عززت زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين لمصر الأسبوع الماضي، التصورات المتزايدة عن تقبل
المصريين فكرة البحث عن مصدر
تسليح يعوض قواتهم عن أي وقف جدي لبرامج الدعم الخارجي، نتيجة التخبط الأمريكي في السياسة الدولية عموما وتجاه مصر تحديدا. ومع أن ما يدور عن التسلح يبقى ضمن نطاق الحسابات العادية الممكنة على المدى البعيد، فإن الاستدارة السريعة على طريقة الرئيس السادات عندما قرر طرد الخبراء الروس، لا تبدو ممكنة ولا مبررة في الوقت الحاضر، فالاضطراب السياسي الأمريكي لا يتطلب ردودا صعبة حتى لو جرى التلويح بها، فقد يأتي بمتناقضات أصبحت متوقعة.
ما يقال عن العقائد العسكرية ينطوي على مبالغات كبيرة، فأساليب القتال لا تتحدد كثيرا بنوع
السلاح، وما يقال عن الترابط والتلازم ليس إلا أوراق تلاميذ ونظريات معلمين. ووفق هذا المفهوم يصبح تبديل السلاح مسألة تجهيز لا أكثر.. فالدبابات بكل أشكالها وسيلة واحدة مع التباين في الكفاءات، وهذا ينطبق على الأسلحة والمعدات الأخرى. لذلك، لا مشكلة عسكرية في تنويع تجهيز وتسليح الفرق ضمن الجيش الواحد، وهذا ما قد يحدث في مصر على المدى المنظور، تحسبا لمواقف أمريكية قليلة الاحتمال، وقبولا لعرض روسي مباشر أو غير مباشر، وتلويحا واضحا لإدارة أمريكية تنقصها المعرفة، وتسيء تقدير ردود الفعل والمواقف السياسية للقادة العسكريين.
وفقا للتقديرات الواقعية، فإن مصر لم تعد تحتاج إلى معدات حربية متطورة كثيرا لمجابهة حرب خارجية، فالصراع مع إسرائيل قد طوي، وعزز طيه التفكك العربي والضعف المستمر في المفاهيم والمناهج السابقة. والدول الأخرى القريبة في وضع لا تحسد عليه أو متخلفة استراتيجيا تجاه مصر. وتحولت الحاجة إلى متطلبات أمنية يصعب الحصول عليها من الصناعات الأمريكية ومتاحة من جهات أخرى، وإلى تفهم سياسي ودعم مالي، وهما متاحان بقوة من جهات كثيرة ومؤثرة، مما يضعف الدور الأمريكي عربيا ويجعله هامشيا للغاية في مصر، فقد ذهب وقت الإملاءات الأمريكية مع غياب قدرة إدارة أوباما على اتخاذ القرارات الصعبة.
السلاح الروسي بات مطروحا لكل من يدفع مالا كأي سلعة تجارية، وفي الحالة المصرية فالدفع يمكن أن يكون وفق شروط ميسرة جدا، وربما أقرب ما يكون إلى الهدية، كمقدمة لإعادة بعض مواطئ الأقدام القديمة، التي أصبحت فرص عودتها ممكنة - ولو جزئيا - نتيجة الشعور العربي بالإحباط، رغم التباعد في كثير من الأهداف والسياسات والمناهج المصرية والروسية. وإن تجزئة المراحل والمصالح تجعل التقاطعات البسيطة لدوائر المصالح مقبولة، وهذا ما يحدث حاليا ويتطور تدريجيا.
التهم السطحية الغوغائية التي وجهت إلى حكم الرئيس مبارك بالعمالة لأمريكا، فقدت وسائل تمريرها، وأثبتت أحداث الثورة المصرية الثانية، أن القرارات المصرية تحكمها الظروف والمعطيات العملية، وعندما تقف مراكز الثقل العربي إلى جانب حياة المواطن المصري تلد القرارات الصعبة بوضوح، بما يتلاءم وموقف تاريخي مطلوب من بلد كمصر. وهنا يحاول الروس انتهاز الفرص لإثبات الوجود على ساحة حساسة وليست سهلة، والقيام بمناورة واسعة تستند إلى إدامة زخم متواصل، تخطيا لتباعد الأهداف والنيات والخلافات والاختلافات.
السلاح الأمريكي المجهزة به القوات المصرية موجود في صلب تسليح دول عربية، وإذا وصل الفشل الأمريكي إلى حد وقف توريد الأدوات الاحتياطية - وهو قرار صعب ومستبعد - فلن يكون مستحيلا وصول الأدوات المطلوبة من طرف خارج السيطرة الأمريكية، فضلا عن وجود قدرة مصرية مناسبة على التصنيع والتحوير. وما يمكن توقعه هو ظهور تعقيدات في الإمداد وليس وقفه، مع غياب الحاجة الملحة، لأن مصر ليست في حالة حرب تتطلب تجهيزات عاجلة، وكل شيء تحت السيطرة.
في مثل هذه الحالة، وعلى هامش زيارة الوزيرين الروسيين، من المتوقع أن تتقدم الأجهزة الأمريكية إلى المصريين بسؤال محدد، عن غايتها وماذا حدث. وأغلب الظن أنهم سيتلقون إجابات دبلوماسية فيها كثير من الصد والعموميات والتلويح واللوم. وهكذا هي المصالح عندما يلمس الطرف الأقوى تحقيق المقابل خطوات لا يستهان بها.. يبدأ بأعمال المراجعة. غير أن المتغير المصري أخذ طريقه بعد أن تفتحت أمامه الأبواب، وهذا سيدفع الأجهزة الأمريكية إلى تقديم نصح أكثر وضوحا لإدارة أوباما لإعادة قراءة المواقف الخارجية عموما والعربية خصوصا، بعد أن أصيبت في عصبها الحساس.
(عن صحيفة الشرق الأوسط)