فُتن
"
بشار الأسد" بأنه ظل الرئيس العربي الوحيد الذي نجا من طوفان المظالم
الشعبي الذي انفجر في نهايات 2010م واستمر في 2011م وما يليها؛ فقد أطاح
"الربيع العربي" بأربعة رؤساء جمهورية عرب دفعة واحدة، واستطاع دولاب
الدول المسمى ظلما بـ"العميق" فيما "الفاسد" أفضل لفظ جدير
به؛ في تونس ومصر واليمن وليبيا الاستعصاء والتماسك حتى بعد اجتثاث رؤوسها، وكانت
مصيبة الأسد الابن أنه "صدّق" أنه متماسك مع نظامه؛ ولم ينظر أبعد من
أصبع قدميه. و"تناثر" السوريون الثائرون في العالم كزجاجة عطر تبحث عن
مَنْ يجمع أريجها؛ فلم يستشعر "بشار" ولو أقل اليسير من وخز الضمير،
ولما أوشك نظامه على التداعي به في 2015م افتدى نفسه ونظامه بالسماح للروس باحتلال
جزء عزيز من بلاده ليحلق طيرانهم منه ليحميه ويقتل ويبيد شعبه؛ ولاحقا صار المسئول
الروسي يدخل القاعدة العسكرية التابعة لبلاده في
سوريا علنا؛ فـيجذب "الأسد
الصغير المفترض" لئلا "يساويه"!
وافق
"بشار" على النفوذ الأمريكي والإيراني بعد الروسي في بلاد المفترض أنه
يحكمها على طريقة "المركب بتغرق يا معلم"؛ فيرد الأخير باطمئنان على
صبيه: "يكفي أنك ما تزال تقول لي يا معلم"؛ لكن "المعلم الشبل
المزيف" ظن أنه باقٍ لأبد الدهور، وورث الاستبداد عن أبيه الذي أطاح بأكثر من
عشرين ألف ثائر ضده في حماة عام 1982م؛ واستمر بعدها في الحكم ما يقارب العقدين
دون أن يهتز له جفن أو "تتمغص بطن له"؛ لكن "حنكة إجرام"
المعلم الكبير افتقدها "الوحش الصغير" فتمادى بطيش في التورط بالدماء،
وظن أن الكرسي والغرب وروسيا وإيران يدومون له!
وبدلا
من تفهّم موقفه تعود بشار "الهرطقة" بما لا يفهم -هو نفسه- أو يعقل أحد
غيره، فمن أنّ التعليم في بلاده خرّج له مليون إرهابي؛ إلى أن الحل للخروج من
الأزمة أن يسامح القتيل القاتل ويلقي الجميع السلاح -فيما هو مستمر في قتل شعبه
بلا هوادة حتى أثناء التصريح الأخير- وأن الدين لا ينفصل عن السياسة لأنه لا ينفصل
عن المجتمع، وكأنه "يعترف" في تصرفاته بالدين أو السياسة بشكل عملي؛ وهو
الذي رعى البراميل المتفجرة التي تلقى على رؤوس أهل بلده؛ والشبيحة الذين يغتصبون
النساء وينتهكون حياة الذين بقوا من الرجال.
تجاوز
"بشار" فتنة نفسه -التي يعاني تداعياتها الآن- لفتنة السوريين منذ عام
2000م حتى ممن تجاوزوا الخمسين، وزادت فتنته بعد 2011م، سخروا من حراكهم، وألحد
وكفر بالله شباب غض في مقتبل العمر تذكروا بمرارة صراخهم بالآلاف: "يا الله..
يا الله ما لنا غيرك يا الله"، ولم يكونوا يعلمون أن غد الأوغاد قادم ولو بعد
نحو 14 عاما، وأن أعمار الثورات لا يقاس بعشرات الأشهر؛ وكأن "بشار" لا
يقرأ التاريخ، فلا يعرف أن النظام العالمي لفظ من قبله "شاه إيران"، و"السادات"،
و"صدام حسين"، "تشاوشيسكو" وغيرهم الكثير فلطالما افتقد
الطغاة للهدف منهم كان مكانهم سلة مهملات التاريخ!
ومن
جانب آخر، أذكر أننا حينما كنا ندرس التاريخ في نهاية المرحلة الابتدائية كنا
نستعجل الوصول لنهاية
ثورة "أحمد عرابي" -رحمه الله- فاختصر المعلم
الطريق علينا قائلا: "ستفشل هذه، وتأتي من بعدها ثورة 1919م، وهي أكثر عراقة
واستفادة من أخطاء سابقتها لكنها ستفشل -أيضا- ثم في النهاية ستأتي ثورة 1952م
لتنجح"؛ وبعيدا عن الجزم بفشل ثورتي 1882م، و1919م، وكون 1952م ثورة إلا أن
من أوائل دروس التاريخ التي تشربها جيلي أن الثورات تبدأ، فتحلق، تنخفض أو ترتفع،
لكنها لا تموت، ويكفي أن انتفاضة عام 1977م المصرية كانت إرهاصا بثورة قوية ضد
الظلم، وأن الرئيس الراحل "أنور السادات" حسب أنه وأدها؛ فكان أن انفجرت
في 2011م بوجه المخلوع مبارك لمّا استمر على نهج سابقه بل "أبدع" أكثر
في عدم احترام المصريين، وكذلك كانت الثورة السورية مشتعلة أسفل تربة القهر منذ "حماة
1982م".
إن
كل يائس من نجاح الحراك الثوري في مصر وليبيا واليمن غير مدرك بأن الأقدار ترتب
لنجاحات أخرى مقبلة، وأنها لو تأخرت فليس معنى هذا عدم مجيئها بل إنها ستكون صدمة
عميقة للطغاة وفرحة أعمق للمعذبين!