في تطور سريع للخلافات داخل الإطار التنسيقي الشيعي في
العراق، تقود قيادات إطارية حملة قضائية ضد أطراف تعمل في الحكومة قريبة من رئيس الوزراء محمد شياع
السوداني، التي يراها البعض أنها ضغوطات ضد الأخير من أجل إرغامه على عدم المشاركة بالانتخابات المقبلة.
وبحسب مواقع محلية، فإن نوري المالكي وقيس الخزعلي القياديين في الإطار، رفعا دعاوى قضائية ضد محمد جوحي، المدير في رئاسة الوزراء، وذلك بعد أيام من ملاحقة حيدر حنون، رئيس هيئة النزاهة الحكومية، قضائيا، لاتهام أحد القضاة بالتواطؤ في قضية "سرقة القرن".
في 19 آب الماضي، اعتقل الأمن العراقي "شبكة تنصت وتزوير" يقودها المقرّب من السوداني، محمد جوحي، وتضم موظفين وضباطا، في سابقة لم تشهدها الحكومات المتعاقبة، حسب تصريحات أدلى بها النائب المستقل القريب من الإطار التنسيقي مصطفى سند.
أزمة شديدة
وبخصوص اشتداد الصراع داخل الإطار التنسيقي، قالت مصادر سياسية عراقية خاصة لـ"عربي21"، طالبة عدم الكشف عن هويتها؛ إن "قضيتي جوحي وحنون تسببتا بأزمة شديدة بين قوى الإطار، وأن تأثيرهما بات واضحا داخل الأوساط السياسية، ولاسيما الشيعية منها".
وأوضحت المصادر أن "جوحي كان يتمتع بصلاحيات واسعة جدا داخل مكتب رئيس الوزراء، ومنحه السوداني مكانة وسلطة واسعة، رغم أنه كان ينتمي إلى حراك تشرين عام 2019 الذي يمقته الإطار التنسيقي".
ولفتت إلى أن "بعض قيادات الإطار، خصوصا المالكي والخزعلي، غاضبة جدا من السوداني بخصوص شبكة جوحي؛ لأن الأخير متهم بالتنصت عليهم، وبات رئيس الحكومة مطالبا أمامهم بالكشف عن طبيعة علاقته بما كانت تفعله الشبكة وحقيقة ارتباطها به".
وكشفت المصادر أن "حضور السوداني إلى اجتماع الإطار التنسيقي الأخير في منزل رئيس البرلمان بالوكالة محسن المندلاوي، كان بطلب من رئيس تيار الحكومة عمار الحكيم، حتى يشرح رئيس الحكومة وجهة نظره، وأن الأخير أقر بخطئه في تقدير شخصية جوحي".
إظهار أخبار متعلقة
ولفتت إلى أن "الحكيم دافع بشدة عن موقف رئيس الوزراء في عدم ارتباط شبكة جوحي به شخصيا"، مؤكدة أن "كشف شبكة جوحي أوجد حالة من عدم الارتياح من مسؤولين لم يمنحوا مثل مكانته، وهم أفضل منه".
وبحسب المصادر، فإن "شبكة جوحي أثارت من جديد داخل الإطار التنسيقي موضوع قيادات حراك تشرين الذين جرى تقريبهم من الحكومة الحالية، بعدما فعل ذلك رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، ووضعهم في مناصب مهمة بمكتبه الخاص".
أما بخصوص قضية حنون، قالت المصادر ذاتها؛ إن "السوداني طلب من رئيس هيئة النزاهة عدم عقد المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه عن القاضي ضياء جعفر الذي يمسك قضية سرقة القرن، لكنه خالف توجيهه وظهر في المؤتمر وتسببت تصريحاته بأزمة حقيقية".
وبيّنت المصادر أن "رئيس الوزراء قرر إعفاء رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون من منصبه على خليفة المؤتمر الصحفي، لكن زعيم تيار الحكمة توسط في الموضوع، وطلب منه التراجع، بذريعة أن ذلك يفتح باب جديد له".
دعا رئيس هيئة النزاهة، حيدر حنون البرلمان، خلال مؤتمر صحفي إلى "استضافته مع قاضي تحقيق جنايات مكافحة الفساد، ضياء جعفر، لإثبات مكمن التقصير في قضية المتهم بسرقة القرن نور زهير؛ لأن الأخير سبق أن أخفى قضيتين سرقة أيضا، للمتهم نفسه".
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أعلنت محكمة تحقيق قضايا الفساد في منطقة الكرخ بالعاصمة بغداد، التي يرأسها القاضي، ضياء جعفر، الإفراج عن المتهم نور زهير، مقابل إعادة أموال "سرقة القرن"، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في البلاد.
ضغوط متعددة
تعليقا على ذلك، أكد الباحث والمحلل السياسي العراقي، كاظم ياور، أن "رئيس الوزراء يتعرض في الوقت الحالي إلى ضغوطات سياسية وإدارية وحتى قضائية، منها ما حصل مؤخرا من قيادات إطارية برفع دعاوى على محمد جوحي والشبكة العاملة معه".
وأوضح ياور لـ"عربي21" أن "الدعاوى تحمل رسائل سياسية مبطنة إلى رئيس الوزراء؛ كونه المسؤول من الناحية الإدارية على جوحي وباقي أفراد شبكته، سواء كان بتعيينه بشكل مباشر منه أو دون علمه، لكنه يملك صلاحيات واسعة في توظيف الشخصيات بمناصب مهمة في مكتبه الخاص".
ورأى الباحث أن "الكتل السياسية في الإطار التنسيقي تحاول إبعاد السوداني وحزبه (تيار الفراتين) عن
الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2025، وذلك بأن يعلن الأخير بنفسه عدم خوضها كما حصل في انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) التي جرت في نهاية 2023".
وبحسب ياور، فإن "الحكومة الحالية عندما تشكلت، كانت هناك شروط داخل الإطار التنسيقي أن السوداني لا يخوض الانتخابات البرلمانية، لكن ظهرت مؤخرا خلافات كبيرة بدت واضحة في طرح المالكي موضوع إجراء انتخابات مبكرة قبل اكتشاف شبكة جوحي".
ونوه إلى أن "المالكي والخزعلي يخشون من مشاركة السوداني في الانتخابات، إذ إن الأخير أصبح لديه خطوط عريضة في الساحة السياسية السنية وتناغم مع أحزاب كردية، وهم راضون عليه ويدعمونه لولاية ثانية".
إظهار أخبار متعلقة
وتابع: "كتل داخل الإطار التنسيقي تخشى أن تهمّش في الانتخابات البرلمانية المقبلة نتيجة بروز أوراق رابحة كثيرة للسوداني، لذلك كانت شبكة محمد جوحي وقبلها قضية سرقة القرن وسيلة للضغط عليه، من أجل أن يستسلم مبكرا قبل خوضه الانتخابات".
وكانت البرلمانية المقربة من رئيس الوزراء، عالية نصيف، أكدت أن "السوداني يتعرض إلى هجمة من أطراف داخل الإطار التنسيقي؛ لأن شعبيته تتزايد في الشارع العراقي، لذلك طلبت منه هذه الأطراف بالاستقالة من منصبه قبل ستة أشهر من الانتخابات البرلمانية".
وكشفت نصيف خلال مقابلة تلفزيونية، الأسبوع الماضي، أن "هذه الأطراف طالب السوداني أيضا بعدم المشاركة بالانتخابات مقابل منحه ولاية ثانية، لكن عندما أفصح الأخير عن رغبته بخوض الانتخابات كونه يمتلك رصيدا في الشارع، ظهرت شبكة جوحي".
وشددت البرلمانية على أن "خوف الإطار من دخول السوداني الانتخابات المقبلة، كان سببا في افتعال هذه الأزمات ضده، لذلك عندما ثبت وجود أطراف سياسية متورطة في قضية نور زهير (المتهم الأول بسرقة القرن)، اليوم يدفع رئيس الوزراء ثمن ذلك بالحديث عن شبكة تجسس".