الأحداث الكبرى التي تعيشها الأمة ـ رغم
قسوتها، وشدتها، والآثار المادية التي تنتج عنها ـ إلا أنها كاشفة كذلك عمن يعيش
وفي خاطره وقلبه قضايا أمته، ومن يعيش، وجسده
عربي أو مسلم، لكن العقل والقلب مع
العدو، سواء كان العدو غربيا، أم صهيونيا، ولو لم تأت الأحداث لانطلى على كثير من
الناس، ما كان يطنطن به هؤلاء من حديثهم حول قضايا تتعلق بالعروبة والإسلام، أو
بالإنسان وحقوقه.
كثيرا ما يتساءل الناس: لماذا تبدو هذه
الظاهرة في لحظات ضعف العالم الإسلامي، وتبدو بشكل فج، في وقت تكون فيه الأمة أحوج
ما تكون لكل صوت يدعم قضيتها، فإذ بهم يطعنون المقاومين للعدوان، والرافضين للظلم
والظلمة، فنجدهم مع العدو والظلم، وضد الحق وأمتهم، وإن بدوا أمام الناس أنهم منا،
يتحدثون بألسنتنا، وألوانهم كألواننا؟!
أليس ما نراه على بعض قنوات، وبرامج، وبعض مقدمي برامج، وبعض كتاب مقالات، وأصحاب أقلام عرب ومسلمون، هو ما تعبر عنه هذه الأحاديث، وتحذر منه، من قوم يأكلون بألسنتهم وأقلامهم على موائد الصهاينة، وعلى موائد المحتل، أو وكلائه في بلداننا، وهو ما نراه من قصف مستمر على كل مقاوم
والحقيقة أن هذه الظاهرة حين نراها، فهي
تزيدنا إيمانا بقرآننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد أخبرنا الوحي بهذه
الظاهرة، وأنها ستوجد في الحياة، وهؤلاء الأشخاص الذين يأكلون بألسنتهم وأقلامهم
على موائد العدو الداخلي والخارجي، هم مصداق لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والذي
ذكرت بعض أحاديثه الشريفة أوصاف هؤلاء، ونعتهم، وتفاصيل دقيقة لأفعالهم ومنهاجهم،
بل شبهتهم تشبيهات غاية في البلاغة والوصف.
ورد في تشبيه الذين يأكلون بألسنتهم
وأقلامهم بالباطل على مائدة العدو والظالم، في حديثين مهمين، أما الأول: فقوله صلى
الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم؛ كما تأكل
البقر بألسنتها"؛ ويقول العلماء عن سر هذا التشبيه بالبقر في طريقة أكلها:
كما أن البقر تأكل الحشيش من كل نوع ولا تميز بين النافع والضار، فكذلك هؤلاء لا
يبالون بما يقولون من كلامهم.
وقيل: إن البقرة كما لا تهتدي إلى الكلأ،
ولا تتمكن من الاحتشاش إلا بلسانها، فكذلك هؤلاء لا يهتدون إلى المآكل إلا بذلك،
لا يميزون بين الحق والباطل، وبين الحلال والحرام، سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت،
فوقع ضربُ المثل بالبقر عن هذين المعنيين.
وقد ورد الحديث برواية أخرى، فقال صلى الله
عليه وسلم: "إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه، كما
تخلل الباقرة بلسانها"، وقال شراح الحديث في معناه أيضا: إن الله تعالى يبغض
البليغ، أي: الفصيح، وهو المبالغ في الكلام. وقوله: "الذي يتخلَّل
بلسانه"، أي: يأكل بلسانه؛ يعني يدير اللسان حول الأسنان في التكلم تفاصحا،
أي يتشدق في الكلام، ويفخم لسانه، ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها، والمراد:
يدير لسانه حول أسنانه مبالغة في إظهار بلاغته، ثم يستخدم هذه اللون من التفاصح لنصرة
الباطل، أو لتزيينه، وإخفاء الحق عن الناس.
لم يعد غريبا أن تطلق الجماهير العربية الفطنة على إحدى القنوات وصف العبرية، وعلى كتاب وإعلاميين أوصافا تحول أسماءهم من اسم عربي لعبري، لأنهم وصفوه بما ينضح به قلبه، وينطق به لسانه، ولو حاول أن يلحن في القول، أو يدعي الحياد والمهنية، لأن المواقف باتت كاشفة وفاضحة.
أما الحديث الآخر، فهو أشد حكما، وأبلغ
وصفا، لما نعيشه الآن من أقلام وأصوات، ظاهرهم أنهم منا، قومية ووطنا ولغة، لكن
حقيقة الأمر أنهم على غير ذلك، بل هم سهم في كنانة العدو ضد أمتهم وقضاياها، فقد
كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يسأل عن الشر مخافة أن يقع فيه، وحتى يتجنبه إذا
بدا له، فظل يسأل هل بعد هذه المرحلة النبوية بخيرها من حال آخر، فأخبر بنعم، ثم
سأل عن الفتن المختلفة التي تأتي، فأخبره صلى الله عليه سولم عن شريحة من الناس
ستأتي أيضا، تكون من دعاة الشر، سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها" فقال حذيفة: قلت: صفهم لي
يا رسول الله؟ قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا".
فهم ليسوا دعاة لحق، ولا مناصرين له، بل
يدعون إلى أبواب جهنم، أي: كل أبواب الشر والفتن، وكل أبواب الخيانة والعمالة
الظاهرة والخفية، يزينونها للناس، تارة بالهجوم على أهل الخير، أو دعاته، وتارة
بالدفاع عن العدو، ومما يزين ما يفعلون، أنهم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، فهم
ليسوا غرباء عنا، لا غرباء البدن، ولا غرباء اللسان. فهم من أنفسننا وقومنا، فهم
في الظاهر مثلنا ومعنا، وفي الباطن مخالفون لنا في أمورهم وشؤونهم.
فقد قال العلماء كذلك في معنى قوله صلى الله
عليه وسلم: "من جلدتنا"، أي: من أنفسنا وعشيرتنا، وقيل: معناه من أهل
ملتنا. ويتكلمون بما قال الله تعالى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي
بالمواعظ والحكم. وما في قلوبهم شيء من الخير، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
وأراد أنهم في الظاهر مثلنا؛ معنا، وهم في باطن الأمور هم مخالفون لنا، وجلدة
الشيء ظاهره، وإنما أراد به القرب، فظن السمرة غالبة عليهم، واللون إنما يظهر في
الجلد.
وقد كان الشيخ الغزالي رحمه الله يصف هؤلاء
بوصف دقيق، ويطلق عليهم هذا العنوان المعبر: (الإنجليز السُّمْر)، فقد كان المحتل
الإنجليزي مختلف البشرة عن أهل بلادنا، لكنه قبل أن يرحل عن بلادنا ترك وكلاء
وعملاء له، تختلف بشرتهم عن بشرته، لكن المنهج والهدف والغاية متفقة ومتماهية
تماما معه، فهم استعماريو الهوى، سمر البشرة، كي يكون كلامهم مقنعا للبسطاء من
أبناء الأمة، فلا بد من قرب البشرة واللسان من الناس، حتى يمرر ما يقولون.
أليس ما نراه على بعض قنوات، وبرامج، وبعض
مقدمي برامج، وبعض كتاب مقالات، وأصحاب أقلام عرب ومسلمون، هو ما تعبر عنه هذه
الأحاديث، وتحذر منه، من قوم يأكلون بألسنتهم وأقلامهم على موائد الصهاينة، وعلى
موائد المحتل، أو وكلائه في بلداننا، وهو ما نراه من قصف مستمر على كل مقاوم، ولذا
لم يعد غريبا أن تطلق الجماهير العربية الفطنة على إحدى القنوات وصف العبرية، وعلى
كتاب وإعلاميين أوصافا تحول أسماءهم من اسم عربي لعبري، لأنهم وصفوه بما ينضح به
قلبه، وينطق به لسانه، ولو حاول أن يلحن في القول، أو يدعي الحياد والمهنية، لأن المواقف
باتت كاشفة وفاضحة.
[email protected]