ملفات وتقارير

مصر تصدم مواطنيها بقرارين وسط ارتفاع تكاليف المعيشة.. رصد لحجم الأزمة والحلول

زاد سعر أسطوانة البوتاغاز سعة 12.5 لتر بقيمة 50 جنيها دفعة واحدة ليصبح 150 جنيها- الأناضول
زاد سعر أسطوانة البوتاغاز سعة 12.5 لتر بقيمة 50 جنيها دفعة واحدة ليصبح 150 جنيها- الأناضول
بالتزامن مع الإعلان عن ضخ السعودية استثمارات بنحو 5 مليارات دولار في مصر، صدمت الحكومة المصرية الثلاثاء، أكثر من 106 ملايين مصري، بخبرين، أكد كثيرون أنهما سيشعلان أسعار سلع استراتيجية رغم ما طال السوق المحلي من ارتفاعات في الأسعار في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي (2014- 2030).

"الخبر الأول"
قررت الحكومة المصرية ابتداء من الأربعاء، رفع أسعار أنابيب البوتاغاز المنزلي والتجاري، بمعدل 50 بالمئة و33.3 بالمئة على التوالي، بحسب ما نشرته الجريدة الرسمية.

وذلك في إطار توجه حكومي متواصل بخفض دعم المنتجات البترولية والغاز الطبيعي، ورفعه بالكامل عن أسطوانات الغاز بنهاية العام 2025؛ بحسب مصدر حكومي تحدث مع نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية.

وزاد سعر أسطوانة البوتاغاز سعة 12.5 لتر بقيمة 50 جنيها دفعة واحدة ليصبح 150 جنيها (3.08 دولار)، وأسطوانة الغاز سعة 25 كيلوغراما من 150 إلى 200 جنيه (4.11 دولار)، وللقطاع التجاري بالنسبة ذاتها لكن سعرها وصل إلى 300 جنيه (6.17 دولار)، وجميعها أسعار تسليم المصنع.

اظهار أخبار متعلقة


ورفعت الحكومة أسعار الغاز الطبيعي المورد لمحطات الكهرباء من ثلاثة دولارات للمليون وحدة حرارية إلى أربعة دولارات، مع رفع أسعار المازوت لمحطات الكهرباء بنسبة 160 بالمئة من 2500 إلى 6500 جنيه (133.8 دولار).

ورفعت الحكومة أسعار غاز الصب غير شامل نولون النقل إلى 12 ألف جنيه للطن (247 دولارا)، مع زيادة سعر الغاز الموردة لمصانع الطوب من 110 جنيهات للمليون وحدة حرارية إلى 170 جنيها (3.4 دولار).

وفي أول رد فعل على القرار قررت مصانع الطوب الأحمر زيادة أسعار منتجاتها بنسبة 25 بالمئة تقريبا، فيما أكد رئيس شعبة مواد البناء، في اتحاد الغرف التجارية، أحمد الزيني، أن تحريك أسعار أسطوانات البوتاغاز سيكون له تأثير سلبي على المصانع كثيفة الاستخدام للوقود.

وكشف مسؤول حكومي، لموقع "الشرق مع بلومبيرغ"، أن رفع سعر غاز الطهي يوفر على الخزينة ما بين 12 و 14 مليار جنيه في ميزانية الدولة خلال العام المالي الحالي (2024- 2025).

"50 جنيها للنقل والتوصيل"
شيماء، ثلاثينية مصرية تقود عربة كارو، في شوارع حي شبرا الخيمة الشعبي بمحافظة القليوبية شمال القاهرة، تقول: "هذه الأسعار تسليم المصنع ومراكز التوزيع، بينما بقي سعر النقل الذي قد يصل من 20 إلى 25 جنيها بحسب المسافة".

وتوضح لـ"عربي21"، أنه "يبقى كذلك وضع هامش ربح للتجار السريحة، بين 10 و20 جنيها، بجانب 10 أو 15 جنيها على الأقل لتوصيل اسطوانة الغاز إلى الأدوار العليا للسكان، ما يعني أن سعر الأنبوبة 12.5 لتر لن يكون 150 جنيها بل يتعدى الـ200 جنيه، بالمناطق الشعبية، أما المناطق الراقية فسيكون بالطبع أكثر من ذلك".

وتؤكد، أن "توصيل الأنبوبة الآن للمنازل من 180 إلى 200 جنيه، مع زيادة 50 جنيها ستتعدى الـ250 جنيها"، مبينة أن "الحاجة للغاز واستهلاكه يتزايد في الشتاء، وأنه مع توقف الكثير من المشروعات لتوصيل الغاز المنزلي عبر الأنابيب للشقق والوحدات السكنية الفترة السابقة يتزايد الطلب على أسطوانات الغاز".

حدثت قفزات كبيرة في سعر أنبوبة البوتاجاز المنزلي من نحو 8 جنيهات عام 2013، إلى 15 جنيها عام 2016، إلى 30 جنيها عام 2017، وحتى 50 جنيها عام 2018، و65 جنيها عام 2019، و70 جنيها في 2021، و75 جنيها في 2023، وإلى 100 جنيه في آذار/ مارس الماضي، ثم 150 جنيها الأربعاء، في زيادة تقدر بـ21 ضعفا، في رفع لـ8 مرات في عهد السيسي، بنسبة زيادة في 11 عاما تصل إلى 1775 بالمئة، بحسب خبراء.



"الخبر الثاني"
تعتزم الحكومة المصرية تقليص المساحة المخصصة لزراعة الأرز المحصول الاستراتيجي والأكثر أهمية بعد الخبز بنسبة 32 بالمئة لتصبح 750 ألف فدان خلال الموسم الجديد (أيار/ مايو المقبل)، بدلا من نحو 1.1 مليون فدان كان هو معدل العام الجاري رسميا، لكنه ارتفع إلى 1.6 مليون فدان.

ووفق تصريح مسؤول حكومي لـ"الشرق مع بلومبيرغ"، فإن قرار اللجنة الوزارية المشكلة من وزارتي الموارد المائية والري، والزراعة يخص 9 محافظات هي: الإسكندرية، والبحيرة، والغربية، وكفر الشيخ، والدقهلية، ودمياط، والشرقية، والإسماعيلية، وبورسعيد.

وأوضح أن هذا التوجه يأتي بسبب نقص الموارد المائية، في إشارة إلى أزمة مياه النيل، وتحديات السد الإثيوبي الذي تقيمه أديس أبابا على النيل الأزرق، وإصرار حكومتها على عدم توقيع اتفاقية ملزمة تضمن حصة مصر من المياه سنويا (55 مليار متر مكعب).

وفي أول رد فعل عقب الإعلان، ارتفعت أسعار الأرز الأبيض بالأسواق، حيث سجل سعر الكيلو بين 31 و 36 جنيها مقابل ما بين 26 و 30 جنيها، بارتفاع بنحو 4 أو 5 جنيهات خلال شهر سبتمبر الجاري، رغم بداية موسم حصاد المحصول الجديد، وفقا لقول عضو غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات مجدي الوليلي، لموقع "مصراوي" المحلي، متوقعا ارتفاعات جديدة بالأسعار.

"لصالح التجار لا المزارع.. وتضر بالمواطن"
ورغم أن المسؤول الحكومي أكد أن محصول المساحة المحددة للموسم المقبل "يكفي الاستهلاك المحلي"، إلا أن بعض المصريين عبروا عن غضبهم من القرار الذي اعتبروا أنه من المبكر جدا الإعلان عنه قبل موسم الزراعة المقبل في أيار/ مايو، متوقعين اضطرابا كبيرا في أسعار الأرز.

الحاج عاطف، وهو مزارع (61 عاما)، يتساءل في حديثه لـ"عربي21": "لماذا تم الإعلان عن مثل هذا القرار الآن، قبل موسم حصاد الأرز هذا العام والمقرر في أيلول/ سبتمبر وحتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر؟".

اظهار أخبار متعلقة


ويؤكد أن "سعر الأرز الشعير الموجود الآن سيرتفع بشكل كبير، وكذلك سعر المحصول القادم، في ظل حرص المواطنين والتجار على الشراء"، مبينا أن "سعر طن الشعير العام الماضي من الحقل بلغ ما بين 17 و20 ألف جنيه، وبهذا القرار أتوقع وصوله إلى 25 ألف جنيه من الحقل"، ملمحا إلى أنه "قبل 11 عاما كان سعر طن الشعير نحو 2500- 2600 جنيه".

ويوضح، أن "كل قرار هناك من يقف خلفه، من المستفيدين من كبار التجار، وليس المزارعين"، ملمحا إلى أن "هناك آلاف الأطنان المخزنة من الأرز الشعير والأبيض اشتراها التجار وخزنوها طمعا في أرباح هائلة ولكن الموسم كان هادئا ولم يشهد طفرات في الأسعار".

ويلفت إلى أن إعلان قرار تقليص مساحة المنزرع من الأرز بنسبة الثلث "فرصة لأولئك التجار لإخراج المخزون لديهم بأسعار أفضل ولتحقيق مكاسب قبل موسم الحصاد القادم، وبالتالي يتخلصون مما لديهم من مخزون مع مكاسب كبيرة تمهيدا لشراء المحصول الجديد".

ويقول، إن "أحد التجار له ارتباطات بقيادات عليا قام بجمع آلاف الأطنان ولم يستطيع تصريفها بسعر مناسب، وأعلن أنه حقق خسارة أكثر من ثلاثة ملايين جنيه، لكنه اليوم سوف يطرح ما لديه من مخزون بسعر أفضل، بسبب هذا الإعلان".

"أجواء صعبة"
ويأتي قرار رفع أسعار الغاز المنزلي والتجاري، والمورد للمصانع، والارتفاع في أسعار الأرز، في ظل ما يعانيه السوق المحلي من غلاء بالأسعار طال جميع السلع، وقبل دخول المدارس المقررة الأسبوع المقبل، وسط ضغوط مالية لشراء متعلقات الدراسة من ملابس وكتب خارجية.

ويعاني المصريون من زيادات متتالية تقرها الحكومة على أسعار الكثير من الخدمات والسلع، بينها الوقود الذي جرى رفعه مرتان في آذار/ مارس وتموز/ يوليو الماضيين، بنسب تراوحت بين 10 و15 بالمئة، وذلك إلى جانب الخبز، وأسعار تذاكر وسائل النقل من قطارات ومترو الأنفاق، والإنترنت الأرضي وخدمات الهاتف المحمول، ثم الكهرباء، ومواد البناء كالأسمنت والحديد، والأدوية.

وتتواصل الشكاوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال عشرات المقاطع المصورة، من الغلاء والفقر ونقص السلع وخاصة الأدوية بكافة أنواعها، ما دفع البعض للتعليق على القرار بقوله: "بعض الشعب بلا غذاء، وبعضه بلا دواء، وكله بلا أمل".

"قرارات لن تحقق الاستقرار"
وفي قراءته الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي والاستراتيجي الدكتور علاء السيد: "قرارا رفع أسعار البوتاغاز والحد من زراعة الأرز، هما جزء من سلسلة قرارات اقتصادية أوسع نطاقا تتبعها الحكومة منذ سنوات، وتهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي وتلبية شروط البرامج الاقتصادية التي تتفق عليها مع المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي".

رئيس "الأكاديمية المصرفية الدولية"، يرى في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه القرارات، رغم أنها قد تبدو ضرورية في نظر البعض، إلا أنها في الحقيقة تمثل خطوة للوراء وليست خطوة للأمام".

وبالنسبة لقرار رفع أسعار البوتاغاز، أكد أنه "جاء استجابة لشروط صندوق النقد الدولي، ويؤدي إلى زيادة حادة بمعدلات التضخم، ويضع عبئا إضافيا على كاهل المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود، كما أنه لن يحل المشكلة الأساسية المتمثلة في هيكل الدعم غير العادل، والذي يستفيد منه الأغنياء أكثر من الفقراء".

وعن قرار تقليص مساحة زراعة الأرز، يرى أنه "قرار كارثي يؤدي لنقص حاد بالإنتاج الزراعي، وارتفاع أسعار الأرز بشكل جنوني، ما يهدد الأمن الغذائي للمصريين، بالإضافة زيادة البطالة في الريف، وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية".

اظهار أخبار متعلقة


وأكد أن "الخضوع لشروط صندوق النقد، لم يثبت نجاحه بأي دولة، فالشروط التي يفرضها الصندوق غالبا ما تكون قاسية وغير واقعية، وتؤدي لتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بدلا من حلها".

ودعا "كل المخلصين من أبناء مصر للدعوة إلى إعادة النظر بهذه السياسات الاقتصادية، والبحث عن حلول بديلة تعتمد على دعم الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستثمار، وتنويع مصادر الدخل".

ويرى السيد، أن "هناك حاجة ملحة لإصلاح هيكل الدعم، ليستفيد منه الفقراء والمزارعون الصغار، وليس الأغنياء والشركات الكبرى، كما أنه يجب على الحكومة العمل على تطوير الزراعة، وتحسين كفاءة استخدام المياه، والبحث عن مصادر بديلة للطاقة".

ومضى يؤكد أن "هذه القرارات الاقتصادية ستؤدي لتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بمصر، ولن تحقق الاستقرار المالي المنشود".

"مقترحات وحلول بديلة"
استشاري تطوير وتمويل المشروعات والأوقاف الاستثمارية، قال: "وحتى لا يتهمنا البعض بأننا نكتفي بانتقاد استراتيجيات وسياسات الحكومة المصرية الفاشلة؛ فهذه بعض المقترحات البديلة لحل الأزمة الاقتصادية في مصر وتحدي نقص المياه بدلا من الاعتماد الكامل على شروط صندوق النقد الدولي".

وأوضح أنه لتنويع مصادر الدخل، فإن هناك 5 نقاط هامة هي: "تطوير القطاع الخاص، وذلك بتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وتوفير بيئة جاذبة للأعمال، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية"، و"تعزيز السياحة، من خلال الاستثمار في البنية التحتية السياحية، وتنويع المنتجات السياحية، والترويج لمصر كوجهة سياحية عالمية".

و"تطوير الصناعات التحويلية، عبر التركيز على الصناعات التي تعتمد على المواد الخام المحلية، مثل الصناعات الغذائية والنسيجية"، و"الاستفادة من الطاقة المتجددة، بالاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري"، و"تطوير قطاع الخدمات، بالتركيز على الخدمات ذات القيمة المضافة، مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات".

وبين أنه لحل أزمة نقص المياه، فإن هناك 5 طرق ووسائل يرجى اتباعها، منها: "كفاءة استخدام المياه، عبر تبني تقنيات ري حديثة، وتشجيع المزارعين على استخدام أنظمة الري بالتنقيط والرش"، و"تحلية مياه البحر، بالاستثمار في محطات تحلية مياه البحر، وتقليل تكاليفها لتوفير مياه الشرب والصناعة".

و"إعادة تدوير المياه، بإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة"، و"حصاد مياه الأمطار، ببناء سدود صغيرة لحصاد مياه الأمطار وتخزينها للاستخدام الزراعي"، و"التعاون الإقليمي، بتعزيز التعاون مع دول حوض النيل للوصول إلى اتفاق عادل بشأن تقاسم مياه النيل".

وأشار إلى أنه لحل أزمة الفقر والغلاء يجب اتباع بعض السياسات الاجتماعية، ومنها: "شبكات الأمان الاجتماعي، بتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي لتغطي الفئات الأكثر احتياجا"، و"الدعم المباشر للمزارعين، بتقديم دعم مالي ونوعي للمزارعين المتضررين من نقص المياه".

و"توفير فرص عمل، بتنفيذ مشاريع خلق فرص عمل في المناطق الريفية والحضرية"، و"التعليم والتدريب، بالاستثمار في التعليم والتدريب المهني لرفع كفاءة القوى العاملة".

اظهار أخبار متعلقة


وألمح إلى ضرورة عمل إصلاحات هيكلية: عبر "إصلاح نظام الدعم، باستهداف الدعم للفئات الأكثر احتياجا، وتقليل الدعم غير الموجه"، و"إصلاح قطاع الطاقة، بزيادة كفاءة إنتاج وتوزيع الطاقة، وتشجيع الاستخدام الرشيد للطاقة"، و"إصلاح القطاع المصرفي، بتعزيز دور القطاع المصرفي في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة"، و"مكافحة الفساد، بتعزيز الشفافية والمساءلة، ومكافحة الفساد في جميع المستويات".

وفي نهاية حديثه، أكد الخبير المصري على ضرورة "التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي، والسياسات الاجتماعية التي تهدف إلى حماية الفئات الضعيفة".

وذلك إلى جانب "المشاركة المجتمعية، بإشراك المجتمع المدني والخبراء في صياغة وتنفيذ السياسات"، و"التكيف مع التغيرات المناخية، بأن تأخذ السياسات في الاعتبار التغيرات المناخية وآثارها على الموارد المائية والزراعية".

ولفت إلى أن "هذه المقترحات ليست شاملة، ولكنها تقدم بعض الأفكار التي يمكن البناء عليها"، مؤكدا أن "أي حل للأزمات الاقتصادية والاجتماعية في مصر يتطلب رؤية شاملة وطويلة الأجل، وتعاونا بين جميع الأطراف".
التعليقات (0)