كتاب عربي 21

مقدمات على طريق المقاومة الحضارية الشاملة.. قاموس المقاومة (51)

سيف الدين عبد الفتاح
"إن لم يجد المقاوم شيئا سيقاوم بالأظافر، فاعلم أن المقاومة تدوم ما دام الاحتلال والعدوان ولن يعدم أداة أو وسيلة"- جيتي
"إن لم يجد المقاوم شيئا سيقاوم بالأظافر، فاعلم أن المقاومة تدوم ما دام الاحتلال والعدوان ولن يعدم أداة أو وسيلة"- جيتي
تقدم المفاهيم الأساسية (المفتاحية) دورا حيويا في عمليتي الإدراك والتلقي والقدرة على ترقية وترشيد الوعي وتفعيل وتسديد السعي، ومن أهميتها ما يلي:

1- فهم أعمق، إذ تساعد المفاهيم الأساسية المتلقي على فهم الموضوعات بشكل أعمق، بدلا من مجرد حفظ المعلومات.

2- توجيه التفكير الذي يسهم في توجيه المتلقي للمفاهيم المفتاحية، حيث توفر إطارا يمكنهم من خلاله تنظيم المعلومات الجديدة وربطها بالمعرفة السابقة والآنية واللاحقة.

3- تعزيز التفكير النقدي: تشجع على التفكير النقدي والتحليلي، مما يساعد المتلقي على تقييم المعلومات وفهم العلاقات بينها، وتحديد الساحات والمساحات لتفعيلها، واتساع البدائل وطرائق خياراتها وإعمالها.

4- تيسير التلقي الذي يجعل عملية التلقي أكثر سلاسة، حيث يمكن للمتلقين الاعتماد على المفاهيم الأساسية كدليل تفكير وتدبير وتسيير وتغيير وتأثير أو بعض من ذلك أثناء استكشافهم لموضوعات جديدة؛ وطرائق متعددة وأساليب متنوعة وتصنيع بدائل متجددة.

5- التفاعل بين امتدادات المعرفة وتنوع جهاتها ومجالاتها؛ إذ تعزز من القدرة على الربط بين مفاهيم متعددة، مما يتيح للمتلقي رؤية الصورة الكاملة والارتباطات في المجالات المختلفة.

6- التعلم المستدام والعطاء المستمر؛ حيث يمكن استدعاء المفاهيم الأساسية المفتاحية في سياقات مختلفة على مر الزمن ضمن سياقات ومنتظمات متكاملة بين الفكرة والخبرة والعبرة.

بذلك، فإن المفاهيم الأساسية هي عنصر محوري في بناء المعرفة وتعزيز القدرة على التلقي الفعّال والعمل المستدام.

وعلى ذلك نقترح مفهوما مفتاحيا يخرج الأمة من حالة الغثائية التي تعيش فيها، إلى حالة جهادية مقاومة شاملة وفاعلة؛ ألا وهو مفهوم "المقاومة الحضارية الشاملة". وهي ليست رص كلمات أو أوصافا بل هي استلهام من الآية الكريمة "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" (العنكبوت: 69). فهذه الآية تتضمن مخاطبين "الَّذِينَ" وفعل جمعي "جَاهَدُوا"؛ أما "فِينَا" فتشير إلى أقصى فاعليات العمل الإيماني المستحضر لعقيدة التوحيد وسعة التكليف وفاعلية التأثير؛ أما "لَنَهْدِيَنَّهُمْ" في هذه الحالة الجمعية للفعل الحضاري الشامل مقترنا بحال الهداية الجامعة والفاعلة؛ أما "سُبُلَنَا" فهي السبل الناتجة عن حق الجهاد إخلاصا لله سبحانه وتعالى وتوحيده ومقتضيات هذا التوحيد تكليفا والتزاما؛ عن هذا النهج الهادي للسبل والطرائق والأساليب والأدوات والإعداد والاستمداد؛ والمهتدي بالعمل فعلا؛ وعيا وسعيا؛ إدراكا ونشاطا؛ سعة واتساعا؛ وبدائل وأشكالا وأوعية.

يأتي تأصيل المقاومة الحضارية الشاملة من خلال ما يمكن تسميته تكامل الفروض والواجبات بين العيني والكفائي، إذ يشير هذا الأمر إلى منطقة لم يُهتم بها الاهتمام الكافي والضافي ألا وهي حراك الفروض؛ بين الواجب والفرض العيني، والواجب والفرض الكفائي، حركة الفروض تصنع ما يمكن تسميته التساند والتكافل بين بعضها البعض في الفروض العينية، تراعى الأبعاد والأدوار الجماعية رغم أنها عينية، إلا أن نقلها وتحريكها إلى سياقات الجماعة للتأكيد على استلهام المعنى التربوي الجمعي

إنه فعل الهداية إلى السبل المقترنة بالله سبحانه، بنسبة الهداية له ونسبة السبل فينا لجلال قدرته وعظيم سعته وعظيم عطائه وآلائه؛ كلمات جامعة؛ دافعة رافعة؛ تهدي طرائق التفعيل والفاعلية.. فسبل المقاومة والجهاد كثيرة متعددة ومتنوعة وممتدة ومتجددة تتحرك صوب الفعل الشامل والعمل المتكافل المتكامل؛ المقاومة الحضارية الشاملة بإمكانك العمل والإسهام وفق وعي رشيد وسعي سديد.

ويأتي تأصيل المقاومة الحضارية الشاملة من خلال ما يمكن تسميته تكامل الفروض والواجبات بين العيني والكفائي، إذ يشير هذا الأمر إلى منطقة لم يُهتم بها الاهتمام الكافي والضافي ألا وهي حراك الفروض؛ بين الواجب والفرض العيني، والواجب والفرض الكفائي، حركة الفروض تصنع ما يمكن تسميته التساند والتكافل بين بعضها البعض في الفروض العينية، تراعى الأبعاد والأدوار الجماعية رغم أنها عينية، إلا أن نقلها وتحريكها إلى سياقات الجماعة للتأكيد على استلهام المعنى التربوي الجمعي فكان مصطلح صلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، والمساجد الجامعة.

كما أن الجماعية في الأداء ترتقي إلى جماعية القبلة، وتحديد البوصلة والوجهة؛ والمشاعر المختلفة الوجدانية التي تجعل من الأداء الجمعي حفزا وتأكيدا على الوجود الجمعي وأهميته وأثره، فضلا عن وحدة الأداء والمحتوى لكل صلاة، بل إن كافة الفروض العينية تؤدى جماعة في الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج (مؤتمر الأمة الأعظم).

وكذا فإن الفرض الكفائي يمكن أن يتحول إلى فرض عين، هذه الحركة يمكن أن تشكل حالة مهمة جدا في المقاومة في الأمة؛ تحفز الكيانية الجماعية والعمل الجماعي الناهض. نحتاج لتفعيل الفروض الكفائية في مجالات جديدة من مثل تفعيل منظومة المفاهيم الضافية التي تضفي على أمر الفروض الكفائية، فتسمى فروض النهوض وفروض التدبير والفروض التكافلية والتضامنية والتعاضدية وفروض الإنماء والترقي؛ مما يسهم في تأسيس بناء رصين لهذه الأمة يفهم معاني الأم في الأمة الذي يرتبط بالهدف والمقصد.

طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني؛ الصراع الشامل والممتد؛ الحضاري والوجودي والمصيري، أكده طوفان الأقصى الذي أوضح أن هناك عدوانا حضاريا شاملا يستوعب المفردات والسبل؛ والأوعية والطرائق والأساليب.. من يقوم بالمقاطعة في المجال الاقتصادي، ومن يقوم بفضح العدو الصهيوني والمتصهينة من العرب والمسلمين، ويكشف خطرهم على وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة؛ إنها معركة شبابنا الناهض والمجاهد ولو بالكلمة والكتابة، ومن يقوم بالإمداد لأهل المقاومة وحاضنتها إنما يشكل سهما أساسيا في عمليات المقاومة "جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ" (التوبة: 88). المقاومة الحضارية الشاملة هي وبعد الطوفان جمع لمعارك التحرير الواجبة من الاستبداد والطغيان؛ والكولونيالية والاحتلال والعدوان. إن الطغاة جلبوا الغزاة، والطغيان والاحتلال ملة واحدة.

إن من مبادئ المقاومة الحضارية الشاملة "لا تحقرن من المعروف شيئا"، إضافة إلى الخماسية النبوية فيما أوتي من جوامع الكلم "الثغر والرباط/ الفسيلة والغرس/ الفأس والعمل/ التمرة والإسهام/ السفينة والاستهام ووحدة العاقبة والمصير"؛ إنها العمل الجماعي المشترك في مواجهة العدوان الباغي بكل صوره وأشكاله؛ للعدوان الصهيوني وما يمارسه من إبادة جماعية، ومجابهة لكل من عاون ودعم هذا العدو بالسلاح والأموال، بل والبشر.

إن المقاومة الحضارية عمل والتزام ونشاط يؤدي إلى استجابات شاملة ومتكاملة لمثل هذه الدعوات، وفق مهام أساسية كلية وحضارية؛ تتمثل في صناعة الوعي، وصناعة الأمل، وفقه الفرص واستثمارها.

المقاومة الحضارية عمل والتزام ونشاط يؤدي إلى استجابات شاملة ومتكاملة لمثل هذه الدعوات، وفق مهام أساسية كلية وحضارية؛ تتمثل في صناعة الوعي، وصناعة الأمل، وفقه الفرص واستثمارها

حمل الطوفان خمس فرص للأمة لن تتكرر، أشرنا إليها في مقال مطول على الجزيرة نت بمناسبة مرور عام على الطوفان: الفرصة العقدية والفرصة الجغرافية؛ فرصة الجغرافيا المقدسة التي تشير إلى أرض القدس أرض المسرى والأقصى "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء:1)، والفرصة المتعلقة بإعمار غزة باعتبارها مجالا لتقدم الأمة إلى تلك السبل والمسارات المتنوعة لذلك وفك الحصار عنها، وفرصة لبناء خطاب كوني جديد يشمل أهل الحرية والإنسانية والأحرار، وفرصة حضارية في فضح الحضارة الغربية والانتقائية في معاييرها ودعمها للإبادة الجماعية لأهل غزة، وفي المقابل وحدة القيم الإنسانية في الحضارة الإنسانية وتفعيله.

إنه المعنى والمغزى الكامن في الوعي والأمل الفسيح والفرصة التي أتاحها لنا الطوفان للتأكيد على معادلات الإرادة والإدارة والعدة؛ وهي أركان القانون السنني لمعادلة الخروج مما نحن فيه "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ" (التوبة: 46)، لمواجهة التحديات والتعامل مع الابتلاءات ومجابهة الأزمات واستلهام الفرص بالاعتبار والاستثمار.

إن هذا هو السبيل لبناء وتأسيس عدة أمور تُستلهم من "أستاذية المقاومة الفلسطينية"؛ التي تعقد لها الأستاذية ضمن "عبقرية المقاومة" صمودا واستبسالا، واستثمار الحدث وتنوع الوسائل التي اخترعها النموذج الانتفاضي: انتفاضة الحجر الذي حمله الطفل صامدا في مواجهة العدو والعدوان، والتي تحولت إلى شواظ والياسين 105 والصواريخ والعبوات والقذائف، ومهما كانت بسيطة فإنها تنال من العدو ومن تبعه. فحتى وإن لم يجد المقاوم شيئا سيقاوم بالأظافر، فاعلم أن المقاومة تدوم ما دام الاحتلال والعدوان ولن يعدم أداة أو وسيلة.

كل ذلك يدل على فقدان الحماية والتأمين للعدو الصهيوني وجماعته، ومهما كان طغيان العدو وعدوانه فإنه لن ينعم بالأمن، فإذا كانت استراتيجية العدو الصهيوني تحقيق الأمن بالردع والقتل؛ فإن استراتيجية المقاومة الحضارية الشاملة لن تأمن في أي زمان أو مكان.

كل هذه الأحداث عبرت عن أستاذية المقاومة فاصطنعت الوسائل وأبدعت الأساليب والبدائل؛ والشاهد على ذلك في الأرض وفي الميدان.

وفي هذا السياق لا بد أن نذكر بمفهوم التشكيلات الوسيطة الصاعدة، خاصة حينما تتحول إلى عمل إيجابي فعال وتصنع من سياقاتها بيئة حاضنة ومواتية لتلك المقاومة؛ التشكيلات الصاعدة، التي تصعد بالأمة على مدارج النهوض والانبعاث الحضاري لخوص معارك الذاكرة، والمعنى، والمغزى، والنفوذ، والمكنة والمكانة، والقدوة، والرمز؛ وهي معارك تؤكد على أن المفتاح هو المقاومة الحضارية الشاملة، والأمر في تلك المعارك يحتاج منا إلى بيان وتفصيل في درس المقاومة الحضارية الشاملة الذي تعلمناه في مدرسة فلسطين- غزة، ومقاومتها الفاعلة.

x.com/Saif_abdelfatah
التعليقات (0)