نشرت "
نيويورك تايمز" مقالا للدكتور حسام أبو صفية، طبيب الأطفال ومدير مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع
غزة، تضمن يوميات أرسلها الدكتور للصحيفة، وتوثيقا لجرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة ضد المستشفى المحاصر منذ بدء حرب الإبادة الحالية.
وجاء في المقال أن مستشفى كمال عدوان في شمال غزة هو أحد المراكز القليلة المتبقية للخدمات الطبية في المنطقة، ومنذ بدء حرب إسرائيل في غزة، كان أيضا موقعا للصراع نفسه، إذ اتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي حركة حماس باستخدامه كقاعدة، وهو ما نفاه مسؤولو غزة.
وتعرض المستشفى للمداهمة مرارا وتكرارا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتضررت أجزاء من المنشأة ودُمرت من الهجمات المباشرة والقصف الذي حدث في مكان قريب. في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، احتجز جيش الاحتلال معظم أعضاء الطاقم أو طردهم، بقي عدد قليل من الأطباء والممرضات، وهم يعتنون أحيانا بأكثر من 100 مريض.
وأحد هؤلاء الأطباء هو المدير الحالي للمستشفى، حسام أبو صفية، وهو طبيب أطفال والطبيب الرئيسي في غزة لمنظمة "ميد غلوبال" الإنسانية، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كتب مقال رأي كضيف في الصحيفة يصف فيه الوضع المزري الذي كان يشهده مع تزايد عدد الضحايا خلال الشهر الأول من الهجوم الإسرائيلي.
ومنذ ذلك الحين، أصبح الوضع في المستشفى أسوأ بكثير، اضطر أبو صفية، وهو ليس بجراح، إلى إجراء عمليات جراحية للمرضى بسبب نقص الجراحين المدربين، كان عليه أن يقرر من يحصل على العلاج ومن لا يحصل عليه، نظرا للموارد المتضائلة المتاحة.
اظهار أخبار متعلقة
وكان عليه أن يدير الأمور في موقف متوتر مع القوات الإسرائيلية المحيطة، وأن يفعل كل هذا وهو حزين على ابنه، الذي استشهد في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام ودُفن في أراضي المستشفى، بينما ذكرت "ميد غلوبال" أن الدكتور أبو صفية أصيب بشظايا نتيجة لغارة جوية إسرائيلية واحتاج إلى عملية جراحية.
لمدة أسبوع في شهري تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر، أرسل الدكتور أبو صفية رسائل صوتية ومرئية إلى قسم الرأي في صحيفة نيويورك تايمز يصف فيها الوضع اليومي في المستشفى والصعوبات التي يواجهها هو وطاقمه المتبقي. وفي ما يأتي مقتطفات محررة من هذه الرسائل.
30 تشرين الأول/ أكتوبر
قال أبو صفية: "أمس، ولأول مرة في حياتي، دخلت غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية على بطن طفل يبلغ من العمر 4 سنوات دمر القصف منزله، كان ينزف كثيرا من بطنه، لكنني تمكنت بطريقة ما من إجراء العملية والحمد لله أنني تمكنت من إنقاذ حياة ذلك الطفل".
وأضاف: "نعمل خارج مجالات تخصصنا لأننا لم نعد نملك فريقا جراحيا مؤهلا، لقد طالبنا العالم بالحماية لأكثر من 50 يوما ولكن للأسف لم يكن هناك أي استجابة، أنا حائر من هذا العالم الذي يدعي الإيمان بالإنسانية والديمقراطية ولكنه لا يستجيب. حتى منظمة الصحة العالمية ليس لديها أي حماية هنا".
وقال: "لا يستطيع العقل البشري أن يتخيل كل الموت وأجزاء الجسم والدم التي تحيط بنا على مدار الساعة. ولكن يبقى من مسؤوليتنا أن نواصل تقديم الخدمات الإنسانية".
31 تشرين الأول/ أكتوبر
أكد أبو صفية أن "الوضع كارثي للغاية، والمستشفى تعرض للقصف، وتسبب هذا الهجوم في أضرار بالطابق الثالث ومخزن للسلع والإمدادات الطبية، كما أنه دمر خزانات المياه وأسطوانات الأكسجين المخصصة لوحدة غسيل الكلى، وتضرر قسم الهندسة والصيانة، ما أدى إلى شلل خدماتنا الصحية.. أصيب أربعة من أفراد الطاقم الطبي أثناء محاولتهم إطفاء الحريق دون حماية وبدون مواد كافية لإطفاء النيران، للأسف، أصيبوا بحروق بدرجات متفاوتة".
وأضاف: "لا يزال لدي حوالي 85 مريضا، منهم 19 طفلا، بما في ذلك طفلان حديثا الولادة، نحن الآن في مرحلة نحاول فيها ببساطة إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح. نشاهد الجرحى يموتون واحدا تلو الآخر بسبب نقص الطاقم الطبي المدرب بشكل كافٍ".
1 تشرين الثاني/ نوفمبر
قال أبو صفية: "نمر بأيام صعبة للغاية الآن. فما زال الحصار شاملا على كامل شمال قطاع غزة. وبالكاد يُسمح بدخول أي إمدادات طبية أو فرق إغاثة طبية. وما زال العشرات من المرضى ينتظرون العمليات الجراحية، بما في ذلك جراحة العظام وجراحة عامة للبالغين والأطفال وجراحة ترميم الحروق".
وأشار إلى عدم القدرة على "إعطاء الأولوية للحالات الواردة التي قد تتطلب عناية طبية فورية على الحالات الأخرى التي تصل على مدار الساعة بسبب الاعتداءات والقصف الإسرائيلي في المنطقة.. ومعظم الجرحى الذين يصلون إلى هنا يأتون سيرا على الأقدام، والبعض منهم بحلول الوقت الذي يصلون فيه يكونون قد نزفوا كل دمهم تقريبا وهم في حالة خطيرة للغاية".
وأوضح أنه "مرة أخرى، نطالب العالم أجمع والمجتمع الدولي بتوفير الحماية الحقيقية لهذا النظام الصحي. ولا بد من وجود ممر إنساني آمن مناسب للنظام الصحي يسمح بدخول فرق الإغاثة الطبية والضرورات الطبية".
3 تشرين الثاني/ نوفمبر
كشف أبو صفية أنه "طوال الليل، كانت هناك عمليات قصف متواصلة للمباني المحيطة بالمستشفى.. لقد خلفت الانفجارات أضرارا كبيرة، حتى إن المستشفى نفسه تأثر بالقصف. فقد تحطمت معظم الأبواب، وتحطمت العديد من النوافذ. وقد أثار ذلك شعورا بالرعب والخوف بين المرضى".
اظهار أخبار متعلقة
وبين أنه "لم نستقبل أي طاقم طبي، وبعد متابعة هذا الأمر علمنا أنه لم يسمح للطاقم الطبي المتخصص بالدخول إلى شمال غزة، لدينا حاليا 120 مريضا، واليوم تسلمنا ستة صناديق من المستلزمات الطبية التي لم نطلبها، والطعام الذي تسلمناه للتو هو سبعة صناديق من الأطعمة المعلبة التي تكفي المستشفى ليوم واحد".
وتعليقا على هذا المقطع، قال أبو صفية: "هذا هو المشهد داخل مستشفى كمال عدوان، حيث يركض المرضى والأطفال وسط قصف المستشفى وخزانات المياه. هل يمكننا أن نتخيل رؤية هذا المشهد في مستشفى بوسطن للأطفال أو مستشفى غريت أورموند ستريت في لندن أو مستشفى الأطفال الوطني في واشنطن؟".
4 تشرين الثاني/ نوفمبر
وذكر أنه "اليوم التاسع والعشرون من الحصار على شمال قطاع غزة. لقد تعرض المستشفى للهجوم أمس في نفس الوقت الذي كانت فيه منظمة الصحة العالمية هنا لإجلاء بعض المرضى الذين لم يكن بوسعهم المغادرة لولا ذلك. لقد لجأ الناس إلى الاختباء حيثما أمكنهم. ولم نتلق حتى الآن أي تفسير لما حدث أو لماذا حدث. وقد أسفر هذا الهجوم المؤسف عن إصابة عدد من المرضى، بما في ذلك النساء".
وقال: "قبل قليل كنا في غرفة العمليات. كانت هناك فتاة تبلغ من العمر 13 عاما مصابة أصلا بشظايا في البطن. وخلال هذا الهجوم الأخير، أصيبت مرة أخرى - إصابة خطيرة جدا في المعدة. لقد خضعت للتو لعملية جراحية وإن شاء الله ستستقر حالتها في الساعات القادمة".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "لا يزال الناس يتوافدون إلى غرفة الطوارئ. أولئك الذين يستطيعون الوصول إلى هنا قد يتلقون الرعاية الطبية، ولكن أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى هنا يجدون مصيرهم في مكان آخر. لا يزال هناك أشخاص مدفونون تحت الأنقاض. لا توجد أدوات لإزالة الأنقاض من أجل العثور على من هم تحتها. يجد المرء صعوبة في وصف ما نعيشه، لأكون صادقا".
6 تشرين الثاني/ نوفمبر
أكد الطبيب أبو صفية: "لا نزال محاصرين داخل المستشفى. تعرض المستشفى للقصف لمدة ثلاثة أيام متتالية. كانت الهجمات مخيفة. تم تدمير غرف التخزين والصيدلية، ومن المؤسف أن هذا الهجوم كان شرسا وأسفر عن إصابة العديد من الأشخاص، بما في ذلك الأطفال الذين كانوا تحت التخدير لأنهم كانوا يخضعون لعملية جراحية في ذلك الوقت. وقد أصيب عدد من العاملين في المجال الطبي الذين كانوا يقدمون الرعاية في غرفة الطوارئ".
ووصف الحالة النفسية بأنهم يشعرون "وكأن بقية العالم يعيش في عالم مختلف عن العالم الذي نعيش فيه.. نحن نعاني وندفع ثمن الإبادة الجماعية التي تحدث لشعبنا هنا في شمال قطاع غزة".