في ظل اشتداد
الحرب الحالية واتساعها،
واحتمالات تحولها إلى حرب إقليمية، وحملة الإبادة والتطهير العرقي التي تشنها
إسرائيل في
غزة ولبنان، ومحاولة تركيع حماس وحزب الله، وخلق واقع جيواستراتيجي
وأمني جديد، تكثر الأسئلة: ما الذي يريده نتنياهو؟ وما هي أهدافه الحقيقية من
الحرب؟ وما هي الاستراتيجيات التي يستخدمها؟ وهل سينجح في تحقيق أحلام اليقظة التي
تراوده؟ هذا ما نجيب عليه عبر ما سطره الإعلام وباحثو مراكز الأبحاث الإسرائيلية:
نتنياهو وأحلام التأسيس الثالث لإسرائيل
يعتبر نتنياهو نفسه المؤسس الثالث لإسرائيل،
ورغم أنه يرى في الحرب الحالية تهديدا وجوديا؛ لكنه أيضا يعتبرها فرصة سانحة لخلق
واقع استراتيجي جديد كان يراوده قبل الطوفان، ففي خطابه أمام الأمم المتحدة في 22
سبتمبر 2023، بشر نتنياهو بشرق أوسط جديد، فقال:
ـ كانت اتفاقيات إبراهيم محورا للتاريخ، فقد
أبرمت إسرائيل أربع اتفاقيات سلام في أربعة أشهر عام 2020 مع أربع دول عربية:
الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
ـ إننا على أعتاب اختراق أكثر دراماتيكية:
سلام تاريخي مع السعودية سيقطع شوطا طويلا نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
وسيشجع الدول العربية الأخرى على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومصالحة أوسع بين
اليهودية والإسلام، بين القدس ومكة، بين أحفاد إسحاق وأحفاد إسماعيل.
ـ في قمة العشرين، أعلن عن خطط لممر يمتد
عبر الجزيرة العربية وإسرائيل، يربط الهند بأوروبا، ويتجاوز نقاط الاختناق
البحرية، ويخفض تكاليف السلع والاتصالات والطاقة لأكثر من ملياري شخص.
ـ إنه تغيير تاريخي لإسرائيل التي تقع على
مفترق الطرق بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، ويمكن لها أن تصبح جسرا للسلام والازدهار
بين هذه القارات.
إذن يريد نتنياهو شرق أوسط جديد تكون
إسرائيل القوة المحورية فيه، ومفتاحه السياسي والاقتصادي والأمني، وتعاد فيه هندسة
الأفكار والتوجهات والخطاب الديني ومناهج التعليم بما يخدم السلام المزعوم. شرق
أوسط جديد لا عزاء للفلسطينيين: إما أن يكونوا تروسا في ماكينة السلام الإسرائيلي؛
أو أن يواجهوا ما يواجهونه اليوم من دمار وموت بآلة القتل الإسرائيلي والصمم
العربي والإسلامي.
يعتبر نتنياهو نفسه المؤسس الثالث لإسرائيل، ورغم أنه يرى في الحرب الحالية تهديدا وجوديا؛ لكنه أيضا يعتبرها فرصة سانحة لخلق واقع استراتيجي جديد كان يراوده قبل الطوفان،
وقد شرد الخيال باليمين المتطرف على لسان
سموتريش في الحديث عن إقامة إسرائيل الكبرى، فلا شئ اسمه الشعب
الفلسطيني، والقدس
حدودها عند دمشق، وحدود إسرائيل تشمل الأردن وأراض من مصر والسعودية والعراق
وتركيا.
ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967
في الخرائط التي عرضها نتنياهو في الأمم
المتحدة، لم يكن هناك تحديد للحدود الجغرافية لغزة الضفة والقدس، بما يعني الضم
الشامل لكل الأراضي المحتلة، وإلغاء حل الدولتين.
لقد كان إصرار الشعب الفلسطيني على المقاومة
هو الخطر الكبير الذي يهدد أحلام نتنياهو منذ فترة طويلة ويسعى بالقوة للتخلص منه،
يقول العقيد احتياط رافائيل بوشنيك في مقاله: "معضلة ضم غور الأردن"،
مركز بيغين السادات للدراسات الاستراتيجية BESA، 13 مايو آيار 2020: "يرى نتنياهو أن غور الأردن له أهمية قصوى في سياق أمن إسرائيل،
فالشرق الأوسط غير مستقر وعنيف، وغور الأردن هو حزام دفاعي استراتيجي للدولة،
وبدونه، يمكن أن يصل الطوفان الأصولي إلى إسرائيل حتى منطقة تل أبيب الكبرى"؛
لكن جاء الطوفان من غزة يوم السابع من
أكتوبر بعد أن ظن أنه قد نجح في تقليم أظافر حماس وإشغالها بالمشاكل الاقتصادية
والحياتية المعقدة التي تسبب فيها الحصار الإسرائيلي الخانق للقطاع.
ومازالت الضفة الغربية برميل بارود قد ينفجر
في أي وقت في انتفاضة ثالثة، يقول عيران لاهاف في 24 أغسطس 2024 على موقع المنتدى
الإسرائيلي للدفاع والأمن IDSF تحت
عنوان"طولكرم: عاصمة الإرهاب الناشئة": في مخيمات اللاجئين، استمرت
أعشاش المقاومة في التنظيم بشكل كبير في الأشهر الأخيرة. وهذه المخيمات قريبة جدا
من المدن الإسرائيلية الرئيسية. وبغض النظر عن العمليات والاعتقالات التي يتم
تنفيذها، فإن المقاومين في الميدان يعملون بنجاح على تحسين أساليب عملهم التي
أصبحت أكثر تعقيدا. إن أي صبي يبلغ من العمر 15 عاما أو أكثر يمكن أن يكون مقاوما
يعرض القوات للخطر. منطقة الضفة هي بالتأكيد برميل بارود وساحة معركة كبيرة تذكر
إسرائيل باستعدادات حماس ليوم 7 أكتوبر.
خطورة الوضع الأمني والاستراتيجي لإسرائيل
الحرب الحالية هي أخطر ما واجهته إسرائيل
منذ 1948، فهي تشكل منزلقا استراتيجيا خطيرا يتوقف عليه مستقبلها ووجودها. وهذا ما
أكده أودي ديكل في مقاله: "خطة الجنرالات: الاتجاه الصحيح والاتجاه
الخاطئ"، معهد دراسات الأمن القومي INSS، 15 أكتوبر تشرين الأول 2024، والذي أجمل فيه الوضع فقال:
ـ تواجه إسرائيل، وعلى مدار عام، منذ 7
أكتوبر 2023 حرب استنزاف مستمرة متعددة
الساحات، كان فيها قطاع غزة هو الساحة الرئيسية، ثم في 19 أيلول/سبتمبر 2024 أصبح
لبنان هو الساحة الرئيسية، ومن المرجح أن تكون إيران هي التالية. ويهدف أعداء
إسرائيل إلى تدميرها وتحدي شرعيتها.
ـ تستمر إسرائيل في الحرب دون أهداف سياسية
واضحة أو استراتيجية خروج، ويشير المسار العام إلى حرب إقليمية مطولة، مع تحرك
إسرائيل بسرعة نحو عزلة دولية واسعة النطاق.
ـ أعداء إسرائيل هم جهات فاعلة شبه حكومية
تحركها أيديولوجية دينية لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود، مما يجعل الاتفاقات
السياسية طويلة الأجل صعبة، إن لم تكن مستحيلة.
ـ فشل النظام الدولي في العمل بفعالية نظرا
لغياب التواصل الإيجابي بين القوى العظمى في فرض وقف لإطلاق النار وضمان أمن
إسرائيل.
ـ تقف إسرائيل على شفا صراع مباشر مع إيران،
أقوى عدو لها، والتي هددت صراحة بأن أي عمل عسكري متطرف من جانب إسرائيل سيجبرها
على تطوير قدرات نووية عسكرية تمتلكها بالفعل.
ـ رفضت إسرائيل
كل مبادرة لإنهاء الحرب، بما فيها إعلان الدول العربية في الأمم المتحدة عندما قال
وزير الخارجية الأردني: "نحن هنا، أعضاء اللجنة العربية المسلمة، بتفويض من
57 دولة عربية وإسلامية، إننا جميعا على استعداد لضمان أمن إسرائيل في سياق
إنهائها لاحتلال والسماح بدولة فلسطينية".
ـ تنظر الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى أن
إقامة دولة فلسطينية هو تهديد وجودي لإسرائيل. لذا، تواصل حربها في غزة، وتمنع
السلطة الفلسطينية من العودة للسيطرة على القطاع.
إسرائيل والمستنقع اللبناني
في مقاله "العملية البرية للجيش
الإسرائيلي في لبنان"، معهد دراسات الأمن القومي INSS، 14 أكتوبر تشرين الأول 2024، قال عوفر شيلح: يمثل الوضع في
الشمال مع حزب الله فشلا استراتيجيا لم يسبق له مثيل في تاريخ إسرائيل. فعلى الرغم
من التكتيكات الدفاعية للقيادة الشمالية، فقدت إسرائيل جزءاً كبيرا من أراضيها،
وأصبح سكانها لاجئين داخلها. وخلافا للوضع مع حماس، لا يمكن للجيش الإسرائيلي فرض
هزيمة عسكرية على حزب الله من خلال الاستيلاء على أراض واسعة في لبنان والبقاء
هناك فترة طويلة من الزمن. وفي كل خيارات الحرب البرية، محدودة أو موسعة، لا يوجد
حل لتهديد الطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة بدقة التي تستهدف الجبهة الداخلية
الإسرائيلية.
تواجه إسرائيل، وعلى مدار عام، منذ 7 أكتوبر 2023 حرب استنزاف مستمرة متعددة الساحات، كان فيها قطاع غزة هو الساحة الرئيسية، ثم في 19 أيلول/سبتمبر 2024 أصبح لبنان هو الساحة الرئيسية، ومن المرجح أن تكون إيران هي التالية. ويهدف أعداء إسرائيل إلى تدميرها وتحدي شرعيتها.
ولتحقيق الشرعية الدولية لعملياته ومنع
الجيش الإسرائيلي من أن يصبح راسخا في "منطقة أمنية" طويلة الأجل غير
مخطط لها، يجب أن يقترن الجهد العسكري بجهد دبلوماسي للتوصل إلى ترتيب، قرار 1701
المعدل، يغير الوضع في جنوب لبنان بشكل جذري، ويمكن من عودة سكان الشمال. وفي أي
ترتيب من هذا القبيل، يجب على إسرائيل أن تصر على الشروط التالية: تدمير البنية
التحتية لحزب الله بالقرب من الحدود تحت إشراف إسرائيلي؛ تعزيز الوجود الدولي
لقوات البلدان الملتزمة بهذا الترتيب؛ وحرية العمل الإسرائيلية لمنع حزب الله من
العودة تدريجيا إلى مواقعه السابقة، مع سياسة إطلاق نار استباقية وإجراءات عدوانية
لمنع ذلك.
خطة الجنرالات.. إما الرحيل أو الموت جوعا
وإبادة
أحد أقذر الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في
الحرب الحالية إبادة البشر والحجر وتجويع البشر ومنع كافة الخدمات الأساسية عنهم.
وأضيف إليها مؤخرا "خطة الجنرالات"، والتي تنفذ الآن في شمال غزة، يقول
ميرن رابوبورت في مقاله: "خطة لتصفية شمال غزة تكتسب زخما، مجلة +972، 17
سبتمبر أيلول 2024: اقترح الخطة "منتدى قادة ومقاتلي الاحتياط"، بقيادة
اللواء احتياط غيورا آيلاند، قبل بضعة أسابيع فقط، وتنفذها إسرائيل الآن، إما أن
يغادر سكان شمال غزة في غضون أسبوع، أو يتم فرض حصار كامل على المنطقة، بما في ذلك
قطع جميع إمدادات المياه والغذاء والوقود، حتى يستسلم أولئك الذين يبقون أو أن
يموتوا جوعا.
الحلول التكنولوجية وحدها لا تكفي
في مقاله على موقع معهد القدس للاستراتيجية
والأمن JISS، 27 أغسطس آب 2024،
وعنوانه: "لا يمكن لأي تكنولوجيا أن تحل محل الجيش الإسرائيلي على الحدود بين
غزة ومصر"، يرفض هيلل فريش الاكتفاء القول بالتدابير التكنولوجية على الحدود
لتوفير الأمن لإسرائيل، ويعلل رأيه بما يلي:
1 ـ عدم فعالية الدفاعات الثابتة كالأسوار
ضد خصم بشري يراقب ويتعلم ويتكيف ويبتكر، مثلما فعلت حماس في 7 أكتوبر. فالصورة
الأيقونية لجرار وحيد يفكك السياج الأمني عند مستوطنة بئيري، تليها موجات
المقاتلين دليل قوي على عدم كفايةالحلول التكنولوجية ضد الإبداع البشري.
2 ـ صعوبة صيانة والحفاظ على الدفاعات
الثابتة المزودة بأجهزة استشعار وكاميرات متطورة. وهنا يكمن التحدي: كيف سيحافظ
الجيش الإسرائيلي على سياج متقدم على طول محور فيلادلفي بعد الانسحاب من غزة؟ وكيف
سيتم الكشف عن أنفاق التهريب الجديدة التي تمر تحت السياج؟
3 ـ هل ستكون إسرائيل قادرة على الرد
بفعالية في ظل قيود اتفاق وقف إطلاق النار إذا دمرت حماس تدريجيا الحواجز الأمنية
على طول الحدود بين غزة ومصر، مما يسمح باستئناف تهريب الأسلحة؟
4 ـ سيشكل الانسحاب الإسرائيلي انتصارا
لحماس، وستكون صورة آخر دبابة ميركافا تعبر السياج المدمر إلى إسرائيل رمزا لأول
انتصار عربي حاسم في تاريخ الصراع، مما يعزز مكانة حماس ويضعف بشدة التحالف الذي
تقوده الولايات المتحدة مع إسرائيل والدول العربية المعتدلة.
وبالطبع، فإن ما ذكره فريش ينطبق في التفكير
الأمني الإسرائيلي على الضفة الغربية، والحدود الأردنية الفلسطينية، وحزب الله في
جنوب لبنان، وعلى تفكير إسرائيل في مد تواجدها الأمني داخل الأراضي السورية.
تجفيف منابع حزب الله وإضعاف الحاضنة
الشعبية
في مقاله "على إسرائيل ضرب المحيط
الشيعي الذي يجند منه حزب الله مقاتليه، معهد القدس للاستراتيجية والأمن JISS، 1 أكتوبر تشرين الأول
2024، يقول هيلل فريش: يعتمد حزب الله في تجنيد مقاتليه على الأطراف الشيعية في
الجنوب والضاحية وبيروت الكبرى، حيث يقيم معظم السكان الشيعة. ويرى أنه يجب على
إسرائيل سحق الأطراف وتدمير البنية التحتية لدفع الشيعة للهجرة منها، واقتطاع ثمن
من لبنان من خلال تدمير بيروت، واستهداف الضاحية موطن قيادة حزب الله ولقربها من
المطار الدولي الوحيد في لبنان وميناءه البحري الرئيسي وهما وسيلتان حاسمتان لنقل
الأسلحة من إيران والحفاظ على العلاقة بين قيادة حزب الله ورعاته الإيرانيين.
ويضيف غابي سيبوني في مقال "الحملة
الشمالية وإيران"، معهد القدس للاستراتيجية والأمن JISS، 1 أكتوبر تشرين الأول 2024: عزل منطقة القتال في الجنوب عن
شمال لبنان، وتأمين منطقة عازلة عبر الحدود والسيطرة على المناطق الاستراتيجية على
الجانب الآخر من الحدود، إخراج قوات حزب الله من الجنوب إلى شمال نهر الليطاني،
وتغيير الوضع في لبنان بشكل جذري من خلال ضربات واسعة النطاق على البنية التحتية
في لبنان في جميع أنحاء البلاد لخلق وضع يؤدي إلى الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها،
ويمكن لإسرائيل حينئذ أن تطالب بتدخل دولي لتفكيك نفوذ حزب الله في لبنان باعتباره
أقوى وكيل لإيران.
على صخرة الصمود والمقاومة ستتحطم أحلام
نتنياهو
يقول ميرون رابوبورت في مقاله الذي أشرنا
إليه سابقا: "على الرغم من أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش، لا يزال حوالي
ثلاثمائة ألف فلسطيني بين أنقاض مدينة غزة وضواحيها، رافضين المغادرة. ربما بقوا
لأنهم رأوا ما حدث لجيرانهم الذين غادروا في بداية الحرب، معتقدين أنه كان إخلاء
مؤقتا، والذين يتجولون حتى يومنا هذا في جنوب غزة دون مكان آمن للاحتماء؛ أو ربما
لأنهم يشعرون أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه".
إن الإجرام الصهيوني يخلق لدى الشعب
الفلسطيني شعورا جارفا بالتحدي والثأر، ليس في غزة وحدها، وإنما في فلسطين وما
حولها، ونذكر هنا نموذجا واحدا، وهو الشهيد جبريل جبريل البالغ من العمر سبعة عشر
عاما، أي طفل حسب القانون الدولي، والذي أُطلق سراحه في صفقة تبادل رهائن في
نوفمبر تشرين الثاني 2023، يقول الصحفي أوميت سيجال، في يديعوت، 30 أغسطس آب 2024،
في مقال "خطة عدم الاشتباك": أيدت الغالبية العظمى من الجمهور والكنيست
والحكومة صفقة إعادة أكثر من مائة مختطف بنسبة ثلاثة مقاومين فلسطينيين
"سهلين" إلى كل رهينة إسرائيلية. وكان من المفرج عنهم جبريل جبريل ،
الذي قال شقيقه: إن جبريل شعر ب "دَين" للشخص الذي تسبب في إطلاق سراحه،
وهو دَين لن يتم سداده إلا عندما يصبح شهيدا. وعندما غادر المنزل، سأله والدي:
"هل أنت متأكد من الطريق الذي تريد أن تسلكه؟" أجاب جبريل: الآن يجب أن
أسدد ديوني. الحمد لله، قبله الله واستشهد... سيأتي ألف آخر، مثل جبريل".
هذا المعنى المهم أكده أيضا إبراهم بورج
رئيس الكنيست الأسبق، فكتب أثناء الانتفاضة الثانية في الجارديان عام 2003 تحت
عنوان "نهاية الصهيونية": "بعد أن توقفت إسرائيل عن الاهتمام
بالأطفال الفلسطينيين، يجب ألا تتفاجئ عندما يفجرون أنفسهم في مراكز الهروب
الإسرائيلي لأن لديهم أطفالا وآباء يعانون من الجوع والإذلال في المنزل. قد نقتل
منهم قائدا كل يوم، لكن سينبت آلاف القادة من آبار الكراهية التي حفرناها". .
لا يزال الشرق الأوسط الجديد بعيد المنال
في مقاله "شرق أوسط جديد ما زال بعيد
المنال، معهد القدس للاستراتيجية والأمن JISS، 15 أكتوبر تشرين الأول 2024، يخلص إفرايم عنبار إلى أنه:
"سيتعين على إسرائيل أن تعيش بسيفها لسنوات عديدة قادمة، وأن التفكير في
إعادة تشكيل وبناء شرق أوسط جديد من خلال القضاء على حماس وحزب الله ومحور
المقاومة هو تفكير بالتمني مصيره الفشل"، ويعلل ذلك بما يلي:
1 ـ فشلت سيناريوهات وردية مماثلة عقب حرب
الخليج عام 1991، واتفاقات أوسلو عام 1993، والربيع العربي عام 2011.
2 ـ من السذاجة الاعتقاد بأن حدثا واحدا
يمكن أن يحول المشهد السياسي لمنطقة بأكملها.
3 ـ فشلت الجهود الأمريكية في إعادة تشكيل
السياسة والمجتمع في المنطقة. وأثبت الشرق الأوسط مقاومته بشكل ملحوظ للتدخلات
الخارجية الرامية إلى تغيير أساليبه.
4 ـ تجاهلت محاولات أميركا لإضفاء الطابع
الديمقراطي على العالم العربي حقيقة مفادها أن أوروبا استغرقت قرونا لتطوير ثقافة
سياسية ديمقراطية، ولا تزال بعض الديمقراطيات الأوروبية هشة.
5 ـ يجب أن يتغلب "الشرق الأوسط
الجديد" على تحديات المنطقة التي تمزقها الصراعات، فقد رسمت حدودها من قبل
القوى الاستعمارية، وأثرت النزاعات الحدودية على العلاقات بين دولها، كما أن
العديد من هذه الدول ليست متجانسة عرقيا، وتظل الولاءات القبلية أقوى من هويات
الدولة، مما يزيد من تقويض الاستقرار الدولي.
إن كان نتنياهو يمثل قمة المشروع الصهيوني، إلا أنه يقف به على حافة الهاوية، وقد يكون حلمه في التأسيس الثالث للكيان عبر الشرق الأوسط الجديد هو بداية النهاية
6 ـ تظهر الثقافة السياسية العربية وانتشار
المليشيات والحروب الأهلية أوجه قصور كبيرة في بناء الدولة، أهمها عدم القدرة على
فرض احتكار القوة داخل أراضيها، مما يجعلها عرضة للتدخل الأجنبي.
7 ـ لا يزال الدين يلعب دورا مركزيا في
تشكيل السلوك السياسي في الشرق الأوسط وظهور منظمات المقاومة. وتقع الرسائل
الإسلامية المتطرفة على آذان يقظة مما يؤدي إلى السلوك المتطرف.
8 ـ الانقسام السني الشيعي هو مصدر رئيسي
آخر للخلاف في الشرق الأوسط. ولا تزال الهوية الدينية تحمل أهمية كبيرة، وغالبا ما
يتم استغلالها للتسلل السياسي.
9 ـ عدم ارتياح العرب لوجود دولة يهودية
بينهم هو سمة ثقافية وسياسية دائمة، ويؤجج الصراع العنيف. ومع ذلك، فإن اعتبارات
السياسة الواقعية، مثل الحاجة إلى مواجهة سعي إيران إلى الهيمنة الإقليمية، تخفف
جزئيا من انعدام الشرعية الممنوحة للدولة اليهودية في المنطقة.
10 ـ لا يزال الشرق الأوسط مصدرا محتملا
للتنافس النووي. فالانتشار النووي من قبل إيران وشيك. ومن المرجح أن تحذو تركيا
ومصر والسعودية حذوها..
الخلاصة
نختم مقالنا بما قاله إفرايم عنبار: إن
الدرس الذي يجب أن تتعلمه إسرائيل هو أنه سيتعين عليها أن تعيش بسيفها لسنوات
عديدة قادمة. في حين أن فترات انخفاض التوترات، مثل تلك التي تتمتع بها إسرائيل مع
مصر والأردن، ممكنة بالتأكيد، إلا أنها لا تعكس علاقة ثنائية مختلفة نوعيا، مثل
العلاقة بين كندا والولايات المتحدة. ويمكن أن يحدث الانتقال من علاقة غير عنيفة
إلى صراع مسلح بسرعة، ويجب أن تكون إسرائيل مستعدة لهذا الاحتمال.
إذن، فإن كان نتنياهو يمثل قمة المشروع
الصهيوني، إلا أنه يقف به على حافة الهاوية، وقد يكون حلمه في التأسيس الثالث
للكيان عبر الشرق الأوسط الجديد هو بداية النهاية، وهي نتيجة عبر عنها الكاتب
اليهودي توماس فريدمان وفق ما نشرته عنه هآرتس في 24 مارس آذار 2024 تحت عنوان:
"توماس فريدمان: نتنياهو سيذكر كأسوأ قائد في التاريخ اليهودي"، فقد
شهدت إسرائيل في عهده أسوأ كارثة في تاريخها، وأكبر صدمة نفسية تلقتها، وهذا ما
عرضناه في المقال السابق عن تقييم معهد سياسة الشعب اليهودي لعام على الحرب.