ملفات وتقارير

"عربي21" ترصد صمود نساء غزة عاما كاملا رغم عدوان الاحتلال.. كيف قاومن؟

الحرب على قطاع غزة بمثابة حرب على النساء- جيتي
الحرب على قطاع غزة بمثابة حرب على النساء- جيتي
"ولادي ماتوا جوعانين قبل ما ياكلوا"، و"أبيضاني وشعره كيرلي".. هي صرخات وجع، انفجرت من أمّهات بقلب قطاع غزة المحاصر، والمُقاوم لعدوان أهوج من الاحتلال الإسرائيلي، في وجه عالم بات يوصف بكونه "أصم".

ما بين الاستهداف المباشر، أو فقدان المُعيل، أو فقدان الأطفال، أو التهجير، أو الاعتقال مع التعذيب.. تتواصل معاناة النساء في غزة بشكل مُضاعف، أمام مرأى العالم، وبالبثّ المُباشر، وفي ضرب عرض الحائط كافة القوانين والمواثيق الدولية المُرتبطة بحقوق الإنسان، وآلاف الشعارات التي كانت تصدح بها مئات الأصوات عبر العالم، عن حقوق المرأة.

رصدت "عربي21" على مدار عام كامل من انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، المئات من التغريدات والمنشورات، التي توثّق بالصوت والصورة، صرخات النساء الغزّيات، ممّن يكابدن أهوال الحرب: الموت والتجويع، والتهجير القسري وحالات اغتصاب، وصعوبة الولوج لأبسط إمكانات الحياة الأساسيّة، وكذا ملامح عن صمودهن البارز، رغم ثقل المأساة.


حسرة تتوالى.. 
"الواحد يخجل من ترديد البديهيات، غياب الفوط الصحية مع غياب الماء والصابون معناه التهابات رحم وفطريات، والتهابات المثانة، وبدون علاج قد تتحول لأمراض مزمنة منها التهاب الكبد والعقم وحتى سرطان الرحم.." هكذا أعربت الشابة الغزّاوية، إسراء فاروق، عن حزنها، من ندرة أبسط الأساسيات التي تحتاجها النساء في غزة.

وأضافت إسراء، خلال الأشهر الأولى من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع المحاصر، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "إكس": "زمان كان الستات بتستخدم فوط قماش، لكن تتغيّر بانتظام وتُغسل بالصابون وأحيانا بتتغلي" في إشارة لكون غزة اليوم تفتقد القماش، والماء، وحتّى الصابون.

كذلك، قالت شابة تُسمّى شهد أيمن، عبر تغريدة على حسابها بـ"إكس": "منذ بداية الحرب لجأت السيدات إلى أقراص منع الحمل لتأجيل الدورة الشهرية، ولكن سبّب ذلك لكثير من النساء آلاماً كبيرة، فاضطررن إلى التوقف عن تناولها، ما فاقم معاناتهن".

إسراء وشهد، لم تكشفا إلاّ جزءا يسيرا من حسرة النساء، فيما أماطت منشورات أخرى اللّثام عن أوجاع نازفة، من أمهات فقدن أجنتهنّ أو مواليدهنّ خلال الولادة، أو أبناءهن جرّاء التجويع وسوء التغذية، ناهيك عن أمّهات، اجتمعت لديهن جُل المعاناة، مع فقدانها أو لأبنائها أعضاءهم الجسدية، نتيجة استهدافهم بالقصف العشوائي، الذي لم يرحم لا حجرا ولا بشرا.

وكانت الأمم المتحدة قد قدّرت أن "حوالي 50,000 امرأة حامل تأثرن بهذا الصراع، وعلى الرغم من حالة المستشفيات، إلا أنه من المتوقع أن تُجرى 160 عملية توليد تقريباً كل يوم"؛ فيما حرمت أيضا، الكثير من النساء من الولادة الآمنة، وذلك دون الحديث عن نفاد الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية، ونقص الأدوية واللوازم الأساسية..

الأمّهات في غزة.. 
ما بين شهيدة أو أم شهيد أو زوجته، أو أسيرة، أو أم أسير أو زوجته؛ تمضي الأمّهات في غزة، بأوجاع مُضاعفة، وبقلب مُنفطر شقّه الأنين، من مأساة الحرب المُدوّية التي يستمر الاحتلال الإسرائيلي في شنّها؛ والكثير من الدموع، والصراخ، والكشف عن الآلام، لم يخلّف إلاّ صدى لدى العالم، فاستمرّت الأوجاع نازفة لعام كامل.

وتعيش النساء أيامهن في غزة، بين الانشغال بتحضير الطعام، بأدوات بدائية، وفي ظلّ ظروف معيشية قاسية، أو تأمين الإيواء، أو البحث عن لقمة أكل..؛ فيما كشفت عدد من التقارير، المُتفرّقة، في ذكرى "عيد الأم" الماضي، أن نحو 9 آلاف امرأة قد استشهدت، داخل غزة؛ وأُصيبت نحو 25 ألفا.

وعبر تغريدة لها على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" كانت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، قد أعلنت أن "37 أما تُستشهد كل يوم في قطاع غزة"؛ بينما أكّد إحصاء أصدره المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، عن استهداف الاحتلال الإسرائيلي لـ9 آلاف و220 امرأة فلسطينية في القطاع.

اظهار أخبار متعلقة


بدورها، أوضحت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، عبر بيان مشترك، أن "28 أمًّا من بين 67 أسيرة (9100 إجمالي الأسرى والأسيرات) يقبعن في السجون الإسرائيلية، ويحرمهنّ الاحتلال من عائلاتهنّ وأبنائهن".

أيضا، أشارت إحصائية وزارة الصحة في غزة، إلى وجود 60 ألف سيدة حامل في قطاع غزة يعانين سوء التغذية والجفاف وانعدام الرعاية الصحية المناسبة. توالت الأرقام، واختلفت قليلا، ولكنّ الوجع النازف فيها، لم يختلف عليه اثنان.

Image1_1020248191913962912858.jpg

حرب ضد النساء.. 
"كثافة الجرائم الحاصلة بحق النساء تشكّل اليوم أبرز وقائع هذه المرحلة وأشدها خطورة" هذه خلاصة استنتجها نادي الأسير وهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، عبر بيان مشترك، في نيسان/ أبريل. وهو ما أكده تقرير لـ"هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، خلال الشهر ذاته بالقول: "الحرب على قطاع غزة بمثابة حرب على النساء".

من جهتها، أبرزت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن "حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة تستهدف النساء بشكل أساسي". مردفة عبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" أن "الحرب في غزة لا تزال حربا على النساء؛ حيث تواجه أكثر من 155 ألف امرأة حامل أو مرضعة صعوبة بالغة في الحصول على المياه والأدوات الصحية".

أما المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، ريم السالم، فقد أكّدت أن: "المرأة الفلسطينية تعرّضت وعلى مدى عقود لهجوم متعدّد الطبقات من التمييز والعنف الفظيع والممنهج بسبب الاحتلال الإسرائيلي، والحرمان من حق تقرير المصير".

وتابعت ريم، عبر بيان لها، بتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إن "الاعتداء على كرامة المرأة الفلسطينية وحقوقها اتخذ أبعادا جديدة ومرعبة، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إذ بات الآلاف منهن ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي تتكشف".

مخالفات بالجُملة للقانون الدولي 
رغم أن القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، تنصّ على عدم حرمان الأسيرات من حقوقهن الأساسية مثل الطعام، وتوفير البيئة الصحية؛ إلاّ أن عددا من النساء في غزة، أكدن تعرّضهن لـ"التفتيش العاري، التهديد بالاغتصاب وما هو أفظع"، بحسب تعبيرهنّ. فيما يظلّ مصير أسيرات أخريات، مجهولا. 

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، قد طالب، المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل كشف مصير النساء الغزيات اللاتي اعتقلن، فغابت أخبارهن؛ مشيرا في الوقت ذاته، إلى أن "الإخفاء القسري طال قرابة 3 آلاف من المعتقلين الفلسطينيين في غزة، من ضمنهم أطفال قاصرون". 

إلى ذلك، امتنع الاحتلال الإسرائيليّ، على مدار عام كامل، عن نشر أيّ معلومة عنهنّ، مع رفض المطالب المُتزايدة للمحامين بزيارتهنّ، زاعما أنهنّ "مقاتلات غير شرعيّات"؛ وهو من أسر جُلهنّ من قلب مراكز الإيواء، ليضعهنّ داخل الشاحنات وينزع عنهنّ أطفالهنّ عُنوة، ليزجّ بهنّ في أماكن غير معروفة.

كذلك، تحت مزاعم "التماهي مع الإرهاب" شنّ الاحتلال الإسرائيلي، طيلة العام الماضي، العشرات من الحملات التي وصفت بـ"الشّرسة" لاعتقال عدد من "فلسطينيات الدّاخل"، بينهن طالبات جامعيّات، إثر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما يتعارض مع ما ينص عليه القانون الدولي.

وتنصّ المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لكلِ شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود". ومع ذلك استمرّ الاحتلال الإسرائيلي في اعتقالاته جرّاء جُمل من قبيل: "غزة قوية" أو "لا غالب إلا الله".. 

اظهار أخبار متعلقة


كذلك، انتهك الاحتلال الإسرائيلي الحق في الاتصال والوصول إلى الإنترنت؛ حيث أكد إعلان شركة الاتصالات الفلسطينية: "قطعت إسرائيل الاتصالات والإنترنت بشكل كامل عن قطاع غزة ما لا يقل عن 13 مرة منذ بدء الحرب، كان آخرها يوم 13 أيّار/ مايو 2024". وهو ما جعل الغزّيات في الداخل يعانين في صمت، وكافة المُتواجدات خارج القطاع، يعانين أيضا في محاولاتهن اليائسة للتواصل مع أهاليهن ومعرفة أخبارهنّ.

وبحسب المادة 25 من اتفاقية جنيف الرابعة: "يسمح لأيّ شخص مقيم في أراضي أحد أطراف النزاع، أو في أرض يحتلها طرف  في النزاع، بإبلاغ أفراد عائلته -أينما كانوا- الأخبار ذات الطابع العائلي المحض، ويتلقى أخبارهم وتنقل هذه المراسلات بسرعة وبدون إبطاء لا مبرر له".
التعليقات (0)

خبر عاجل