ملفات وتقارير

ماذا وراء إخلاء الجيش منشآت تعليمية وصحية وترفيهية على نيل القاهرة؟

قررت إدارة مشروعات القوات المسلحة التابعة للجيش إلغاء وعدم تجديد عقود حق الانتفاع بجميع أراضي "طرح النهر" - إكس
قررت إدارة مشروعات القوات المسلحة التابعة للجيش إلغاء وعدم تجديد عقود حق الانتفاع بجميع أراضي "طرح النهر" - إكس
في ظل اشتعال الأوضاع في جزيرة "الوراق" وسط نيل القاهرة، بين سكانها المصريين وقوات الأمن منذ أكثر من 6 سنوات لتنفيذ مشروع سياحي إماراتي بعد طرد الأهالي من الموقع الهام، قررت جهة تابعة للجيش المصري إخلاء أراضي ومقرات منشآت تعليمية، وصحية، وثقافية، وترفيهية، وأخرى تابعة للقضاة والمحامين على نيل القاهرة، ما أثار المخاوف من أن يكون مصير تلك المناطق الحيوية هو البيع للأجانب.

إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة التابعة للجيش، وبناء على توجيهات رئاسية؛ قررت إلغاء وعدم تجديد عقود حق الانتفاع بجميع أراضي "طرح النهر" -شريط يمتد من منطقة شبرا الخيمة (شمال) حتى حلوان (جنوب) القاهرة- وإخلاء ما عليها من منشآت على جانبي نهر النيل، بشكل فوري، وذلك بحسب بيان صادر عن مجلس إدارة نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، وكلية السياحة والفنادق جامعة حلوان.

القرار بحسب البيانين، يشمل منطقة تطوير مستشفيات قصر العيني -المؤسسة الصحية الحكومية التعليمية الأكبر بالقاهرة- بجزيرة الروضة، وكلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، والمسرح العائم، ونادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، وشرطة المسطحات المائية، وحديقة أم كلثوم، ومنشآت تابعة للقضاة مثل نادي النيابة الإدارية، ونادي قضاة مجلس الدولة.

وألمح نادي أعضاء هيئة تدريس جامعة القاهرة، الذي طالما شهد سجالات تاريخية بين أساتذة الجامعة العريقة إلى أن خطاب إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة، أكد أن هذه الأراضي ملك الدولة ومخصصة حق انتفاع لهذه المنشآت، وأنه تضمن ضرورة نقل المتعلقات من تلك المقرات في الحال، فيما أكد النادي أنه سيسلك السبل المشروعة ودراسة السيناريوهات والحلول.


وأكد بيان لكلية السياحة والفنادق جامعة حلوان، على فقدان موقعها الاستراتيجي على نهر النيل، إثر تلقيها خطابا من إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة، بناء على توجيهات عليا، يقضي بإلغاء وعدم تجديد عقود حق الانتفاع لكافة أراضي النهر الممتدة شبرا حتى منطقة حلوان، والتي تشمل أراضي مخصصة لأنشطة تعليمية وإدارية خاصة بالكلية، بحسب البيان.


وعبَّر طلاب كلية السياحة والفنادق بحلوان، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن صدمتهم من القرار، فيما أعلنوا توقعاتهم بأنه سيجري بيع مقر الكلية للإمارات، وذلك في الوقت الذي لم يصدر فيه قرار رسمي يؤكد دخول الدولة العربية الخليجية الأكثر استحواذا على الأصول والأراضي المصرية في السنوات الماضية، على خط تلك الصفقات.

وكانت الفنانة المصرية سميحة أيوب، قد كشفت عن خبر هدم المسرح العائم، أو مسرح "فاطمة رشدي"، التابع لوزارة الثقافة، ويضم 3 مسارح منذ خمسينيات القرن الماضي، بمنطقة المنيل بالقاهرة، متوجهة برسالة إلى السيسي، عبر فضائيات ومواقع صحفية لوقف هدم المسرح نظرا لتاريخه وتأثيره، فيما انضم لأيوب عدد من الفنانين والمخرجين والمثقفين.

وأبدت وزارة الثقافة المصرية عدم معرفتها بالقرار، حيث قال الوزير أحمد فؤاد هنو، لفضائية "إم بي سي مصر"، إنه لم يتم إخطار الوزارة رسميا بالمخطط الحضري لمنطقة المنيل حتى الآن.

وتقدمت البرلمانية مها عبدالناصر، بطلب إحاطة منتقدة قرار سحب أراضي طرح نهر النيل من مؤسسات تعليمية وثقافية، داعية الحكومة إلى مراعاة التفرقة ما بين الأراضي التي من الممكن سحبها والتي لا يمكن سحبها، مؤكدة أنه لا يجوز تحت أي سبب أو هدف أو غرض المساس بالمؤسسات التعليمية والثقافية بهذا الشكل المؤسف وغير المفهوم.


وأكد البرلماني المصري السابق طلعت خليل، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن "كل أراضي طرح النهر على النيل تم نقل ولايتها لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة".

"قرار سيادي"
مراقبون وصفوا القرار بالسيادي الذي لا رجعة فيه، وقرأوا الموقف مؤكدين أنه يعني أن أراضي طرح النهر بكاملها مملوكة للقوات المسلحة، ملمحين إلى صعوبة الطعن على قرار الإخلاء والتسليم، كون ذلك القرار من أعمال السيادة الخارجة عن اختصاص القضاء الإداري.

ويندرج أيضا بحسب متابعين، تحت بنود قانون المنفعة العامة الذي يقضي بنزع ملكية العقارات اللازمة للمنفعة العامة والتعويض عنه وفقا لأحكام هذا القانون، والذي اعتمد عليه رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، في إصدار عشرات القرارات بإزالة النفع العام عن منشآت تابعة للدولة، وضمها لصندوق مصر السيادي، ثم طرحا للمستثمرين، لاحقا.

ولفتوا أيضا إلى أن القرار صادر بناءً على تكليف رئيس الجمهورية، لجهة التنفيذ العسكرية المنوط بها إخلاء كامل الشريط النهري، لجميع المنشآت دون مراعاة الجهة المستأجرة لها أو كونها منشأة صحية كقصر العيني، أو مقر جامعي ككلية السياحة والفنادق، أو  منشأة ثقافية وترفيهية كالمسرح العائم، أو حتى أندية تابعة لما يطلق عليها جهات سيادية (القضاء).

ويتزامن القرار مع تأكيد السيسي، الجمعة الماضية، خلال كلمته لدول مجموعة بريكس بأن حكومته ماضية في دعم القطاع الخاص وتقليص الحكومي وتنفيذ "وثيقة سياسة ملكية الدولة" والتي تقوم على بيع الأصول المصرية.

كما يتزامن القرار مع مراجعة صندوق النقد الدولي الرابعة لاقتصاد مصر وقبل زيارة مرتقبة لرئيسة الصندوق كريستالينا غورغييفا.

"تفاصيل مثيرة"
والشهر الماضي، جرى الإعلان عن تعاون الجيش ووزارة الري، بشأن أراضي طرح النهر بالمسافة من شبرا الخيمة وحتى حلوان، فيما جرى الكشف عن لجان متخصصة لحصر جميع أراضي طرح النهر بطول النيل في مصر، والتعديات عليها بالمحافظات.

وسبق خطاب إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة لنادي أعضاء هيئة التدريس ولكلية السياحة والفنادق، ولنادي القضاة، لقاء وزير الموارد المائية والري هاني سويلم، بمدير جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة محمد مصطفى رضوان، 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، وفق بيان مجلس الوزراء.

خلال اللقاء جرى التأكيد على التعاون بين الوزارة والجهاز لإصدار تراخيص أراضي طرح النهر من شبرا الخيمة وحتى حلوان، وإزالة حالات الردم المخالفة بتلك المسافة.


وهو الاجتماع الذي تبعه بـ4 أيام الكشف عن وجود لجنة "فنية قانونية مالية" مشكلة لاستلام الأراضي والمستندات الخاصة بأراضي طرح النهر، على خرائط مساحية معتمدة من هيئة المساحة بإحداثيات محددة وكشوف حصر معتمدة موضح بها أسماء ومساحات واضعي اليد.

وهو ما يتزامن مع قيام لجنة حكومية بحصر جميع الأصول غير المستغلة داخل 27 محافظة، للترويج لها عبر خريطة مصر الاستثمارية بالتنسيق مع هيئة الاستثمار، وصندوق مصر السيادي، وفق تصريح، وزيرة التنمية المحلية، منال عوض، آب/ أغسطس الماضي.

وقال بيان وزارة الموارد المائية والري 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، إن وزير الري يتابع موقف استلام أراضي طرح النهر من هيئة التعمير، واستلام الأراضي والمستندات الخاصة بأراضي طرح النهر على خرائط مساحية وكشوف حصر معتمدة، والتي تمت بمحافظة الدقهلية، وتجري بأسوان والأقصر والمنيا وبني سويف.


والسبت الماضي، أعلنت وزارة الموارد المائية والري، عن متابعة الوزير سويلم، إزالة التعديات على مجرى النهر وفرعيه والتي من بينها حالات الردم المخالفة بمجري نهر النيل بمنيل شيحة بالقاهرة -المنطقة محل القرار الأخير-، بالتعاون مع جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة ووزارة الداخلية، وذلك إلى جانب بدء أعمال الرفع المساحي لكافة أراضي طرح النهر بالمحافظات النيلية الـ16.


"البيع أو التأجير لمن يدفع"
وفي رؤيته لادلات قرار إخلاء تلك المنشآت على طرح النهر، قال الخبير الاقتصادي والمسؤول المصري السابق الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، في حديثه لـ"عربي21": "منذ فترة طويلة وهناك مخططات أو دراسات جدوى تقوم بها شركات عالمية لإقامة منطقة سياحية عالمية في منطقة جزيرة الوراق، وغيرها".

وأوضح أنه "في الفترات السابقة كان أقرب للمستحيل تنفيذ هذه المخططات؛ وكانت هناك مخاوف أمنية من أن يؤدي سحب الأراضي أو محاولة تهجير السكان إلى مشاكل تؤدي إلى لا أريد أن أقول ثورات، ولكن على الأقل زعزعة الأمن بمنطقة مكتظة بالسكان ونسبة الفقر فيها كبيرة، ولسكان لا يملكون إلا هذه المناطق للعيش فيها".

وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية سابقا، استدرك بقوله: "لكن بعد نجاح مسألة إخراج الأهالي من خارطة ماسبيرو (كورنيش نيل القاهرة) وإقامة منشآت هي أقرب للعالمية، وتحولت المنطقة من منازل يسكنها مجموعة من الفقراء إلى ثروة بكل معنى الكلمة، يمكن بيعها بمليارات الدولارات وليس الجنيهات".

وأضاف: "من هنا وجدت الدولة أن هناك إمكانية للحصول على عوائد ضخمة من هذه الأراضي"، ملمحا إلى أن "مخططات الدولة طبقا لما كان يتم رسمه في فترات سابقة كانت تتحدث عن إقامة منطقة جذب سياحي أو حتى منطقة مال وأعمال أو استغلال المنطقة بالشكل الذي يدر عوائد خاصة بالعملات الصعبة على الخزينة العامة للدولة".

اظهار أخبار متعلقة


ويعتقد عبدالمطلب، أن "الدولة الآن لم تعد قادرة على تنفيذ هذه المشروعات، ولما نتحدث عن فترة ما قبل عام 2011، كان هناك (كارتل) أو تجمع من رجال الأعمال كان ينوي إقامة مجموعة كبيرة من الفنادق والمشاريع السياحية والصحية التي تجذب العرب، يعني مخططات لعمل مدينة سياحية كاملة تضم الترفية والسياحة العلاجية والفنادق الفخمة".

"لكن الدولة الآن تسحب يدها من مسألة الاستثمار، وتفضل أنه إما أن تبيع هذه المناطق لمن يدفع لأي رأس مال سواء عربي إماراتي سعودي أو من أي منطقة بالعالم، طالما قادر على دفع السعر الذي تحدده الدولة، أو تقوم بتأجيرها، المهم أن تحصل على مقابل لهذه الأرض".

ويرى الخبير الاقتصادي، أن "العقبة الموجودة هنا هم السكان، وأن الدولة للأسف الشديد تعتقد أنها المالك لكل الأراضي الموجودة في الدولة، وأن المواطن مجرد (ساكن) أو (مستأجر) تستطيع طرده أو مصادرة هذه الأرض تحت ذريعة المنفعة العامة للدولة".

"شراكة نافذين بالدولة"
ومضى يؤكد أن "الغرض من تلك القرارات هو البيع أو الاستثمار من قبل الجيش"، ملمحا إلى أنه "لا توجد معلومة حالية يمكن بها القول إن هذا الأمر هو لصالح البيع أم لصالح استثمار الجيش".

وأضاف: "لكن ما أراه من خلال الاتجاهات الموجودة حاليا أن صندوق النقد الدولي بدأ يشدد بشكل كبير جدا ويتشدد في مسألة خروج الجهات السيادية من الاستثمار وعدم منافستها القطاع الخاص، وأن يكون هناك تطبيق سريع لوثيقة ملكية الدولة".

اظهار أخبار متعلقة


ومن هنا يرى أن "الأقرب هو أن الدولة سوف تحصل على مقابل بيع أو تأجير هذه المنطقة، لكن أيضا إذا تحدثنا بشكل أكثر موضوعية لربما يكون هناك نوع من أنواع الشراكة بين الرجال النافذين في الدولة، أيا كان هؤلاء، وبين الشركات التي ستستثمر في هذه المنطقة".

وخم مؤكدا على اعتقاده أنه "في ظل تشدد صندوق النقد الدولي واحتياج الدولة إلى العملة الصعبة سيكون هناك بيع أو تأجير لهذه المناطق".

"حلقة البيع والمأساة المركبة"
ويعتقد الكاتب والباحث والمحلل السياسي المصري محمد فخري، أن "سحب الأراضي والمقرات الخاصة بالمنشآت التعليمية والصحية والترفيهية على نهر النيل؛ حلقة من حلقات مسلسل بيع الأصول المصرية للمستثمر الأجنبي وخاصة الشريك الإماراتي، والذي يعتبر هو الآخر واجهة ومجرد وسيط لنقل الملكية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى فخري أن "المأساة التي تعاني منها مصر مركبة بعض الشيء، فهي لا تفقد أصولها التي لا تقدر بالمال ولا يصح بيعها فقط، ولكن تفقدها بثمن بخس وتؤول ملكيتها لأطراف وثيقة الصلة بجهات معادية".

وقال إن "تلك الأصول تتعرض أيضا، للنهب المضاعف خصوصا إذا كانت شركات رابحة، حيث يتم أولا كبح جماح أرباحها ثم تصفيتها وإفشالها، ليتم تثمينها وتخصيصها بثمن بخس لوسيط مصري مقرب من النظام، ولا تمر أسابيع حتى نكتشف انتقالها لوسيط أكبر إماراتي وبثمن بخس أيضا، ولكن بسعر أعلى".

اظهار أخبار متعلقة


ولفت إلى أن "ذلك حدث في عشرات الصفقات ومنها صفقات تخص صناعات استراتيجية وصفقة الفنادق التاريخية؛ وهذا طبعا بخلاف الخطايا التاريخية الأخرى والمتمثلة في التفريط الرسمي ببيع أراضي الجزر الاستراتيجية".

وفي ظل غياب المعلومات والتكتم على الخطط الحكومية يعتقد الكاتب المصري أن "الأمر لا علاقة له باستثمار الجيش ولا دعم لمستثمر أجنبي، هو فقط نهب منظم وخيانة للأمانة، وتفريط في مقدرات البلاد".

وختم قائلا: "ولا ننسى التنويه إلى أنه بعد استنفاذ طرق وأدوات النهب المنظم، يُعلن النظام عن حصوله على عملة صعبة والتي بنى حجته للبيع، ثم سرعان ما يبدد ما حصل عليه خلال أيام جراء تسديد فوائد الدين، أو توجيهها لمشروعات ليست ذات أولوية".
التعليقات (0)