مدونات

إيدز المؤسسات.. الأسباب وإمكانية التعافي

علي شيخون
CC0
CC0
في عالم سريع التغير، تواجه المؤسسات بشتى صورها وأنشطتها -ربحية كانت أم غير ربحية- تحديات متزايدة للنمو والازدهار فضلا عن البقاء، أحد أخطر هذه التحديات هو ما يُعرف بـ"إيدز المؤسسات"، وهو حالة من التدهور الشامل في أداء وصحة المؤسسة، تستدعى هذه الحالة سؤالا مهما ملحا هو "هل يمكن للمؤسسات التعافي من هذه الحالة الخطيرة؟".

أولا ما المقصود بإيدز المؤسسات؟ إنها حالة مؤسسة تتسم بضعف شديد في الأداء التنظيمي، وانخفاض في الإنتاجية، وتدهور في جودة الخدمات أو المنتجات التي تقدمها، مع ارتفاع في معدل دوران المنتسبين والأعضاء والعاملين، وانهيار في الروح المعنوية، وإخفاق في تحقيق الأهداف فضلا عن الرؤية والرسالة.

وتتمثل المؤشرات التفصيلية للحالة على مستوى القيادة في قرارات متأخرة أو غير فعالة، وغياب الرؤية الاستراتيجية، وانعدام الشفافية. أما على مستوى المنتسبين فتتمثل في زيادة التغيب عن العمل وضعف المشاركة في النشاط، انخفاض الإبداع والابتكار، ومقاومة التغيير.

أما على مستوى العمليات فتتمثل في بطء في الاستجابة لمتطلبات السوق واحتياجات العملاء، وتكرار الأخطاء وزيادة الهدر في الموارد بتنوعها، فضلا عن ضعف إدارة الموارد. أما على مستوى الأداء المالي للمؤسسات الربحية فتتمثل المؤشرات في تراجع الإيرادات، وزيادة التكاليف التشغيلية وبالتالي انخفاض هوامش الربح، بل قد تكون النتائج تحقيق خسارة مفضية للانتهاء.

ما هي أسباب إيدز المؤسسات؟

قد تنشأ أسباب مرض نقص المناعة (إيدز) للمؤسسات مع ولادتها أو قبل نشأتها، وقد تنشأ الأسباب بعد ولادتها وفي حياتها الطبيعية.

أما عن أهم أسباب مرض نقص المناعة (الإيدز) للمؤسسات قبل ولادتها فتتمثل في البدء والنشأة دون دراسة لجدوى هذه المؤسسة سواء كانت ربحية أو غير ربحية، جدوى اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية، أو نشأت وفق دراسة ضعيفة ليست قائمة على أسس أو منهجية علمية أو مهنية، أو قام بالدراسة هواة لا يعرفون مقاصد ولا أهمية ولا منهجية إعداد الدراسة، وفي هذه الحالة تبذر أول بذرة في فيروس نقص المناعة.

وسبب ثان يتمثل في العشوائية وأقصد بها الاختيار دون الاستناد إلى معايير، سواء معايير لاختيار نوع النشاط أو مستوى الخدمات والسلع المستهدف تقديمها، أو معايير لاختيار وقت إطلاق المؤسسة، أو معايير اختيار المكان والمنطقة الجغرافية المناسبة، أو معايير اختيار الموارد البشرية القائمة بتنفيذ النشاط وتقديم الخدمات أو السلع، أو معايير لاختيار قيادة المؤسسة بمستوياتها التنظيمية المختلفة.

وثالث أسباب مرض نقص المناعة (الإيدز) للمؤسسات هو انعدام التخطيط الصحيح، حيث تنشأ المؤسسة تقليدا لمؤسسة أخرى ناجحة، أو مناكفة في مؤسسة أخرى قائمة، ولا يتم تحديد أهداف ولا رؤية ولا كيف ستعمل ولا كيف ستنفذ أنشطتها ولا كيف ستواجه مخاطر وتحديات، وإنما تسير وفق ما يريد العمدة وأحيانا وفق ما يهوى شيخ الخفر، ولا تأتي سيرة المتخصصين على الخاطر في هذا الجانب.

أما عن أسباب الإيدز بعد مولد المؤسسة وفي حياتها العادية فأهمها، سوء الإدارة أو القيادة، حيث تتناسب درجة سوء الإدارة مع كونها سببا لمرض الإيدز، لأن القائد المتميز يصنع من "الفسيخ شربات" والعكس، فالمدير ضعيف الشخصية قليل الكفاءة ستنتج عنه كل أمراض الدنيا للمؤسسة، بدءا من اتخاذ قرارات قد تكون مدمرة، مرورا بصناعة مناخ عمل سلبي أو سيئ، وضعف أو سوء استثمار الموارد البشرية فضلا عن الموارد المالية، انتهاء بضعف الإنتاج كمّا وكيفا وتمكن المرض من المؤسسة ينتهي بها إلى حتفها.

ثاني الأسباب، المشاكل المالية المتمثلة في عدم القدرة على تأمين التمويل اللازم للاستمرار في العمل فضلا عن النمو، وضعف كفاءة إدارة التدفقات النقدية بشكل صحيح، وهذ يؤدي إلى عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية، ومن ثم زيادة الديون وعدم القدرة على سدادها وينتهي بأن يعرض المؤسسة لمخاطر الإفلاس.

ثالث الأسباب، عدم قراءة المنافس قراءة صحيحة وعدم متابعة وتحليل المنافسين، وهو ما يؤدي إلى فقدان الحصة السوقية وعدم القدرة على التكيف مع التغيرات في السوق.

ورابع الأسباب التقليدية، ضعف الابتكار والإبداع، عدم مواكبة التطورات التكنولوجية يمكن أن يجعل المؤسسة غير قادرة على المنافسة بفعالية، وقلة الابتكار وعدم الاستثمار في البحث والتطوير يؤدي إلى منتجات أو خدمات يهجرها العملاء وتمسي بضاعة راكدة لا يأبه بها أحد.

وخامس الأسباب، ضعف كفاءة الموارد البشرية، وعدم القدرة على جذب أو الاحتفاظ بالكفاءات والخبرات المتميزة، وتمكن بيئة عمل غير داعمة مما يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية وزيادة معدل دوران المنتسبين والأعضاء والموظفين.

وسادس الأسباب، ضعف كفاءة أو عدم وجود استراتيجية للتعامل مع المخاطر، إما بعدم وجود خطة لإدارة المخاطر، وغياب استراتيجية إدارة المخاطر، أو بضعف كفاءة التعامل مع المخاطر، وهذا يجعل المؤسسة عرضة للأزمات التي قد تؤدي إلى فقدان المناعة ثم موتها، أيضا الإفراط في التفاؤل والتقليل من أهمية المخاطر المحتملة أو الافتراضات المفرطة بالتفاؤل حول المستقبل يؤدي نفس النتائج.

سابع الأسباب، سوء العلاقات مع الشركاء، وتدهور العلاقات مع الموردين وشركاء العمل أو المهمة، مما يؤدي إلى تأخر أو نقص في الموارد الأساسية، إضافة إلى التوترات أو النزاعات مع المستثمرين يمكن أن تؤدي إلى انسحابهم أو تقليل دعمهم المالي.

ثامن الأسباب، الفشل في التكيف مع التغيير، بدءا من مقاومة التغيير، والتردد أو البطء في التكيف مع التغيرات في السوق أو التكنولوجيا وأمزجة العملاء والظروف الخارجية والقوى القاهرة وتميز المنافسين، وغيرها من التغيرات المتسارعة في عالمنا المعاصر.

لعل هذه أهم أسباب مرض نقص المناعة المسمى إيدز، والتي إن وجدت في مؤسسة ما وجد معها كل أسباب الفناء.

متى يمكن أن نقول أن المؤسسة لا يجب أن تستمر (فقدان الأمل في الشفاء)؟

إذا توفرت عدة مؤشرات في المؤسسة لا ينبغي أن تستمر في أداء نشاطها، أهمها:

- وضوح الفشل الاستراتيجي وعدم تحقيق الأهداف الاستراتيجية على المدى الطويل، ومؤشر ذلك عدم التوافق بين الاستراتيجية والأداء، وتكرار الفشل في تحقيق الخطط الاستراتيجية.

- فقدان القدرة التنافسية، عدم القدرة على التنافس في السوق مع المنافسين الأكثر كفاءة، ومؤشره تراجع الحصة السوقية بشكل مستمر وفقدان العملاء لصالح المنافسين، إلى تراجع الإيرادات وتفاقم الأزمة المالية في المؤسسات الربحية وانفضاض المستفيدين في المؤسسات غير الربحية.

- التدهور المستمر في معنويات الأعضاء والمنتسبين والعاملين بشكل كبير ومستمر، ومؤشره ارتفاع معدلات الدوران الوظيفي، انخفاض الإنتاجية بصورها المختلفة، وتزايد الشكاوى والمشاكل الداخلية، وتدهور الأداء العام للمؤسسة.

- الافتقار إلى الابتكار والتكيف، وعدم القدرة على الابتكار أو التكيف مع التغيرات في جوانب الحياة، ومؤشر ذلك الفشل في تطوير منتجات أو خدمات جديدة، وعدم مواكبة التغيرات التكنولوجية، مما يؤدي إلى فقدان التنافسية والتراجع في السوق.

- فقدان الثقة من المساهمين وأصحاب المصلحة، يبدأ بانخفاض الثقة في قدرة المؤسسة على تحقيق النجاح المستدام والمستمر، ومؤشره سحب الاستثمارات، وانخفاض قيمة الأسهم، وانسحاب الداعمين وانتقادات مستمرة من أصحاب المصلحة.

- مخاطر قانونية وتنظيمية، من مواجهة قضايا قانونية أو تنظيمية مستمرة تهدد بقاء المؤسسة، ومؤشر ذلك غرامات قانونية كبيرة، وحظر نشاطات معينة، وتزايد الدعاوى القضائية.

- العجز المالي المستمر، عندما تعاني المؤسسة من عجز مالي دائم ومستمر لا يمكن تعويضه، ومؤشره عدم القدرة على تنفيذ النشاط وتكاليف الإنتاج فضلا سداد الديون وتأخر مستحقات المنتسبين أو العاملين.

هل يمكن لمؤسسة مريضة بالإيدز أن تتعافى؟؟ احتمال وليس تأكيد، وهذا ما سنراه في المقال القادم بعون الله.
التعليقات (0)