شهدت
دول عربية خلال العقدين الأخيرين
تحولات جذرية أدت إلى تفكيك جيوشها، بعد أن كانت تمسك بالسلطة بقبضة حديدية، وتشكل
العمود الفقري للسلطة في بلدانها ولحماية الحاكم بعيدا عن الإرادة الشعبية.
وتعرضت تلك
الجيوش لهزات عنيفة، أدت
لانهيارها بصورة فظيعة، بعضها بفعل غزو خارجي كما حصل مع
العراق، وأخرى بفعل
ثورات شعبية، اشتركت في قمعها بصورة مباشرة، خلافا لما يتطلبه عملها من حماية
البلاد ككل من أي هجوم خارجي.
اظهار أخبار متعلقة
وأدى
تفكك تلك الجيوش إلى فوضى عارمة وانهيار
لأحد مقومات الدفاع عن البلد، وباتت تلك البلدان في لحظة من اللحظات بلا قوة تحميها،
وما لذلك من تأثير على المشهد الداخلي فيها ولجوء المكونات فيها لتشكيل قوى محلية
ومليشيات لحمايتها.
ونستعرض في التقرير التالي، الجيوش العربية
التي تعرضت للتفكك خلال العشرين عاما الأخيرة:
الجيش العراقي
تأسس الجيش العراقي الحديث عام 1921، عقب
سقوط الدولة العثمانية، واحتلال العراق من قبل البريطانيين، وتم في ذلك التاريخ
تشكيل أول وحدة عسكرية.
بلغ تعداد الجيش العراقي قبل التفكك قرابة 1.4
مليون جندي، وكان تصنيفه الخامس على مستوى العالم، من حيث الكفاءة القتالية
والمعدات التي امتلكها من دبابات وأجهزة عسكرية حديثة في ذلك الوقت فضلا عن
امتلاكه صواريخ باليستية وتطوير الكثير من الأسلحة، فضلا عن خوضه حربين الأولى مع
إيران امتدت لنحو 8 أعوام والثانية مع قوات التحالف الدولي بعد غزوه للكويت عام
1991.
تعرض الجيش العراقي للتفكيك بعد غزو الولايات
المتحدة للعراق عام 2003، حيث انهارت الكثير من فرق ووحدات الجيش رغم دفاع بعضها
بشراسة، لكن الحاكم الأمريكي على العراق بول بريمر أصدر في أيار/مايو 2003، قرارا
بحل الجيش العراقي، لإعادة تشكيل جيش جديد، وفقا لمعايير أمريكية، وأشرفت واشنطن
على تدريبه وتسليحه وفقا لسياساتها.
الجيش الليبي:
تأسس الجيش الليبي، على
أنقاض الجيش الملكي للملك إدريس السنوسي، عام 1969، بعد انقلاب نفذه الزعيم الراحل
معمر القذافي.
كان الجيش الليبي أحد
أقوى الجيوش في أفريقيا، وخاصة شمالها، وبلغ تعداده حتى السقوط قرابة 50 ألف جندي،
وكان يحكم البلاد بقبضة حديدية، ويمتلك أسطولا كبيرا من الدبابات وناقلات الجنود،
فضلا عن امتلاكه السلاح الكيماوي وقدرات صاروخية وقدرات للدفاع الجوي.
تعرض الجيش الليبي
للإنهاك بصراعات مع جيرانه، لكن الضربة الأقسى التي تلقاها، كانت بدفعه لمواجهة
الشعب الليبي بعد خروجه على القذافي الذي مارس الديكتاتورية بحق شعبه، عام 2011،
ونفذت قيادات الجيش انشقاقات واسعة فضلا عن ضربات قاصمة تلقاها الجيش بعد تدخل حلف
الناتو جوا ضد فرقه العسكرية.
منذ تفكك الجيش على
إثر الثورة في ليبيا، لم يعد موحدا، وجرى تشكيل قوات منفصلة شرق البلاد وغربها
تتبع كل منها فريقا سياسيا.
الجيش اليمني:
تأسس الجيش اليمني، في حقبة الملكية بعد سقوط
الدولة العثمانية، وجلاء قواتها عن اليمن عام 1919، وكان يتبع المملكة المتوكلية،
ومر بالعديد من التحديات منذ ذلك التاريخ والحروب، وصولا إلى إعادة تشكيله ليكون
جيشا للجمهورية عقب انقلاب ضباط الجيش على الإمام عام 1962.
وبقي الجيش اليوم، رهينة صراعات مناطقية
خاصة بين الشمال والجنوب، وتعثرت عمليات الدمج مرارا، وبعد حرب طاحنة، بين
الطرفين، تحقق ذلك عام 1994، مع إعلان الوحدة في البلاد.
كان الجيش اليمني، يعد خامس أقوى جيش في
المنطقة العربية، وامتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة الثقيلة وخاصة الصواريخ بعيدة
المدى، فضلا عن القدرات المدفعية والبحرية بسبب الموقع الاستراتيجي الكبير لليمن
على مضيق باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب كممرات ملاحة دولية.
تفكك الجيش اليمني، على وقع الثورة التي حدثت
عام 2012، ضد حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وانقسمت الفرق العسكرية للجيش،
بين مؤيد ومعارض له، ووقع صراع مسلح، أدى لتفكيك الجيش بالكامل، خاصة مع سيطرة
الحوثيين على العاصمة صنعاء ومقدرات الجيش في العاصمة وعدة محافظات ولا زال يعاني
من التفكك حتى الآن.
الجيش السوري:
تأسس الجيش السوري، عام 1946، بعد إعلان
انتهاء الاستعمار البريطاني لسوريا، حيث كان الجيش العثماني، هو المسيطر على
الأراضي التي تحولت لاحقا إلى
سوريا، وفقا لمخطط سايكس بيكو لتقسيم المنطقة.
وكان الجيش السوري، وفقا لتقارير عالمية يصنف
بأنه سادس أقوى جيش عربيا، والـ47 على مستوى العالم، من ناحية القدرات العسكرية
واللوجستية، خاصة وأنه يسيطر على رقعة هامة في المنطقة، وعلى تماس مع الاحتلال
الإسرائيلي، وخاص معه حربا طاحنة عام 1973.
لكن الجيش السوري، الذي حكم البلاد بقبضة
حديدية، على إثر انقلاب حزب البعث، تورط في قمع شعبه، بدءا من العام 1982، بعد
ارتكابه مجزرة كبيرة في مدينة حماة، لإخماد انتفاضة فصائل إسلامية ضد حكم حزب
البعث القمعي، لكنه عاد للتحرك ضد الشعب السوري عام 2011، بعد خروج تظاهرات تطالب
بإصلاح النظام.
كان تعداد الجيش السوري، يصل إلى أكثر من 320
ألف جندي، وامتلك ترسانة أسلحة مهمة من صواريخ باليستية وأنظمة دفاع جوي كبيرة،
فضلا عن عدد كبير من الدبابات والآليات العسكرية، لكن إشراكه في قمع الثورة
الشعبية بالبلاد، أدى إلى انشقاق قرابة 40 ألف ضابط وجندي، وتحوله إلى ما يشبه المليشيا
لحماية النظام، حتى انهياره بالكامل في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بعد هجوم للفصائل
المسلحة على أهم المدن بالبلاد والسيطرة على العاصمة دمشق.