قضايا وآراء

مصر.. أحكام الإعدام في خدمة الأغراض السياسية

محمود جابر
"هناك سجناء محكوم عليهم بالإعدام ومتهمون بجرائم لم يقترفوها، تجاوزت أعمارهم الثمانين عاما ويعانون من أمراض مزمنة"- جيتي
"هناك سجناء محكوم عليهم بالإعدام ومتهمون بجرائم لم يقترفوها، تجاوزت أعمارهم الثمانين عاما ويعانون من أمراض مزمنة"- جيتي
اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام؛ مناسبة عالمية تتجدد كل عام في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر لأجل مناهضة عقوبة الإعدام على المستوى العالمي، وتكوين رأي عام لدعم الدعوة لإلغاء عقوبة الإعدام عالميا، وذلك منذ 22 عاما، ويصادف هذا العام أيضا.

الذكرى العشرين لدخول البروتوكول رقم 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع الظروف، حيز التنفيذ.

تأتي هذه المناسبة الدولية وما زالت مصر تتعمد إساءة استخدام واستعمال عقوبة الإعدام، وذلك بالإسهاب في إصدار القضاء لأحكام الإعدام بشكل عام، وبشكل خاص في القضايا ذات الطابع السياسي منذ عام 2013، الأمر الذي ترتب عليه تسييس القضاء والإجراءات القضائية والقانونية المفروضة، بطريقة غير منصفة ومنحازة للسلطة التنفيذية الحاكمة.

فصدرت خلال أحد عشر عاما أحكام إعدام عن القضاء المصري في قضايا ذات طابع سياسي، أُهدرت فيها حقوق الإنسان باسم حماية الدولة، فأصبحت عقوبة الإعدام في مصر تهدد حقوق الإنسان التي يتعين احترامها، أخصها الحق في الحياة.

صدرت خلال أحد عشر عاما، أحكام إعدام عن القضاء المصري في قضايا ذات طابع سياسي، أُهدرت فيها حقوق الإنسان باسم حماية الدولة، فأصبحت عقوبة الإعدام في مصر، تهدد حقوق الإنسان التي يتعين احترامها، أخصها الحق في الحياة.

عقوبة الإعدام وتطبيقها في مصر زادا من ظاهرة عدم استقلال القضاء والقضاة، والمحاماة، بالإضافة لغياب ضمانات المحاكمة العادلة، فأحكام الإعدام في مصر غالبيتها تصدر عن قضاء استثنائي وغير طبيعي، وهو ما يعرف بدوائر الإرهاب أو القضاء العسكري، ومحاكم أمن الدولة العليا طوارئ.

والمحاكم العسكرية في مصر، كان لها نصيب كبير في إصدار أحكام الإعدام، وهي محاكم استثنائية، مُكونة من عسكريين، للنظر والفصل في جرائمٍ أُحيلت لها من النيابة العامة أو من النيابة العسكرية. وقد تمت محاكمة مدنيين أمام القضاء العسكري، بموجب القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014، والخاص بحماية المُنشآت العامة والحيوية، وتبعية الجرائم التي تتعلق بها إلى القضاء العسكري، وذلك بالمخالفة لنص المادة 204 من الدستور المصري 2014.

بالإضافة إلى الإخلال بحق الدفاع عن المتهمين في كثير من القضايا، مع عدم السماح للمحامين وتمكينهم من تقديم شهود نفي للاتهامات كافة الموجهة إلى المتهمين، حيث تكتفي المحكمة بشهادة شهود الإثبات فقط، وهم غالبيتهم تابعون للسلطة التنفيذية.

واستمر القضاة في عدم الاستجابة لطلبات الدفاع، فيما يتعلق بالأدلة الفنية، وطلب ندب الخبراء المختصين، وعدم تمكين الدفاع من طلب التماس بإعادة نظر القضايا المحكوم فيها على مدنيين أمام القضاء العسكري.

ومن أسوأ ما تم، أن ساحة المحكمة وقاعاتها المقدسة، لم تعد تُعقد فيها جلسات القضايا السياسية، فتُعقد جلسات المحاكمة في مقرات تابعة لوزارة الداخلية (جهاز الشرطة)، إمّا في مقر أكاديمية الشرطة أو داخل معهد أمناء الشرطة، أو داخل السجون كمجمع سجون بدر على سبيل المثال، وذلك منذ تموز/ يوليو 2013، الأمر الذي جعل الشرطة تتعامل مع المحامين بطريقة مهينة في كثير من الأحيان، فضلا عن اعتقال عدد من المحامين، تعسفا لتوليهم مهمة الدفاع عن المعتقلين السياسيين.

عقوبة الإعدام في مصر، تُشكل تهديدا لحق الإنسان في الحياة، ففي القانون المصري يوجد أكثر من 105 أفعال مُجرمة عقوبتها الإعدام، هذا التجريم فتح الباب أمام مزيد من أحكام الإعدام، وبالنظر إلى الجرائم التي يترتب عليها إنزال عقوبة الإعدام، نجد أنها ليست دقيقة وقابلة للتأويل، ممّا يؤدي إلى التعسف في إصدار حكم الإعدام، وأسهب المشرّع المصري وتوسع في إنزال عقوبة الإعدام، في جرائم لا تدخل في نطاق الجرائم الأشد خطورة.

وأما عن تنفيذ أحكام الإعدام، ففي الفترة من آذار/ مارس 2015 وحتى شباط/ فبراير 2019، تم تنفيذ حكم الإعدام في 52 شخصا في قضايا سياسية فقط، وذلك حسب ما وثقته مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان في تقاريرها على موقعها الرسمي، الذي وجدنا فيه إحصائية لتنفيذ أحكام الإعدام من عام 2019 إلى 2023، حسب ما أعلنت عنه مصلحة السجون المصرية، من أنها نفذت الإعدام في 294 شخصا "ما بين سياسي وجنائي".

وأما عن الذين ينتظرون تنفيذ الإعدام بعد أن صدرت بحقهم أحكام نهائية باتةٌ واجبة النفاذ، صادرة من قضاء غير طبيعي في قضايا ذات طابع سياسي، فعددهم 115 مواطنا.

إن أحكام الإعدام الصادرة في القضايا السياسية التي صدرت خلال الأعوام التالية لأحداث الثالث من تموز/ يوليو 2013، تحتاج إلى نظرة إنسانية، فإذا لم يكن ما ذكرناه من مخالفات دستورية وقانونية مجديا، وما أشرنا له من غياب العدالة في المحاكمات كافيا لمراجعة تلك الأحكام، فلنحتكم إلى الضمير الإنساني، وتنحية الخصومات السياسية جانبا، وتغليب استقرار الأوطان والمجتمعات على الانتقام السياسي من الخصوم،

من قراءة أوراق القضايا الصادرة فيها أحكام بالإعدام، تجد أدلة البراءة تتجلى بوضوح لا غموض فيه، براءة لا شك فيها من الجرائم كافة، وظاهرة بين سطور محاضر التحريات المكتبية غير المتسقة، التي تفوح منها رائحة الكذب البواح. براءة المحكوم عليهم بالإعدام لا تحتاج لدليل؛ لأن أدلة البراءة تفصح عن نفسها.
ندعو إلى وقف تعذيب السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، حيث يتم حرمانهم من الزيارة والتواصل مع أهليهم، وحبسهم انفراديا في زنازين غير لائقة إنسانيا وقانونيا، وتخالف القواعد الدنيا لمعاملة السجناء، وتعذيبهم بمنع الدواء والحرمان من الرعاية الصحية والطبية، فهناك سجناء محكوم عليهم بالإعدام، ومتهمون بجرائم لم يقترفوها، تجاوزت أعمارهم الثمانين عاما، ويعانون من أمراض مزمنة، هم في حاجة إلى معاملة خاصة، وهم ضحايا الأغراض السياسية.

من قراءة أوراق القضايا الصادرة فيها أحكام بالإعدام، تجد أدلة البراءة تتجلى بوضوح لا غموض فيه، براءة لا شك فيها من الجرائم كافة، وظاهرة بين سطور محاضر التحريات المكتبية غير المتسقة، التي تفوح منها رائحة الكذب البواح. براءة المحكوم عليهم بالإعدام لا تحتاج لدليل؛ لأن أدلة البراءة تفصح عن نفسها من خلال شيوع الاتهام، وتناقض الدليل الفني، والخطأ الجسيم في تطبيق القانون، وفساد الاستدلال في الأحكام.

من يتحمل تلك الجريمة، جريمة إزهاق روح بريئة، والاعتداء على حق الحياة دون سند من قانون؟

إلى من لا زال لديهم علم بالقانون، ومن لديهم وعي بضرورة العدالة، لا بد من العمل على وقف وتعليق عقوبة الإعدام، تمهيدا لإلغاء تطبيقها، ووقف تنفيذ الأحكام النهائية الباتة الصادرة في القضايا السياسية بصفة خاصة، واستبدال عقوبة بديلة بها، وضرورة تفعيل حق الفرد في المثول أمام قاضيه الطبيعي، ووقف إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري أو الاستثنائي.

في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام نقول: لا للإعدام التعسفي في مصر.
التعليقات (0)

خبر عاجل