تتبع الكاتب الاسرائيلي تسفي برئيل التغيرات التي طرأت على مواقف خصوم الاسد، متسائلا: هل هذا ما يجعل الاسد مطمئنا ويعمل على إصدار بطاقات هوية جديدة تحمل بصمات للمواطنين السوريين ستكلف الخزينة 28 مليون يورو.
يعتققد برئيل في مقالته المنشورة اليوم في صحيفة هآرتس أن تحولا استراتيجيا حصل في موقف تركيا وقطر، وهما الدولتان اللتان أظهرتا العداء الأكبر لبشار الاسد.
ويخلص برئيل إلى إن عدم وجود سيطرة مركزية وقيادة موحدة تستطيع أن تلتزم باسم جميع التيارات المعارضة العسكرية والسياسية، يجعل الاسد من جديد هو الجهة الوحيدة التي تُرى أنها تستطيع أن تضمن قدرا من الاستقرار اذا استمر في الحكم ولا سيما بعد أن اجتاز بنجاح امتحان السلاح الكيميائي.
يقول تسفي برئييل في هآرتس:
لا يتوقف رأس بشار الاسد عن اختراع اختراعات للسوريين. ففي الاسبوع الماضي أعلنت الادارة السورية أنها تنوي اصدار بطاقات هوية جديدة تحمل بصمات، وسيُطلب الى كل مواطن أن يستبدل بطاقة هويته ببطاقة جديدة "تُطبق التقنية الأحدث في العالم وتشمل كامل المعلومات عن المواطن كما تطلب السلطات الحكومية".
ما الذي جعل الادارة السورية تتجه الآن خاصة الى هذا المشروع الالكتروني الحديث الذي سيكلفها نحوا من 28 مليون يورو؟ لا أحد في
سوريا تجوز عليه قصة شهوة التكنولوجيا المتقدمة التي اعترت الاسد. ويزعم معارضوه أن سبب الدهاء الذي يقف من وراء القرار هو منع نحو من 3 ملايين مواطن سوريا مقتلعين ولاجئين أكثرهم معارضون للنظام، من الحصول على بطاقات هوية جديدة، وبذلك يمكن لنظامه أن يغربل المواطنين الذين سيعودون الى الدولة بعد انتهاء الحرب ويمنحه ذلك قوة عظيمة.
ويرى تقدير آخر أن الاسد يريد أن يضائل عدد المواطنين الذين سيُسمح لهم بالمشاركة في انتخابات الرئاسة التي يتوقع أن تُجرى في آذار 2014 بحيث يستطيع حملة بطاقات الهوية الجديدة فقط – أي مواطنون بقوا في الدولة ويسكنون مناطق بقيت تحت سيطرة الجيش السوري – المشاركة فيها.
هل يعني ذلك أن الاسد يستعد لانهاء الحرب واجراء انتخابات؟ يبدو أن جارتيه، ايران وتركيا على الأقل، أصبحتا تُعدان للاجراء التالي قُبيل عقد مؤتمر جنيف الثاني، الذي يتوقع أن يعقد في 22 من كانون الثاني، بغرض محاولة حل الازمة في سوريا. ففي الاسبوع الماضي زار ايران وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو وأعلن مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف أن "ايران وتركيا تتفقان على حل الازمة في سوريا وليس لها حل عسكري".
وهذا تحول جوهري في موقف تركيا التي كانت تدعو منذ نحو من سنتين ونصف دول العالم الى العمل بكل طريقة ممكنة، ويشمل ذلك التدخل العسكري لانهاء الحرب، ولاسقاط نظام الاسد وانشاء نظام بديل، أو لانشاء منطقة عازلة على الأقل تحت حماية عسكرية. ولم تعبر تركيا ايضا عن أي تحفظ من الاقتراح الايراني التوسط بينها وبين سوريا. وهي لم تُنكر ايضا كلام سفير ايران في تركيا الذي قال إنه يوجد تعاون استخباري بين الدولتين.
لم يولد الاعلان المشترك بين وزيري الخارجية الايراني والتركي في الشأن السوري بصورة عفوية. فعلى حسب تقارير إخبارية في تركيا تم احراز اتفاق على ذلك بين وزيري الخارجية في مطلع تشرين الثاني، لكن تم تأجيل الاعلان بذلك حتى توقيع الاتفاق بين ايران والقوى العظمى الست في الشأن الذري.
ويبدو أن تركيا بدأت تلائم نفسها مع مكانة ايران الجديدة في المنطقة ولا سيما بعد الغاء العقوبات على تصدير الذهب منها الى ايران، وهي تطمح الى زيادة التجارة معها الى 30 مليار دولار حتى سنة 2015 والى ثلاثة أضعاف ذلك حتى 2020. ويمكن أن يضاف الى ذلك الضغوط الامريكية التي استُعملت على تركيا كي تؤيد مؤتمر جنيف الثاني دون اشتراط شروط مسبقة كتنحية الاسد قبل بدء المباحثات.
ليست تركيا هي الوحيدة التي بدأت تفحص من جديد عن سياستها نحو سوريا، فعلى حسب تقارير اخبارية في لبنان أعلنت قطر ايضا أنها كفت عن الانفاق على المنظمات الاسلامية وأنها تنوي أن تتبرع بنحو من 20 مليار دولار لاعادة بناء سوريا مهما تكن السلطة التي ستنشأ فيها.
ولم تُصدق قطر ولم تُنكر تلك التقارير الاخبارية وما زالت تهاجم الاسد بشدة، لكنها بازاء طموحها الى تعزيز العلاقات بايران، يُشك في أن تستطيع أن تُبقي في المقابل على سياستها المعادية لسوريا. بل إن محللين لبنانيين يبالغون ويفيدون بأنه تم تبادل رسائل في المدة الاخيرة بين حاكم قطر الجديد تميم آل ثاني وبشار الاسد عبرت فيها قطر عن رغبتها في "العودة الى سوريا"، بعد أن قادت في فترة الحكم السابق الخط الأكثر عداءا للنظام.
ويضاف الى كل ذلك الاتفاق المبدئي الذي صيغ بين الولايات المتحدة وروسيا على بنية المؤتمر. وحينما حُشرت المعارضة في الزاوية التي لا تستطيع فيها أن ترفض الدعوة الى المشاركة في المؤتمر فلا عجب من أن الاسد يستطيع أن يبدأ التخطيط للمرحلة التالية.
ما زالت الصعوبات كبيرة ولا يوجد الآن أي يقين من أن المؤتمر سيُعقد في الأجل المسمى له. ولا توافق كل الحركات التي تؤلف المعارضة على المشاركة فيه بالشروط التي تم اقتراحها. فحركة المعارضة الكردية مثلا غير مستعدة للتخلي عن قرارها على انشاء اقليم كردي مستقل في شمال سوريا، لكن يجب أن نتذكر أنه يوجد اختلاف شديد بينها وبين القيادة الكردية في العراق.
والعصابات المسلحة المتمردة التي تعمل في داخل سوريا بعيدة عن الاتفاق على الآراء ولا سيما كتائب الحركات الدينية المتطرفة، والحركة التي هي فرع من القاعدة وكتائب الجيش السوري الحر التي يقاتل بعضها بعضا احيانا.
إن عدم وجود سيطرة مركزية وقيادة موحدة تستطيع أن تلتزم باسم جميع التيارات المعارضة العسكرية والسياسية، يجعل الاسد من جديد هو الجهة الوحيدة التي تُرى أنها تستطيع أن تضمن قدرا من الاستقرار اذا استمر في الحكم ولا سيما بعد أن اجتاز بنجاح امتحان السلاح الكيميائي الذي هو أهم في نظر الغرب كثيرا من الـ 150 ألف مواطن الذين قُتلوا بسلاح تقليدي.