سمة المشكلة:
هنالك في هذه الجدلية نوعان من
الازدواج، وكل نوع مركب من أطياف، وهي ليست
مرضا ليعالج، وإنما اضطراب في تكوين
الشخصية، وهي ليست متعلقة بدين أو عرق أو طائفة، وإنما هي متعلقة بتركيبة المجتمع ككل، ومفرزات هذا الازدواج أن هنالك حياة غير
طبيعية، وأمة ليست قويمة غير قادرة على البناء ولا التعامل مع الواقع بشكل سليم.
1- دعوتنا ليست للدين، وإنما لتدين لا يفيد إلا سد غريزة
التدين، بينما يمكن أن يحصل نقيض الدين في كل خلق وسلوك. نقول: الإسلام فيه الحل
ولا نعرف أو نبحث كيف هو الحل! فإن أتانا من يدلنا سفّهناه وكفّرناه، واحترمنا
الخزعبلات والانحرافات لأنها تبرر الكسل والضعف والفشل.
2- النمطية والأحادية في كل شيء، من الحاكم إلى الرأي الفردي.
3- يحكم بتطرف على خطأ غيره أو ما يقترف، في حين أنه قد يكون
مرتكبا لنفس الخطأ.
4- فقدان للقواعد والقيمة وتعريف المهام، وتكرار الأخطاء وتبرير
نتائج الفشل بقضاء الله.
5- مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ، ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات
التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد، رغم أنها سياسية
مدنية أيضا في أصلها.
6- هنالك الكثير من السلبيات، لكنها كلها تعود إلى أسباب المسارات
الحضارية والمدنية، وتراكم أفكار متعددة متصالحة في العقلية، وتؤدي إلى اضطرابات في
النفسية، فما هو حلال في بعض الأفكار، حرام في أفكار أخرى. وما هو حسن في أحدها، فهو
قبيح في أخرى. وما يسد النقص هنا، لا يصلح هناك. وهذا السبب الرئيس لازدواج ثنائي
وثلاثي وأكثر في الشخصية، نتيجة الاضطراب في العقلية والنفسية، وهو ما يفسر انفصال
السلوك عن الخطاب وبتعايش تام هو المشكلة.
ما جدلية الاضطراب وما علاجه؟
الإسلام عموما، أتى إلى بيئة في وقت بعيد عن التقنيات الحديثة، وأهم هذه
التقنيات التي تفيد الإسلام كفكر، ليكون بعيدا عن تشويه الفكرة والنقاء حينها هي
الاتصالات والمطابع، فالناس يتداولون المعلومة بطريق النقل والحفظ كما اعتادوا أن يتناقلوا
الشعر والكلمة، ومنها الشروحات والرأي، فلم تترسخ الفكرة بشكل صائب، وإنما هي ظنون
في الفكرة عند العامة من الناس، مع تصور أنهم معلمون ولهم رأي، وهو أمر جاذب في
مجتمع تأتيه الحرية بعد قمع الامبراطوريات، وهي أحد أسباب الفتنة التي أدت إلى حكم
التغلب لاحقا. فالفكرة، قد تبدأ بسلوك أو حدث مهما كان بسيطا، فإن لم تصحح تكبر، وربما ينظَّر لها لتكون أيديولوجيا، فإهمال الإخفاقات أو الانحرافات، أدى إلى
صراعات وتعاظم للتخلف مستمر حتى الآن.
ثم اصطدمت الحضارة الفكرية التي استقر عليها الناس باختلافاتهم على الأمور
البسيطة بمخرجات الفلسفة اليونانية، فكانت مادة للجميع لإرساء تنظيرات كل لفكره
وإصراره عليه بمنطق تصوره مع غياب الفهم العميق للإسلام، ظهرت أسئلة الفلسفة
اليونانية التي هي ليست أسئلة الفلسفة، أو فكر الحكمة الإسلامي، فماهية الإله الذي
طرحته نظرية الفيض، هي ليست سؤالا في الإسلام، فالإسلام يأخذ الجانب المؤثر في
الحياة.
أسئلة مثل: الإنسان هل هو مخيّر أم هو مسيّر؟ خلقت فرقا متعددة، وهي فكرة لا
وجود لها لمن يفهم الإسلام، وهو يعرف ماهية الإنسان والحياة، وما انفك الناس يناقشون
هذه الأمور دون فهم لتضارب الأفكار بين أمور محلولة أصلا، فلا يوجد هذا السؤال في
الفكرة؛ لأن الإجابة أصلا موجودة بشرح السؤال، والسؤال عن القضاء والقدر مجاب، مثله مثل معنى الروح
والقلب والفؤاد. الإسلام يجيب عن كل هذا ضمنا، بينما ما زال الناس يسألون
والمفسرون والوعاظ والخطباء والكتاب يستخدمون كل هذه الأسئلة الوهمية والمصطلحات،
عالم وهم يدورون في تيه افتراضي لا مخرج منه، كذلك هو حال الأمة اليوم.
عقدة التغيير وتراكم الأسئلة:
الأمة في منطقة ذات ثروات فتتصارع عليها الدول بأيديولوجياتها وأساليبها
المتعددة للهيمنة عليها، من التعليم لإنشاء موظفين بأسلوب غربي، إلى إدخال لغات
المحتلين وثقافتهم، إلى الأيديولوجيات كالشيوعية إلى انغلاق الفقهاء ورجال الدين، ورفض أي تجديد حتى يفرض نفسه أو محاولة مقاربته بالإسلام، تماما كما فعل السابقون
مع الفلسفة، وهي ثقافة وفكر يحوي اختلاف الجوهر إن عومل كفكر حضاري وليس كمخرجات
مدنية.
ولكوننا نحاول التأصيل في الدين لكل شيء اختلطت علينا الأمور فتفشل الفكرة
عند التطبيق، هنالك من تحسس هذا ولم يدرك منه الحل له فقال؛ "إننا لن ننهض إلا
إذا أخذنا ما عند الغرب كله بإيجابياته وسلبياته". وهذا يمثل حالة الخلط التي
نوهنا إليها؛ لأننا نعتبر كل أمر عقدي، في حين أن المدنية تراكم للجهد البشري، أما
الفكر الحضاري، فهو توسع بغرض الفهم لفكر عقدي أنزل كمنهج للإنسان وكقيم تستند
عليها معايير السلوك وتصويبه، واستعاض الغرب عنها بالقانون وسيادة القانون وتقديس
قوة الدولة وسيادتها، نجد هنا الدولة الإله ونجد القوانين بدل قيم الشريعة.
السلوكيات السلبية والمزدوجة:
السلوكيات المزدوجة عندما تلاحظ أن رجلا متدينا يحكم على مخالف الشرع بكل
قسوة، وهو يمكن أن يزني ولا يؤثر هذا على شدة حكمه على الزاني مثلا. ما التوصيف
والعلاج؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في الجزء الثاني.