أخيرا «شبكت الصنارة»؛ المفاوضات العلنية منها والسرية، أفضت لاتفاق بين ايران والدول
الغربية.
«أولي»؟ ليس هذا هو المهم، ولا التفاصيل على نسب التخصيب المسموح بها، ولا المزايا الاقتصادية التي ستجنيها ايران الموجوعة من العقوبات. المهم أن الاتصال وقع بين الطرفين، وأثمر اتفاقا «أوليا» تتبعه اجتماعات ولقاءات في قادم الأيام والشهور.
ايران التي اكتسبت عن جدارة صفة العدو الأول للولايات المتحدة وأوروبا، ومن قبل اسرائيل، توشك أن تصبح شريكا في ارساء قاعدة جديدة للتعاون في المنطقة.
ربما يكون هذا استنتاجا مبكرا في نظر البعض، فبعد سنوات طويلة من العداء، يصعب الانتقال الى علاقات صداقة قبل المرور بمراحل انتقالية معقدة وطويلة بعض الشيء، لكن الحاصل أن الصنارة شبكت، وكان ماكان. واذا كانت العقوبات الاقتصادية المشددة هي التي أجبرت ايران على تقديم التنازلات للغرب، فإن الأزمة الاقتصادية في المقابل هي التي دفعت بالولايات المتحدة الأميركية للسعي من أجل صفقة بدت وكأنها على حساب حلفائها التقليديين في المنطقة.
ما أن بدأت جولات المفاوضات في جنيف، حتى تحركت كبريات الشركات الأميركية والغربية لجني أكبر غلة ممكنة من المليارات السبعة التي ستفرج عنها البنوك الأميركية والعائدة لايران؛الحديث وحسب مصادر غربية يدور عن صفقات أدوية ورحلات جوية منتظمة، مع طهران، وغيرها الكثير من المنافع التجارية، والذي يبدو الاقتصاد الأميركي في أمس الحاجة لها.
المردود الاقتصادي لايتوقف عند هذا الحد؛فالادارة الأميركية المأزومة ماليا، مشغولة بخفض النفقات في شتى المجالات، والمؤكد أن خفض التوتر في الخليج العربي، يعني تقليص الوحدات العسكرية في تلك المنطقة، وهو ماينعكس بشكل ايجابي على مخصصات الدفاع في الموازنة الأميركية.
توقيع الاتفاق مع ايران يعد في نظر المحللين الغربيين «أصفى» تعبير عن المقاربة الأميركية الجديدة للعلاقات الدولية، والتي تعتمد الخيار الدبلوماسي أساسا «وحيدا» لتسوية النزاعات العالمية، واستبعاد الخيار العسكري نهائيا.
والمقاربة هذه ليست مفاجأة لحلفاء أميركا وخصومها؛فمنذ الولاية الأولى للرئيس الأميركي باراك أوباما بانت ملامح الاستراتيجية الجديدة، لابل أن أوباما مدين لهذه المقاربة في فوزه بولاية ثانية. بعد مأساة العراق، لم يعد خيار التدخل العسكري يحظى بأي تأييد في أوساط الرأي العام الأميركي، وتشكلت مايشبه القناعة الأيديولوجية في أوساط الأميركيين التي تحرم ارسال الجنود لجبهات القتال خارج حدود أميركا. أقصى مايمكن أن تقدم عليه الادارة الأميركية اليوم هو ارسال طائرات بدون طيارين لتصفية الحساب مع الجماعات المتشددة في اليمن والباكستان وأفغانستان التي تتهيأ القوات الأميركية للانسحاب منها.
لكن مصير المقاربة الجديدة في السياسة الخارجية الأميركية معلق على نجاح الصفقة مع ايران؛النجاح في معناه السياسي لا الاقتصادي فقط. فاذا ماتمكنت الدبلوماسية الأميركية من توظيف الاتفاق مع ايران لتسوية الأزمة في سوريا، وكسب تأييد طهران لانهاء حكم الأسد في سوريا، فإن الدبلوماسية ستصبح خيارا ثابتا للادارات الأميركية المتعاقبة لعقود قادمة، بصرف النظر عن هويتها الحزبية.
بيد أن متاعب الغرب مع ايران ليست نووية فحسب، ومهما بلغ الاهتمام الأميركي بمصالح أميركا، فلن يكون بوسع ادارة أوباما أن تتجاهل قلق الدول الخليجية المشروع من الخطر الذي تمثله ايران عليها. ايران ليست كمثل فتى يتجنى عليه أقرانه، ويتهمونه بماليس فيه من سلوك سيئ . ايران تمارس سلوكا سيئا بالفعل تجاه جيرانها الخليجيين؛ تتدخل في شؤونهم الداخلية، وتعبث باستقرارهم، وتشجع النزعات الطائفية، وتسعى لفرض وصايتها على الجيران، وهذا ما لاتطيقه دول الخليج العربي، وستعمل جاهدة كي لاتكون صفقة جنيف، مدخلا يمنح ايران مزيدا من النفوذ في المنطقة. يتعين على الغرب أن يتفهم مشاعر الدول الخليجية ومصالحها، والا فإن التسوية مع ايران ستولد على الضفة الأخرى من الخليج العربي، سيلا من المشاكل التي تجعل من الصفقة مع ايران حدثا بلا معنى أو فائدة.
(عن الوطن القطرية)