قضايا وآراء

حميدتي والسيسي والإخوان.. أين الحقيقة؟

قطب العربي
"يتصور حميدتي أنه بهذه السردية سينجح في عزل الجيش السوداني إقليميا ودوليا، لكن حيلته لم تنطل على الكثيرين"- جيتي
"يتصور حميدتي أنه بهذه السردية سينجح في عزل الجيش السوداني إقليميا ودوليا، لكن حيلته لم تنطل على الكثيرين"- جيتي
في كلمة مصورة قصيرة، خرج قائد مليشيات الدعم السريع حميدتي ليبرر هزيمة قواته في جبل مويا مدعيا أن طائرات الجيش المصري وليس السوداني هي التي هزمت مليشياته بضرباتها المكثفة، وهو ما نفته مصر عبر بيان لوزارة الخارجية.

لم يكتف حميدتي بخطابه المصور، ولكنه أصدر بيانا تفصيليا باسم الدعم السريع كرر فيه اتهام مصر بالمشاركة في المعارك، وبتقديم طائرات وقذائف ثقيلة للجيش السوداني استخدمها ضد الدعم السريع، كما حرص حميدتي سواء في كلمته المصورة أو بيانه المكتوب على التأكيد على أن المعركة بالأساس مع الحركة الإسلامية في السودان؛ التي حرص أيضا على تأطيرها باسم "الإخوان المسلمين" في محاولة منه لكسب تعاطف دولي، خاصة من العواصم المناهضة للإخوان أو للإسلاميين بشكل عام، وعلى رأسها القاهرة بطبيعة الحال ناهيك عن أبو ظبي والرياض والأهم واشنطن وحتى تل أبيب، وكأن حميدتي أراد السخرية من السيسي الذي يحارب الإخوان في مصر بينما يساعدهم في السودان!!

لا يريد حميدتي أن يقتنع أن الجيش السوداني الذي باغتته مليشيات الدعم السريع بتحويل حمايتها للمنشآت الاستراتيجية إلى احتلال لتلك المنشآت، قادر على تحرير تلك الأماكن بقدراته الذاتية، فالجيش لا يعرف سوى الجبهات المفتوحة، ولا يحسن حرب المدن مثل المليشيات، لكن الجيش السوداني الذي استوعب صدمة التغيير المفاجئ في وضع الدعم السريع (من قوة حماية إلى قوة احتلال) بدأ في تنظيم صفوفه، وتدريب رجاله على حرب المدن والشوارع، وتحديث أسلحته بما يناسب هذه المعركة، كما أنه يحظى بحاضنة شعبية واسعة، وقوات شعبية متطوعة تجيد التعامل مع المليشيات،
حرص حميدتي سواء في كلمته المصورة أو بيانه المكتوب على التأكيد على أن المعركة بالأساس مع الحركة الإسلامية في السودان؛ التي حرص أيضا على تأطيرها باسم "الإخوان المسلمين" في محاولة منه لكسب تعاطف دولي، خاصة من العواصم المناهضة للإخوان أو للإسلاميين بشكل عام، وعلى رأسها القاهرة بطبيعة الحال ناهيك عن أبو ظبي والرياض والأهم واشنطن وحتى تل أبيب، وكأن حميدتي أراد السخرية من السيسي الذي يحارب الإخوان في مصر بينما يساعدهم في السودان
وتتمتع بصلابة وروح معنوية عالية، وبسبب كل ذلك نجح الجيش في تحرير العديد من المواقع، وفتح الجسور المغلقة في الخرطوم، وأخيرا تحرير جبل مويا الاستراتيجي الذي يفتح الباب لتحرير كلا من ولايتي سنار والجزيرة، وهذا ما سبب صدمة لحميدتي دفعته للهذيان بأن الجيش المصري هو من فعل ذلك، وأنه سكت طويلا من قبل على تدخل الجيش المصري لكنه لا يستطيع السكوت أكثر من ذلك، مدعيا أسر عدد من العسكريين المصريين في المعارك الأخيرة. ووفقا لروايات مصرية فقد يكون هؤلاء الأسرى (لو صحت رواية حميدتي) هم مجرد عمالة مدنية مصرية في السودان، سيتم تصويرهم بعد تلقينهم ليظهروا كأنهم عناصر عسكرية أسيرة.

ليس خافيا أن الجيش المصري تعاون مع الجيش السوداني منذ الانقلاب على القوى المدنية في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وهو الانقلاب الذي شارك فيه حميدتي أيضا، لكن الجيش المصري ظل وفيا لعلاقته مع الجيش السوداني بعد تمرد الدعم السريع، خاصة أنه مطمئن لقادة الجيش على عكس الادعاءات التي روجها حميدتي عنهم منذ انقلابه وكررها في خطابه الأخير بأنهم تابعون للحركة الإسلامية.

ولم يكن خافيا وجود قوات مصرية في مطار مروي عند وقوع تمرد حميدتي، وقد أسرت مليشياته بعض العسكريين المصريين، وهو ما أشار إليه حميدتي أيضا في كلمته الأخيرة، وقد تم الإفراج عنهم بوساطة إماراتية تضمنت أيضا التزام مصر بموقف حيادي تجاه الحرب السودانية، وهو ما نفذته القاهرة لفترة طويلة، بل إنها قدمت نفسها وسيطا، واستضافت الفرقاء السياسيين السودانيين في تموز/ يوليو الماضي في مفاوضات لم تصل إلى شيء. لكن تغيرات جيواستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي، وفي أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، دفعت القاهرة لدعم الجيش السوداني ضمن محور سياسي وأمني جديد لحصار إثيوبيا التي تدعم بدورها مليشيات حميدتي، كما أن رئيس حكومتها آبي أحمد استقبل حميدتي، وجدد تعهده بدعمه.

ليس خافيا أيضا مشاركة متطوعين من التيار الإسلامي في السودان إلى جانب الجيش، وليس خافيا أن الحركة الإسلامية وغيرها من القوى الإسلامية وضعت كل ثقلها خلف الجيش دفاعا عن سودان موحد، وفي مواجهة مؤامرة أرادت تفتيته، وتسليمه لحفنة من المتمردين المغامرين، الذين هم مجرد أدوات بيد دولة الإمارات، التي تركز كل مؤامراتها على تصفية التيار الإسلامي في السودان كما في غيره من الدول، وبالتالي لم يكن منطقيا أن ينتظر الإسلاميون ذبحهم على يد تلك المليشيات ومن وراءها.

تغيرات جيواستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي، وفي أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، دفعت القاهرة لدعم الجيش السوداني ضمن محور سياسي وأمني جديد لحصار إثيوبيا التي تدعم بدورها مليشيات حميدتي، كما أن رئيس حكومتها آبي أحمد استقبل حميدتي، وجدد تعهده بدعمه
يختلف موقف الإسلاميين في السودان عن نظرائهم في مصر تجاه الجيش في كلا البلدين، فعلى عكس الموقف الرافض للحكم العسكري في مصر، فإن غالبية الإسلاميين السودانيين لم يكن لديهم مشكلة مع الجيش الذي تربى العديد من رجاله في المحاضن الإسلامية، ورغم أن قيادة الجيش هي التي انقلبت على الرئيس البشير، وعلى الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) الذي هو الجناح السياسي للحركة الإسلامية، إلا أن ما قامت به القوى العلمانية السودانية حين شكلت الحكومة التالية للانقلاب؛ من استئصال للإسلاميين من كل المواقع، ومصادرة ممتلكاتهم، وحبس رموزهم، ومطاردة الباقين منهم، وفرض حظر سياسي عليهم، دفع تلك القوى الإسلامية وخاصة حزب المؤتمر الوطني، أو من يطلق عليهم في السودان "الكيزان"، إلى التحرك دفاعا عن أنفسهم، في مواجهة حرب إبادة استهدفتهم، وحين وقع تمرد مليشيات حميدتي، وتصاعدت عمليات السلب والنهب والاغتصاب للمدنيين العزل، ولم يكن الجيش السوداني قادرا في البداية على المواجهة ودعا الشعب السوداني للتطوع لمواجهة المتمردين، سارع العديد من أبناء التيار الإسلامي للحاق بركب المتطوعين، بل شكلوا كتائب قتالية مثل كتيبة البراء بن مالك؛ أبلت بلاء حسنا في مواجهة المليشيات حتى الآن.

استغل حميدتي وجود هؤلاء المتطوعين الإسلاميين لتسويق فكرة سيطرة الإسلاميين على الجيش، وأنهم هم من أشعلوا الحرب، رغم أن العالم كله يعرف أن مليشيات حميدتي هي التي بدأتها، في محاولة فاشلة للانقلاب على حكومة البرهان. ويتصور حميدتي أنه بهذه السردية سينجح في عزل الجيش السوداني إقليميا ودوليا، لكن حيلته لم تنطل على الكثيرين، وإن اتسقت مع رعاته في أبو ظبي الذين راهنوا عليه، وعلى بعض القوى السياسية الموالية لهم في السودان، ليفرضوا وصايتهم على السودان ضمن خطة أوسع لتوسيع النفوذ الإماراتي في أفريقيا.

يتصرف حميدتي في الوقت الحالي مثل الثور الهائج، فهو يشعر بضعف موقفه الميداني، وربما يشعر بخذلان بعض رعاته الذين راهنوا عليه، وربما اكتشفوا أن رهانهم في غير محله. وقد دفع انتقاده العلني للجيش المصري لتغيير رسمي في الموقف المصري تجاهه، حيث وصفه بيان وزارة الخارجية لأول مرة بقائد مليشيا، ما يعني انحيازها علنا للجيش السوداني انطلاقا من حسابات الأمن القومي المصري، والدور الجديد للقاهرة في أفريقيا.

x.com/kotbelaraby
التعليقات (0)