدات الأجنبية تعد باطلة بطلانا مطلقا، حسب الدستور المصري، وآلية إسقاط هذه العقود موجودة، ويمكن تفعيلها إذا تولت إدارة وطنية تسيير الأمور في البلاد، ويتعين أن يكون هذا هو أهم ملف لديها".
"هل أصبحنا جيبوتي؟"
وفي تعليقه، قال برلماني مصري فضل عدم ذكر اسمه: إن "رأس بناس ذات موقع إستراتيجي وحساس ومهم بالبحر الأحمر، وهذا الموقع خلق أهمية عسكرية له على البحر الذي يموج بالصراعات".
وأكد البرلماني لـ"عربي21" أنه "من الهام جدا أن يتم الحفاظ على الأماكن الحساسة وذات البعد العسكري وعدم التفريط فيها"، و"لم أفهم ما تم في رأس الحكمة، وهل هي تملك كامل للإمارات، أم لمدة انتفاع معينة. فلا أحد يعلم شيئا، وكأننا ضيوف في مصر، وكأن شعبها ليس من حقه معرفة مصير أراضيه".
وأوضح أنه "ليس أبدا ضد الاستثمار، ولكن هذه المنطقة لها عمق استراتيجي وأمريكا حاولت في ثمانينيات القرن الماضي الحصول على قاعدة عسكرية هناك، ورفضت السلطات المصرية".
اظهار أخبار متعلقة
وبين أنه "مع الاستثمار السياحي هناك في تلك المنطقة، ولكن على أن تكون الأولوية للمستثمرين المصريين في كل المناطق الحساسة المطروحة للاستثمار"، معربا عن مخاوفه من أن "تكون الاستثمارات الأجنبية بتلك المناطق لها أهداف أخرى تكون غامضة".
وأشار إلى تخوفه أيضا "من مواصلة الحكومة المصرية التفريط في مناطق ذات أهمية استراتيجية وعسكرية لا تراعي بعد الأمن القومي المصري"، ساخرا بقوله: "أصبحنا نتساءل من سيشتري أراضينا الإمارات أم السعودية أم غيرهما؟".
وتساءل: "هل هانت علينا بلادنا تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، ونقوم بالتفريط في الأمن القومي؟ وهل نقلد جيبوتي التي منحت موانئ وقواعد عسكرية للعديد من الدول على ساحلها؟".
ومضى يقول: "ليس لدي معلومات حول هذا الأمر، ولكن هذه مجرد مخاوف لدي، فأخشى أن تدفعنا الأزمة الاقتصادية للتفريط في أماكن حساسة وتحت وطأة الديون".
"مستوطنات منفصلة"
وأعرب البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تخوفه من أن بيع الرؤوس البحرية في مصر مثل رأس الحكمة ورأس جميلة ورأس بناس، ذات الواجهات البحرية من ثلاثة اتجاهات هو "مخطط لجعل تلك المناطق الاستراتيجية مستوطنات منفصلة ومعزولة عن بقية مصر".
كما أن خبر طرح "رأس بناس"، دفع البعض للمطالبة بـ"التحرك ضد السيسي الآن"، مؤكدين أنه "أصبح فرض عين على كل مواطن شريف"، فيما طالب الكاتب الصحفي المعارض مجدي أحمد حسين بضرورة "تشكيل حركة اسمها: وقف بيع مصر".
وأشار النائب البرلماني السابق وعضو الحركة المدنية الديمقراطية طلعت خليل، إلى جانب غياب المعلومات عن الطرح الجديد، وقال إننا كمصريين لم نعرف حتى الآن ما تم في صفقة "رأس الحكمة"، التي نالتها الإمارات.