تعود
غزة هذه الأيام لأولى سنوات
الحصار العجاف، إذ تغرق في ظلامٍ طويل دامس، وتتعطّل فيها كافة مناحي الحياة عن العمل، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية تعصف بقرابة مليوني مواطن.
ويرى مراقبون، أن تداعيات الأحداث الأخيرة في
مصر، والتي أعقبت عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، أثرّت بالسلب على القطاع المحاصر إسرائيليا منذ سبع سنوات، وأدّت إلى تفاقم معاناة سكان القطاع، وتزايد مأساتهم اليوميّة.
وللأسبوع الرابع على التوالي، لا تزال محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة متوقفة عن العمل بشكل كلي.
وتعتمد محطة الكهرباء بشكل رئيسي على الوقود المهرب من مصر عبر الأنفاق المنتشرة على طول الحدود المصرية الفلسطينية، والتي توقف العمل فيها بنسبة كبيرة تجاوزت وفق بيانات صادرة عن الحكومة المقالة في قطاع غزة 95% جرّاء هدم الأنفاق من الجانب المصري.
وبعد أن فرضت إسرائيل حصارا خانقاً أغلقت على إثره معابر القطاع التجارية في منتصف حزيران/ يونيو 2007، عانى قرابة مليوني مواطن من قسوة الحصار، وفقدان أدنى الاحتياجات اليومية، وهو الأمر الذي دفع بهم إلى اللجوء لباطن الأرض، وحفر مئات الأنفاق على طول الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي المصرية والفلسطينية، لجلب الوقود والغذاء.
ويقول مالكو الأنفاق إن 500 ألف لتر يوميا من الوقود المصري كانت تتدفق إلى القطاع، وهو الأمر الذي غاب بشكل تام في الوقت الراهن.
ويلزم لتشغيل محطة الكهرباء بغزة نحو 650 ألف لتر يومياً من السولار الصناعي لتعمل بكامل طاقتها.
وتعطلت كافة القطاعات الإنشائية والزراعية والتعليمية والصحية، مع نفاد الوقود القادم عبر الأنفاق.
ويتميز الوقود المصري بانخفاض ثمنه مقارنة بالوقود الإسرائيلي المرهون إدخاله بحركة معبر تجاري وحيد تدخل منه البضائع بشكل جزئي.
وتدخل يوميا إلى القطاع كميات محدودة من الوقود الإسرائيلي عبر معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرق قطاع غزة، ويتم ضخ هذه الكميات للقطاعين التجاري والخاص في غزة.
ويتم بيع لتر الوقود الإسرائيلي بـ 7 شيكل، مقابل البنزين المصري الذي كان سعر اللتر الواحد منه يبلغ 3 شيكل ( ما يعادل دولار واحد).
ولم تستجب الحكومة في رام الله، لطلب الطاقة بغزة بإلغاء كافة الضرائب المضافة على الوقود الصناعي، وهو الأمر الذي عطّل شراء السولار الإسرائيلي ما أدى لتوقف عمل المحطة بشكل كامل.
وتفرض حكومة رام الله ضريبة على السولار المورد من إسرائيل إلى قطاع غزة بقيمة 2 شيكل للتر، ليصل سعره إلى 6.2 شيكل.
ويقول مسؤولون في حكومة غزة، إنهم طالبوا السلطات المصرية بالسماح بتدفق الوقود المصري، فيما ترفض السلطات المصرية هذا المطلب، لأسباب تصفها بالأمنية.
وتبرعت دولة قطر قبل عامين بباخرة وقود تقل 25 ألف طن من السولار لمحطة توليد الكهرباء في قطاع غزة، تكفي لتشغيلها لشهرين كاملين، ولم يدخل منها إلى القطاع سوى كميات محدودة.
وتطالب الحكومة المقالة في غزة وفي أكثر من مناسبة وزارة البترول المصرية والهيئة العامة بالسماح لتوريد الوقود القطري الممنوح لغزة.
وفي عهد الرئيس مرسي شهدت الأنفاق حركة غير مسبوقة في إدخال الأسمنت والحديد وكافة مستلزمات البناء والسلع الأخرى.
ومع تعطل إدخال مواد البناء عن طريق الأنفاق أصيب قطاع الإنشاءات بغزة بشلل تام، وأوقف بحسب إحصائيات وزارة الاقتصاد في الحكومة المقالة 35 ألف مواطن عن العمل.
ومؤخراً علقت إسرائيل قرار السماح بدخول مواد البناء لقطاع غزة بعد منعٍ دام لست سنوات، في أعقاب اكتشاف نفق عسكري للمقاومة يمتد من داخل الأراضي الحدودية الشرقية لقطاع غزة إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
وقامت إسرائيل في الأعوام القليلة الماضية بتشديد الحصار على معبر رفح، جنوب القطاع، والواقع على الحدود المصرية الفلسطينية، متذرعة باتفاقية المعابر الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، التي تنص على فتح المعبر بوجود بعثة الاتحاد الأوروبي.
وبعد ثورة 25 يناير 2011 وانتخاب محمد مرسي كرئيس لمصر منتصف يوليو 2012 شهد المعبر تسهيلات ومرونة غير مسبوقة، أتاحت تنقل مئات المسافرين يوميا، ودخول عشرات القوافل التضامنية والمحملة بمساعدات مالية وإغاثية لسكان القطاع.
غير أن المعبر بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب مرسي لا يتم فتحه سوى بشكل جزئي، لدخول العالقين داخل مصر، والسماح لأصحاب الحالات الإنسانية وحملة الجوازات الأجنبية فقط.
وغاب وصول الوفود إلى القطاع عبر معبر رفح، منذ الانقلاب على مرسي بداية تموز/ يوليو الماضي، وتقلصت أعداد هذه الوفود بشكل شبه كامل كما تؤكد اللجنة الحكومية لاستقبال الوفود التابعة لوزارة الخارجية بغزة.
وتقول اللجنة إن قطاع غزة شهد انخفاضا ملموسا في أعداد الوفود التضامنية، بنسبة تقترب من 98%.
ومساء أول أمس وصلت قافلة "أميال من الابتسامات 23" إلى القطاع عبر معبر رفح الحدودي، وهي أول قافلة مساعدات تصل غزة منذ الانقلاب العسكري في مصر.
وتمنت الحكومة المقالة بغزة أن تكون هذه القافلة فاتحة خير من مصر، وأن تسمح بإدخال المزيد من القوافل وتقديم الدعم للقطاع الذي يتعرض لحصار خانق ومشدد في الوقت الراهن.
وفي عهد الرئيس مرسي تقدمت الحكومة بغزة والتي تديرها حركة حماس بمقترح إقامة منطقة تجارية حرة مع مصر، وقال مسؤولون في الحكومة إنّ الرئيس المنتخب محمد مرسي رحب بالفكرة ووعد بدراستها وتنفيذها.
ونشرت صحف مصرية آنذاك فكرة المشروع المقترح في إقامة منطقة حرة حدودية مشتركة بين الجانبين المصري والفلسطيني والذي قدمته الحكومة المقالة بغزة، وتضمن المقترح إنشاء المشروع على مساحة مقترحة تتراوح ما بين 10 آلاف دونم و20 ألف، يتم تنفيذها على مرحلتين كل مرحلة بمساحة 10 آلاف دونم بالقرب من معبر رفح.
ويتسبب إغلاق الأنفاق بخسائر تقدرها وزارة الاقتصاد بغزة 230 مليون دولار شهريا على كافة القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها قطاع الإنشاءات.
وكانت غزة قد حلت في المرتبة الثالثة عربيا، والـ"44" عالمياً من حيث أعلى معدلات الفقر وفق تقرير للبنك الدولي.
وقال البنك الدولي في تقرير صدر عنه مؤخرا إن قطاع غزة جاء في المرتبة الثالثة عربيا بعد اليمن والسودان بمعدل وصل إلى 38%.
ويتوقع خبراء أن يصل معدل الفقر في غزة إلى نسبة غير مسبوقة نظرا للوضع الاقتصادي المتردي الذي يزداد قسوة ساعة بعد أخرى.
وفيما تحاصر غزة اقتصاديا، يقوم جيش الكيان الاسرائيلي بشن هجمات متفرقة شمال القطاع تطال مدنيين، حيث أصيب فلسطينيان بالرصاص، الجمعة، حسبما أعلن الناطق باسم وزارة الصحة بغزة الطبيب أشرف القدرة.
وقال القدرة لوكالة الأناضول إن "شابين في العشرينات من عمرهما، أصيبا بالرصاص، أحدهما بطلق ناري في الفخذ، بينما أصيب الآخر بشظية رصاصة في رأسه، ووصفت حالته بالطفيفة".
وذكر أن الحادث وقع بالقرب من مقبرة "الشهداء"، الواقعة شرق بلدة جباليا، شمال قطاع غزة، مبينا أن الشابين نقلا لتلقي العلاج في مستشفى "كمال عدوان".
ولم يعقّب جيش
الكيان الإسرائيلي على الواقعة حتى الساعة 17:45.
ووقّعت الفصائل الفلسطينية اتفاق تهدئة مع الكيان الإسرائيلي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 بوساطة مصرية، تم بموجبه وقف هجوم إسرائيلي على قطاع غزة استمر لمدة 8 أيام، وأدى لمقتل نحو 160 فلسطيني و6 إسرائيليين، بحسب إحصائيات فلسطينية رسمية، وصحف عبرية.
وتضمن الاتفاق إلغاء المنطقة العازلة التي فرضها الكيان الإسرائيلي لمسافة 300 متر على طول الشريط الحدودي مع القطاع، والسماح للمزارعين بدخولها وفلاحتها.
لكن الكيان الإسرائيلي عاد ليستهدف الفلسطينيين الذين يقتربون من المنطقة، حيث تطلق عليهم النار، وفي أحيان أخرى تلقي القبض عليهم.