الكتاب: التجربة الثقافية لحركة حماس في
السجون الإسرائيلية
الكاتب: محمد ناجي صبحة
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
ط 1– بيروت، 2024.
عدد الصفحات: 175 صفحة
ـ 1 ـ
يمثل صعود يحيى السنوار إلى رئاسة المكتب
السياسي لحركة حماس بعد اغتيال إسماعيل هنية حدثا لافتا لا بد للمرء أن يقف عنده؛ فشخصيته القيادية قد تشكّلت في السجون الإسرائيلية خاصة، وسيرته الذاتية تبرز لنا
أنه خصّص وقته بعد أحكام عديدة بالسجن مدى الحياة منذ 1989، للقراءة والتأليف.
وممّا كتب: "المجد" و"حماس: التجربة والخطأ" ورواية "ورد
وقرنفل". فضلا عن ذلك، فقد درس العبرية وترجم منها كتاب "الشاباك بين
الأشداء"، وفيه يستعرض كاتبه كرمي غليون دور جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي في
التصدّي للمقاومة الفلسطينية، أو كتاب "الأحزاب الإسرائيلية" الذي يعرف
ببرامج الأحزاب الإسرائيلية وتوجهاتها.
لقد جعلتنا تجربة يحيى السنوار، نبحث في الدور التثقيفي والتعليمي الذي تتولاه حركة حماس في السجون الإسرائيلية، ووجهتنا للاطلاع على مؤلَّف محمد ناجي صبحة "التجربة الثقافية لحركة حماس في السجون الإسرائيلية"، الذي يعرض تجارب الأسرى داخل السجون الإٍسرائيلية، فيكشف منها، رغم قسوة السّجن، التجربة الثقافية لأسرى حركة حماس.
ـ 2 ـ
يتبسط الأثر في
عرض الأنشطة والمشاريع
الثقافية التي تقيمها حماس في سجون الاحتلال، وينتهي بملاحق مهمّة تعرض الدورات
والمحاضرات والكتب، إضافة إلى الإشارة إلى بعض إصدارات الأسرى ودراساتهم العلمية.
ويحاول الأثر التأريخ للنشاط الثقافي في سجون الاحتلال الإسرائيلي عامّة. فيذكر
بداياته الفعلية التي تحقّقت في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ثم يخصّ العمل الثقافي
لحركة حماس في السجون بالدّراسة، فيشير إلى أنه نشاط ممتد منذ نشأتها، ومستمر
بإصرار من قياداتها لمعرفتهم بأهميته في دعم النضال الوطني الفلسطيني، ويقدّر أنه
جزء من هويتها وعنصر فاعل في حضورها. ويعرّفنا باللجنة الثقافية، وهي اللجنة
الرئيسية المكلفة بإدارة العمل الثقافي في السجون، فيكون لها فرع في كل سجن، وتعمل
وفق تشعبات وأدوار، وهذا ما يجعل مختلف اللجان تنصهر ضمن منظومة متناسقة، تجمع بين
المحور السياسي والثقافة الأمنية والتعبوية والإشراف التربوي والأكاديمي.
ـ 3 ـ
تتسم
هذه المناهج الثقافية بالشمول، فتغطي مختلف المحاور الثقافية والفكرية، وفق محمد
ناجي صبحة، ذلك أن حماس تريد
نشر الثقافة الموسوعية التي تلامس مختلف مناحي
الحياة. ومع ذلك يرصد الكاتب ثلاثة محاور، تعد عند الحركة من الأولويات
الثقافية، فهي تعمل على جعل هذه الثقافة:
تمثل تجربة السجن بالنسبة إلى الاحتلال محاولة لإذلال الفلسطيني ولتقييد حريته؛ عقابا له على تمسكه بأرضه ومحاولة لكسر إرادة المقاومة لديه. غير أنّ التجربة الثقافية لحماس، ولمختلف الفصائل الفلسطينية، مثّلت عملا مضادا يدفع الأسير للصمود، ويصنع منه إنسانا نافعا للوطن زمن الحرب والسلم في آن.
أ ـ إسلامية، فتستلهم مختلف برامجها من
تعاليم الإسلام، شأنها شأن الجماعة الأم "الإخوان المسلمون". ويتحقّق
ذلك في الصبغة الشرعية للمنهاج، وما يحويه من مشاريع وخطط ومواد اختيارية وكتب.
وتعمل على تحفيظ الأسرى أجزاء من القرآن الكريم، وتجعل من تعلم أحكامه هدفا لها.
يضاف إلى ذلك، ما يقدّم من المواعظ
والمحاضرات الشرعية وبرنامج الأسر التربوية. وعليه، "فإن الثقافة الإسلامية ـ
وفق صبحة ـ هي السمة الأبرز والموضوع الأهم الذي يمثل المساحة الأوسع من ثقافة
الحركة في سجون الاحتلال، والمحور الذي تدور في فلكه غالبية المواضيع والمحاور
الثقافية الأخرى".
بـ ـ ثقافة مقاومة، فالقاسم المشترك بين
مختلف البرامج: المقترحة، فضلا عن الخلفية الدينية، هو الهم الوطني والاتجاه نحو
مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
ت ـ ثقافة حركية، أساسها تحويل السجون من
فضاء عقابي ضد التحرر، إلى فضاء للتعبئة ضد العدو والحث على المقاومة.
ـ 4 ـ
لا بد أن نأخذ ظروف السجن ومضايقات السجّان
بعين الاعتبار ونحن نفكر في العمل الثقافي في السجون الإسرائيلية. ولا بدّ أن ندرك
أنّ وسائل التثقيف تظل محدودة جدّا. ومع ذلك، تفرض معظم التنظيمات الفلسطينية ساعة
مطالعة إلزامية ضمن برامجها الثقافية. ويمثّل الكتاب المصدر الرئيسي ضمن هذه
المشاريع؛ فهو ينتزع الأسير من وحدته، ويوفر له المادة المفيدة، ويزوده بالعلوم
المختلفة.
جعلت هذه الأهمية حماس تعمل على توفير
الكتب ما أمكن في المكتبة العامة لكل سجن، وفرضت ذلك على المحتلّ الإسرائيلي عبر
الخطوات الاحتجاجية والتصعيدية، ودفعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى إدخال
الكتب، رغم أنها لا تمثّل كتبا نوعية وتميل أكثر إلى الأدبي منها. وعليه، و"بعد أن تشكلت الجماعة الإسلامية، بدأ عناصرها بتوفير كتب خاصة، وشكلوا
مكتبات متواضعة داخل غرفهم تحوي مثل هذه الكتب، فكانت بعد كتاب الله زادهم في فهم
أحكام الشريعة الإسلامية، والتعرف إلى الفكر الإسلامي الأصيل، حتى قابلنا منهم من
كان يحفظ صفحات ومقاطع طويلة من هذه الكتب، وأقوالا لمؤلفيها، وسمعنا منهم كيف
أنهم تربوا على موائدها، واستقوا مما جاء فيها، فأسهمت في صقل شخصياتهم، وبناء
فكرهم ومفاهيمهم".
ويمثّل السجناء أنفسهم مصدرا مهمّا للتثقيف؛ فمنهم من يمتلك من الشهادات العليا، ومنهم الإطارات الثقافية والتعليمية والإدارية
والوظيفية، وأصحاب التجارب الحياتية والزراعية والأكاديمية. وفي النهاية، يمثل
الأسرى صورة مصغّرة من المجتمع الفلسطيني الذي يتميّز بتنوع الخبرات والكفاءات.
ويمثّل التلفزيون والراديو والصحافة
المكتوبة مصدرا متاحا للتثقيف الذّاتي للأسير الذي يظل معزولا عن العالم، ويعسر
عليه التأقلم مع محيطه بعد التحرر. ولا يتمكّن الأسير لا من التنقل بين المحطات أو رفع الصوت أو خفضه، أو حتى إطفاء الجهاز أو إشغاله، إنما تقوم إدارة السجن. وبصرف النّظر عن هذه القيود
أو عن الخطوط التحريرية لوسائل الإعلام الإسرائيلية أساسا، وبرغم البرامج الموجهة والحرية المحدودة، تظل هذه المصادر وسيلة
مهمة لوصل الأسير بالعالم الخارجي، ومصدرا لربط صلة ما بعالمنا الرّاهن. وعليه، كان
توفير التلفزيون في السجون مطلبا أكيدا منذ حقبة السبعينيات، وأمام رفض المحتل لهذا
المطلب، خاض الأسرى إضرابات منها إضراب سنة 1984 الذي قاده أسرى سجن جنيد، الذي
انتهى بالموافقة على توفير الراديو والتلفزيون. وأمام مماطلة بعض إدارات السجون في
تنفيذ الاتفاقية، اضطر الأسرى إلى خوض إضراب آخر سنة 1986.
وللصحف أهمية خاصّة في تحصيل المعارف، فرغم منع الصحف العربية، والاقتصار على صحيفة
القدس قبل منعها على أسرى حركة حماس، بعد
أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط بحجة حرمانه من الاطلاع على الصّحف الإسرائيلية،
ورغم وصولها متأخرة عن تاريخ صدورها بأيام، فإن.الاطلاع عليها يجعل الأسير على
معرفة بمجتمع الاحتلال من جهة اهتماماته، وإشكالاته، وصناعاته ، ومواطن قوته ونقاط
ضعفه.
ـ 5 ـ
مما يمنح التجربة الثقافية في السجون قيمتها
المضافة، عملها على توفير فرصة الدراسة الجامعية للأسرى، وتحويل التعلّم إلى عمل
وطني مقاوم؛ فأسر الشباب يمثّل عائقا أمام تحصيلهم للمعارف واندماجهم في الحياة
المهنية بعد التحرر. لذلك، أوجدت حركة حماس لجنة يعهد لها أن تتابع منح شهادات
التوجيهي والدبلوم والبكالوريوس، وشهادات متخصصة أخرى من خلال المنهاج الرسمي
للجامعة والوزارات. وفي هذا السياق، يعرض الكاتب تاريخ التدريس الجامعي في السجون
وهيكلته ومناهجه، والأثر النفسي والثقافي للدراسة الجامعية على الأسرى. ثم يفصّل
القول في نماذج من عمل جامعة الأحرار وجامعة الصدّيق الإسلامية، أو مركز عبد الصمد
حريزات لدراسات الأسرى. ويشير إلى أن نحو ربع أسرى حماس مشتركون بالمناهج
الأكاديمية.
لقد نجح المشروع في منح الآلاف من الأسرى
عبر السنوات الماضية فرصة الاشتراك في الدراسة أو الحصول على إحدى الشهادات التي
عرضناها أعلاه. وفي الآن نفسه، تبذل الهيئة القيادية العليا ولجنتها الثقافية الجهد
الدؤوب لفتح آفاق جديدة وتوسيع البرامج، بحيث تشمل منح شهادات الماجستير والدكتوراة إن أمكن.
يمثّل السجناء أنفسهم مصدرا مهمّا للتثقيف؛ فمنهم من يمتلك من الشهادات العليا، ومنهم الإطارات الثقافية والتعليمية والإدارية والوظيفية، وأصحاب التجارب الحياتية والزراعية والأكاديمية. وفي النهاية، يمثل الأسرى صورة مصغّرة من المجتمع الفلسطيني، الذي يتميّز بتنوع الخبرات والكفاءات.
وليس هذا المشروع بالأمر الهيّن. فأمامه
الصعوبات الجسام. منها ما يتعلّق بمصادر التعلّم لدى الأسرى، فلا يمتلك جهاز لابتوب
وما يحويه من موسوعات وإصدارات ووسائل تعليمية، وهو محروم من الوسائل الإلكترونية التي يستطيع عبرها الدخول إلى الإنترنت، ولا يمكنه تصفح المواقع العلمية والإعلامية
والثقافية، ولا يمكنه التواصل المباشر مع الخبراء والعلماء والمختصين ليعلموا
ويحاضروا ويقدموا ما يطلبه ويحتاجه، وأكثر من ذلك، هو محروم من حرية اختيار الجامعة
التي يرغب أو المعهد التعليمي الذي يعد الدورات في العلوم والفنون والمعارف، مقيد في
إدخال الكتب إلى السجن، ويظل التحدّي المطروح، هو تلقي الأسير التعلّم الذي يريد
بحكم المنع، فلا يملك الكثير من الخيارات.
ـ 6 ـ
تمثل تجربة السجن بالنسبة إلى الاحتلال
محاولة لإذلال الفلسطيني ولتقييد حريته؛ عقابا له على تمسكه بأرضه ومحاولة لكسر
إرادة المقاومة لديه. غير أنّ التجربة الثقافية لحماس، ولمختلف الفصائل
الفلسطينية، مثّلت عملا مضادا يدفع الأسير للصمود، ويصنع منه إنسانا نافعا للوطن
زمن الحرب والسلم في آن. فإذا بالفضاء السّجني يتحوّل إلى مؤسسة تعليمية وتثقيفية
وتعبوية؛ فيعدّ القيادات إداريا وتنظيميا، ويحصّن المعتقلين من العمالة والاستقطاب
من قبل العدو، ويعمل على تحسين الواقع الاعتقالي.
ـ 7 ـ
ما يميّز هذا الأثر، كونه من تأليف أسير
محرر، ومن محنة الأسر ومن التجربة الذّاتية يأخذنا إلى عالم السجون الإسرائيلية، فيكشف لنا جانبا من المعركة الفلسطينية مع الكيان المحتلّ. وفي الآن نفسه، يكشف لنا
التنظيم الدقيق لحركة حماس. فللجان مهام محدّدة بصرامة وبتسقيف زمني صارم، منها: متابعة الجلسات والإشراف على المسابقات والمحاضرات، ومتابعة الإصدارات والمجلات، ومتابعة مكتبات السجون والعمل على إثرائها. ويتحقّق ذلك كله بعيدا عن الارتجال.
ومما يسم هذه التجربة الثقافية مركزية
التدين؛ فمن المهام الثقافية متابعة الأذان، وخطبة الجمعة وصلاتها، وعموم الصلوات.
فإذا الديني يصهر ضمن الثقافي والتعبوي
يسير معه جنبا إلى جنب. ومما ذكر الكاتب: "وقد شهدنا بأنفسنا مئات الإخوة وقد
أتموا حفظ كتاب الله عز وجل في سجنهم، وعشرات الآلاف ممن حفظوا أجزاء من كتاب الله، بالإضافة إلى الذين حفظوا آلاف أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ضمن
برامج وأنشطة مركز النور، فقد تخرج من
محاضنه مئات الحفظة لكتاب الله عز وجل، وآلاف الحاملين لأجزاء منه، وقد خصصت
الهيئة في مركز النور موازنة تفوق باقي فروع الثقافة، بالإضافة إلى التبرعات التي
يتلقاها المركز، فرفعت من رصيده، وأصبح يخصص جائزة مالية قيمة لكل من يحفظ جزءا من
كتاب الله عز وجل أو أحاديث رسول الله، وتشجيعا للمجاهد أن يشترك في برامج الحفظ".