مدونات

من يقف حجرة عثرة ضد استكمال مشروع رباعية الأندلس لوليد سيف وحاتم علي؟

عادل العوفي
"أليس من المريب أن كاتبا بحجم الدكتور وليد سيف "غائب" أم "مغيب" عن الدراما التلفزيونية"
"أليس من المريب أن كاتبا بحجم الدكتور وليد سيف "غائب" أم "مغيب" عن الدراما التلفزيونية"
قبل أشهر قليلة أعلن الكاتب الكبير الدكتور وليد سيف عن انتهائه من كتابة مسلسل "غرناطة.. آخر الأيام"، وهو الجزء الأخير المنتظر من رباعية الأندلس التاريخية التي استهلها رفقة المخرج المبدع الراحل حاتم علي بمسلسل "صقر قريش" الذي أنتج سنة 2002 وتلاه "ربيع قرطبة" في السنة الموالية، وفي 2005 أبصر مسلسل "ملوك الطوائف" النور؛ ومنذ ذلك الوقت ظلت الأخبار متضاربة حول موعد استكمال الرباعية بسقوط غرناطة وبالتالي توثيق بصري من الطراز الرفيع لدروس الأندلس المكتنزة بالعبر والخلاصات المريرة.

حين بادر الدكتور وليد سيف لإماطة اللثام عن الجزء الرابع تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي وحتى منابر الإعلام المختلفة مع الخبر، ما دفع الكثيرين لاستنتاج وجود جهة إنتاجية جديدة ستتبنى المشروع؛ شخصيا بادرت للحديث عن الموضوع وأبديت توجسا منطقيا مما سيؤول إليه العمل، لا سيما بعد رحيل عرابه الثاني حاتم علي "الأمين" على نصوص وليد سيف، ما جعلنا أمام ثنائية لن تتكرر قدمت سلسلة أعمال ملحمية كان آخرها مسلسل "عمر".

ومن هذا المنطلق لا بد أن نتساءل: أليس من المريب أن كاتبا بحجم الدكتور وليد سيف "غائب" أم "مغيب" عن الدراما التلفزيونية منذ ذلك العمل الذي أنتج سنة 2012؟ ولماذا تم "وأد" المسلسلات التاريخية بتلك الصورة البشعة التي نراها اليوم، وحتى إذا وجدت نراها مفصلة على المقاس وبعيدة كل البعد عما تعودنا عليه في أوج ازدهار الدراما السورية على سبيل المثال؟

اليوم نعود لفتح ملف سلسلة الأندلس ونحن نرى أغلب شركات الإنتاج الذائعة الصيت عربيا والقادرة على تحمل تكاليف إنتاج الأعمال الضخمة قد أعلنت عن جدول أعمالها، وبرمجت مسلسلاتها التي تنوي خوض السباق الرمضاني بها. ومجددا لا أثر للعمل التاريخي المنتظر الذي هلل له الكثيرون مستبشرين بإمكانية رؤيته في الموسم الجديد؛ رغم أن سيلا جارفا من الأسئلة سيظل معلقا حتى إشعار آخر وأهمها: من هو المخرج الأجدر على تعويض حاتم علي ويكون "أمينا" على النص كما يصر دائما وليد سيف ويشترط؟

وهل المناخ الذي نفذت فيه الثلاثية ونجاحها في كسر "الحصار" المفروض على الأعمال الجادة الصادحة بالحقيقة بدون مساحيق تجميل ما زال سائدا لدى الفضائيات العربية اليوم؟

وإذا كان كل هذا ممكنا؛ فلماذا تأخر هذا الجزء كل هذه الفترة من الزمن؟ وما الذي تغير اليوم حتى تعدل أو انقلب المزاج العام فجأة؟ وهل بعض الجهات التي تروج لجديتها في تبني المسلسل حاليا ستقبل بنص مكتنز بالإسقاطات المعاصرة ويضع الإصبع على الجرح دون مواربة كما تابعنا في الأجزاء الأولى، أم هي مجرد محاولات للسطو على المشروع وتسطحيه كما اعتدنا أن نرى في الأعوام الأخيرة؟

المؤكد أن الدكتور وليد سيف مطالب بتوضيح سبب "الارتباك" المستجد وأيضا الجهات التي أبدت جديتها في استكمال المشروع وشروطها الجديدة؛ ذلك أن الوضع الحالي للدراما العربية لا يبشر بوجود رغبة حقيقية نحو التغيير والعودة لجادة الصواب لا سيما ونحن نعيش "أزهى" عصور ما يسمى "البان أراب" وتعريب المسلسلات التركية وبميزانيات فلكية، في إهانة واضحة للطاقات والكفاءات العربية سواء في عالم الإخراج والكتابة والتمثيل وأيضا في محاولات بئيسة للهروب من واقعنا وقضايانا وهمومنا الآنية.

كل ما سبق يفسر سبب حالة الفرح والنشوة العارمة التي عمت على السوشال ميديا بعد إعلان خبر إمكانية رؤية مسلسل "غرناطة.. آخر الأيام"، ويكشف بجلاء توق المشاهد العربي للأعمال الجادة الأصيلة التي تحمل بصمات مبدع بحجم وليد سيف افتقدناه طويلا؛ ولكن لحدود اللحظة يبدو أن "الحلم " كان كبيرا (أسوة بأحد أعمال حاتم علي الاجتماعية ونقصد مسلسل "أحلام كبيرة")، وأن العودة للدراما التاريخية الصادحة بالحقيقة سيتأجل مجددا، وأن الواقع الحالي لا يتسع للجيل الموهوب المسكون بهواجس الأوطان وقضاياها، والدليل أن كاتبا عملاقا آخر رحل عن دنيانا قبل أسابيع قليلة حزنا وكمدا بعد أن ضاق ذرعا بالتأجيلات وأنه صار عاطلا عن العمل، وهو من نسج أهم الروائع التلفزيونية الاجتماعية العربية وأقصد الكاتب حسن سامي يوسف.

الخلاصة أننا لن نلوم تيم حسن حين خلع رداء "المعتمد بن عباد" و"محمد بن أبي عامر" وأصبح "جبل شيخ الجبل  وتخلت نسرين طافش عن "صبح البشكنجية" وارتدت بدلة رقص عزيزة وقادت جوقتها، وترك جمال سليمان أشعار "ابن زيدون" وحنكة "صقر قريش" وتحول إلى "مندور أبو الذهب"، لأن مقاييس العصر "تغيرت" وما باليد حيلة..
التعليقات (0)