كثيرا ما نسمع هذه الأيام عن كلمتي: أخلاق
المهنة، وتحديدا في حياتنا
الفنية،
فأصبح المعظم يرغي ويزبد بالأخلاق، والضمير المهني، وميثاق شرف المهنة، إلى آخر طابور
الأخلاق والقيم، ولكن في نفس الوقت بعد كل هذا التشدق نجد أن الغيرة غير الشريفة، والسباق
الشرير بين زملاء المهنة الواحدة قد بلغ ذروته من الغل والحقد والأنامالية.
ولهذا، أجدني مضطرا إلى تذكر ذكريات بديعة أيام الصداقات الفنية الحقيقية، باختصار
وبلا مقدمات، زمن الفرسان الحقيقيين.
يحضرني على سبيل المثال، عندما قرر المخرج فطين عبد الوهاب أن يصور فيلم "مراتي
مدير عام"، وقد اختار في ذلك الوقت لبطولته شادية ورشدي أباظة، وكان في هذا الوقت
أيضا قد تم إعلان زواج شادية وصلاح ذو الفقار، وهنا لمعت فكرة استثمار هذا الزواج،
فبارك الجميع هذه الفكرة، وكان الوحيد الذي لم يتم إعلامه هو رشدي أباظة.
وبالطبع جاء اليوم الموعود وهو بداية التصوير وبدأ يسود التوتر والقلق، كيف
سيتم إخباره؟ وما هو رد فعله إزاء هذا الموقف السيئ؟ وعند مجيء رشدي إلى الأستوديو،
فر الجميع عمالا وممثلين، وأحس رشدي بهذا الهروب، وهذا التوتر، ولكنه انصرف من الأستوديو،
وجاء بعد فترة من الوقت حاملا بوكيه ورد، وظرفا فيه ورقة فحواها: أخي صلاح ألف مبروك،
ومع الورقة ترك العربون.
هكذا.. وانصرف وقد ردت شادية على هذا الموقف بالتعاون مع رشدي أباظة في واحد
من أنجح أفلامهم؛ "الزوجة رقم 13".
ويحضرني مثال آخر مع محمود عبد العزيز ورشدي أباظة وحسين فهمي ونجلاء فتحي،
وقد وقع خلاف بين حسين فهمي ومنتج الفيلم، مما أدى إلى اعتذار الأول، فقرر المنتج إسناد
البطوله للوجة الجديد آنذاك محمود عبد العزيز، ولكن في أول يوم تصوير فوجئ الجميع بحضور
حسين فهمي مقدما بوكيها كبيرا من الورد لتهنئة العاملين بالفيلم. ويبدو أن محمود عبد
العزيز لاحظ ذوبان جبل الجليد، فتقدم ليتنازل لحسين أن يعود إلى الفيلم وقد أثنى الجميع
على هذا الموقف وبالذات رشدي أباظة.
ويحضرني موقف نبيل آخر في مسرحية ريا وسكينة، فقد اعتذر حمدي أحمد عن استكمال
دوره في العرض المسرحي، وقد أصر إصرارا لا رجعة فيه، هنا رشح المخرج حسين كمال الممثلَ
الواعد آنذاك أحمد بدير. وهنا جاء الموقف الذي يحسب لبدير فقد اشترط بدير قبل إجراء
البروفات بالاتصال هاتفيا بحمدي أحمد للتأكد من اعتذاره.
وأتذكر موقفا آخر بطله كاتب هذه السطور، وهو فيلم من إنتاجه، "مجرم مع
مرتبة الشرف"، وقد أرسلتُ نسخه من الفيلم لنجمة كبيرة، ولكنها لم ترد لمدة شهر
كامل، وقد اعتبرت هذا اعتذارا أو مماطلة في قبوله، واستدعيت مخرج الفيلم مدحت السباعي
لكى يرسل نسخة من السيناريو لرغدة التي قبلت في نفس اليوم، وتم توقيع العقد معها، وبالطبع
انتشر الخبر، لأفاجأ بعد ثلاثة أيام من توقيع العقد باتصال تلفوني من موزع كبير، يطلب
مني فسخ العقد مع رغدة، وإسناد الدور إلى نفس النجمة التي أرسلت لها السيناريو مقابل
مضاعفة سلفة التوزيع، وهذا أمر لو تعلمون لعظيم، ولكني رفضت وتم تنفيذ الفيلم برغدة..
هكذا كانت قيم المهنة، ولكن أين هذا من الآن؟ فأرجوكم العودة الحقيقية لأخلاق
المهنة.