تصيب المرء حالة الشعور بالصدمة، بعد ثلاثين عاما من تجربة قدمتها
السلطة
الفلسطينية، وأداؤها على الأرض لمواجهة
الاحتلال ومشروعه الاستعماري يُبعد مسألة التسرع
بإطلاق الأحكام عليها، كذريعة لتثبيت صورة أخرى عنها علقت السلطة الفلسطينية في إطارها
رغم الظروف التي أحاطت بالقضية الفلسطينية وتحولاتها المتشعبة.
فتقديم مراجعة وجردة سريعة لأداء السلطة الفلسطينية تخلص لقدسية وظيفتها
لحماية الاحتلال ومشاركته في تثبيت قمع الشارع الفلسطيني، ومناهضة أي حالة مقاومة
تنمو داخله، رغم دوس المحتل وتمزيقه كل الاتفاقات والتفاهمات المبرمة مع السلطة.. حصيلة
لم تبدد مرارة الشعب الفلسطيني، بل ضاعفتها مراكمة العدوان والاستيطان دون مواجهة
ومراجعة حقيقية من السلطة الفلسطينية، وهو ما جعلها ووظيفتها الجسر الذي عبر منه
المحتل للنيل من بقية الحقوق الفلسطينية بتنفيذ أجندة المشروع الصهيوني المرعبة
على الأرض، وكشف ظهر القضية أمام طعنات التطبيع والخذلان العربي.
قيام أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، بتنفيذ حملة "حماية وطن" على
مدينة ومخيم جنين، وسقوط شهداء وجرحى، بذريعة مطاردة "الخارجين عن القانون"،
هو مشاركة بالتزوير الصهيوني الذي قاد حملة دموية بنفس الأمكنة في الضفة والقدس، لكن
بغياب من يدعي حماية الوطن.
قيام أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، بتنفيذ حملة "حماية وطن" على مدينة ومخيم جنين، وسقوط شهداء وجرحى، بذريعة مطاردة "الخارجين عن القانون"، هو مشاركة بالتزوير الصهيوني الذي قاد حملة دموية بنفس الأمكنة في الضفة والقدس، لكن بغياب من يدعي حماية الوطن
ومفهوم الحماية الذي تعمل وفقه أجهزة سلطة رام الله معروف باعتبار أي
مقاومة في مدن الضفة والقدس "إرهابا" وخروج عن عرف قانون الخنوع
والإذلال الذي يحكم علاقة سلطة فلسطينية بعدو شعبها. هراوة السلطة الفلسطينية
وبندقيتها التي وجهت نحو صدور الفلسطينيين، تفضحان سلوك الأداة الفلسطينية الحامية
للمحتل، ولا يمكن حصر ذلك في سطور قليلة، ومن العسير إخفاؤها والقفز عنها.
تاريخ خيبات الشعب الفلسطيني من سلوك ومواقف السلطة الفلسطينية لمواجهة
العدوان، ترك مهانة متتالية لنضاله وتضحياته، فمواقف السلطة وزعيمها وأجهزتها
الأمنية مخزية؛ من الانفعال المزيف الذي تحاول الظهور به أمام شعبها في ذروة كل
عدوان لم يتوقف على الأرض والحقوق الفلسطينية، بينما قفزاتها في السر والعلن تجعلها
مرتمية في أحضان عدو الشعب الفلسطيني.
كل مقدمات السلطة الفلسطينية مختلة بمستوى فاضح، والنتائج التي خلفها
سلوكها على الشارع والمجتمع الفلسطيني متناغمة تماما في تسهيل العدوان على الأرض
واتساع رقعة الاستيطان والتهويد وتراجع مكانة قضية فلسطين. وهذه معادلة قسرية
تحاول السلطة مع الاحتلال فرضها بعد علو مكانة القضية على إثر معركة "طوفان
الأقصى"، فبعد تراجع أداء السلطة الفلسطينية على الأرض وإضعافها إلى الحد
الذي دمرت من خلاله سلطة الاحتلال معنى وجوهر وظيفة السلطة ومزقت كل أوسلو، تحاول
إسرائيل إعادة السلطة الفلسطينية للمكانة "الطبيعية" المعاونة لرأس
الحربة الصهيونية، والحفاظ على الخيط الناظم لسلوكها على الأرض، كعين حارسة لأمن
المحتل ومستوطناته ويد ضاربة من جعبة المحتل لكل من يفكر بمقاومة الاحتلال. وفاء
السلطة الفلسطينية لمهامها الأمنية محكوم بالمقدمات والسلوك على الأرض بشواهد
كثيرة.
في جنين ونابلس وطولكرم والخليل والقدس، وكل مدن وقرى الضفة المحتلة التي
ترتدي فيها السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية "طاقية الإخفاء" في كل
اجتياح وعدوان؛ مزّق المدن الفلسطينية وحوّلها لمعازل منفصلة تخترقها مستوطنات
ضخمة، وبمشاريع استيطانية تقضم ما تبقى لدولة فلسطينية. وظهور شرطة السلطة
الفلسطينية بعضلات وأوامر الاحتلال لمطاردة كل مقاوم وكل حالة ثورية ونضالية، هو في
الحقيقة قتل لأوهام عديدة عن حل الدولتين والسلام مع مستعمر لا يخفي عدوانية
وعنصرية تقضي على كل الحقوق الفلسطينية، وما تبقى من عنوان التمسك بالسلام وأوهامه
العريضة يجعل أي عاقل لا ينجر خلفه وتصديقه لضخامة حقائق وتفاصيل على الأرض تفرض
على السلطة الفلسطينية خلع مظهرها كشرطي احتلال يواجه غضب شارع مقموع بشكل مزدوج؛
من محتل، ومن سلطة لم تعد ممسكة إلا بتنسيق أمني مع عدو شعبها، الأمر الذي حوّل
مآسي شعبها من حصار وعدوان وتهويد واستيطان تسليما واستسلاما للأمر الواقع، وجعل قضيته
الوطنية خاضعة لإذعان وخنوع يُفرغ مشروع التحرر الوطني من محتواه، ويضرب جذور أي
مصالحة فلسطينية تحاول استعادتها حركة تحرر وطني فلسطيني، سلبت منها سلطة أوسلو كل
بوادر الخروج من مستنقع الاستحكام بمخافر المحتل وأوامره.
ماذا نجد خلف الحملة الأمنية للسلطة في مدن الضفة والتي أطلقت عليها تسمية
" حماية وطن"، في ظل عدوان متواصل على غزة مع جرائم حرب وإبادة، وإقرار حكومة
نتنياهو جملة قوانين استعمارية، خصوصا الإعلان عن نية ضم الضفة ومصادرة آلاف
الدونمات من الأراضي لصالح مشاريع الاستيطان الضخم؟ نعثر فقط على بديهيات أساسية
متعلقة بالمشروع الصهيوني، ومنع قيام دولة فلسطينية ونعثر على ثابت في أداء السلطة
الفلسطينية وخيارها الفاشل، استجابة السلطة الفلسطينية لطلبات المستعمر الصهيوني، أفقد
المشروع الوطني الفلسطيني وزنه السياسي والمعنوي، الذي كان يفخر به طيلة عقود
نضاله الذي عمده بدم وتضحيات لم تتوقف،
واجب الخروج من هذه الحالة الفاشلة يقع على عاتق جميع القوى والفصائل للعودة إلى ركائز وأعمدة القضية الفلسطينية التي ضربها الاحتلال، وأداء سلطة التنسيق الأمني أضعف من مرجعيات القضية الفلسطينية في الشارع الذي دمرت السلطة جسورها معه، وفي المحافل الدولية والعربية
ومحاولة السلطة الفلسطينية تجديد طلب
الطاعة للحكومة الإسرائيلية وللإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب، على أن
وجودها كشريك يمتلك قدرة و جهوزية خوض مواجهة مع الشارع الفلسطيني، لتمهيد الطريق
لأي تسوية تضمن للسلطة تجديد وظيفتها والخروج من حالة العجز التي وضعها بها
الاحتلال.
أنماط عمل سلطة التنسيق الأمني الفلسطينية، في المدن والقرى الفلسطينية،
وأداء السياسة الفلسطينية الرسمية بنفس الأدوات الفاشلة منذ 30 عاما بأسس وبديهيات
القبول بوظيفة قمعية تابعة للاحتلال، وفقدان السلطة معظم رصيدها وبريقها بالتحول
لخندق المحتل لمواجهة شعب تحت الاحتلال، يبقي كل المشروع الفلسطيني وحقوقه في
المصيدة الإسرائيلية، ولأن كل الفهلوة الأمنية والسياسية الفلسطينية امتهنت خداع
شعبها للإبقاء على خيارات سلطوية ضيقة مناقضة بالمطلق لغالبية الشعب الفلسطيني
الساحقة، فإن واجب الخروج من هذه الحالة الفاشلة يقع على عاتق جميع القوى والفصائل
للعودة إلى ركائز وأعمدة القضية الفلسطينية التي ضربها الاحتلال، وأداء سلطة
التنسيق الأمني أضعف من مرجعيات القضية الفلسطينية في الشارع الذي دمرت السلطة
جسورها معه، وفي المحافل الدولية والعربية.
وعملية "حماية وطن" التي تشنها سلطة أبي مازن على الشعب
الفلسطيني هل هي فعلا لحماية وطن أم لتأمين حماية محتل؟ مع أن هذا الوطن غير الموجود
على الأرض قد حوّله المحتل لمعازل ومستوطنات؛ جزء منها تحميه سلطة التنسيق الأمني
والجزء الآخر من الوطن تعرض لإبادة جماعية وتهجير وجرائم حرب لم تستدع من سلطة
"حماية وطن" التفكير بمراجعة وظيفتها كحارس يحمي عدو شعبها.
x.com/nizar_sahli