شيع الآلاف بعد ظهر اليوم، الثلاثاء، جثمان الشاعر
المصري الشهير أحمد فؤاد نجم إلى مثواه الأخير عقب أداء الصلاة عليه في مسجد "الحسين" بالقاهرة القديمة.
وشارك مئات من المواطنين والمثقفين والفنانين في تشييع جثمان نجم الذي توفي صباح اليوم عن عمر يناهز 84 عاماً، حيث احتشد المشيعون خارج مسجد "الحسين" في منطقة القاهرة القديمة. وكانت وسائل إعلام مصرية نقلت عن الناشر محمد هاشم، إن "الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، توفي فجراً في منزله بالمقطم".
وأضاف هاشم، وهو صديق الشاعر، أن "صلاة الجنازة ستقام ظهر اليوم على روح نجم، وسيتم تحديد مكان العزاء في وقت لاحق".
والشاعر الشعبي المصري نجم كان يلقب بـ "الشاعر البندقية" ويعتبر من ابرز شعراء العامية في مصر وقد تنبأ خلال تجربته الشعرية الطويلة باسقاط الديكتاتورية.
وجاء رحيل "الشاعر البندقية" اللقب الذي منحه اياه الناقد الراحل علي الراعي بعد ان شهد بعينه تحقيق بعض من احلامه التي ترعرعت معه في مسار عمره الممتد عندما تصاعدت كلماته من حناجر الالاف خلال التظاهرات في ميدان التحرير في 25 كانون الاول/يناير 2011، التي اسقطت الرئيس السابق حسني مبارك وبعد ذلك في 30 حزيران /يونيو التي اسقطت حكم الرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي.
خصوصا وهو الشاعر الذي تنبأ عبر تجربته الشعرية الطويلة باسقاط الديكتاتورية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والحرية والخبز.
وكانت كلماته اول من شق طريقا لما يطلق عليه اليسار المصري "ثورة الخبز" في 18 و19 يناير 1977 عندما شكلت وقود انتفاضة طلاب الجامعات وأعدادا كبيرة من الشعب المصري في مواجهة الرئيس أنور السادات وسياسته في الصلح مع اسرائيل وسياسة الإنفتاح على الصعيد الإقتصادي التي تراجعت عن تجربة عبد الناصر التي أتاحت نوعا من العدالة الإجتماعية للفقراء المصريين.
ونجم من اهم شعراء العامية في مصر يقف الى جانب الشعراء الكبار في تجربة الشعر العامي مثل عبد الرحمن الأبنودي والراحلين فؤاد حداد وصلاح جاهين إلى جانب اعتباره واحدا من ثوار الكلمة الذين دفعوا ثمن إخلاصهم لمواقفهم حيث أعتقل أكثر من مرة في عهد الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وانور السادات.
والراحل من مواليد محافظة الشرقية عام 1929 من أسرة كبيرة العدد وبعد وفاة والده ضابط الشرطة وأمه تم وضعه في ملجأ للأيتام حيث التقى فيه عبد الحليم حافظ.
وخرج من الملجأ وعمره 17 عاما وعاد إلى قريته ليعمل راعيا وعمل بعدها في عدة أماكن من بينها العمل في معسكرات الاحتلال البريطاني وعامل إنشاءات وبناء. وخلال عمله في مدينة فايد تعرف على عمال المطابع الذين يميلون إلى الفكر الشيوعي فتأثر بهم وكانت وراء مشاركته مع الآلاف من المصريين في تظاهرات عام 1946.
وأشار نجم في مقابلات له إلى أنه في تلك الفترة تأثر كثيرا في قراءاته برواية "الأم" رائعة الكاتب الروسي مكسيم غوركي وأن تأثيرها زاد عليه خصوصا وأنه كان يحب إبنة عمه إلا أن الفارق الطبقي بينهما حال دون ارتباطه بها.
وخلال عمله في سكة الحديد بعد ثورة 23 تموز/يوليو 1952 اصطدم للمرة الأولى مع السلطة عندما رآى العديد من الضباط ينهبون الكثير من المعدات وقطع الغيار الخاصة بالسكك الحديد إلى جانب المعدات التي تم الإستيلاء عليها من معسكرات الإحتلال الإنكليزي.
وهذا الإصطدام هو "ما جعله يربط البعد السياسي في الصراع مع البعد الإجتماعي" حسب نجم نفسه خصوصا بعد أن اعتقل ومجموعة من العمال بتهمة التحريض على التمرد ضد المسؤولين وقتل خلال ذلك أحد العمال فوجهت له تهمة الإختلاس وتم اعتقاله في عام 1959.
وخلال فترة سجنه أصدر أول ديوان شعري له بعنوان "صور من الحياة والسجن"من خلال مشاركته في مسابقة كان ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الأدب والفنون وتبنته الكاتبة المصرية سهير القلماوي وبعد خروجه من السجن أصبح من شعراء الإذاعة المصرية.
إلا ان قيام سعيد الموجي بتعريفه إلى الموسيقار والمغني الضرير الشيخ إمام نقل تجربته نقلة كبرى خصوصا بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967 حيث تشاركا في أهم تجربة غناء سياسي ساخر ونقدي لاذع في التاريخ العربي واصبحا معروفين على صعيد العالم العربي أكثر من معرفة الشعب المصري بهما وأثرا في أجيال متعاقبة من العرب خصوصا في بلاد الشام والمغرب العربي.
فمجرد تذكر الشيخ إمام يتم استدعاء أحمد فؤاد نجم الى الذاكرة مع عدد آخر من الشعراء مثل زين العابدين فؤاد إنما عندما تذكر أحمد فؤاد نجم فيصبح حضور الشيخ إمام طاغيا كأهم أداة موسيقية قريبة من القلب.
نقلت كلمة نجم إلى الملايين من الشباب العرب في السبعينات والثمانيات والتسعينات من القرن الماضي حتى أصبح حضورهما طاغيا في ميدان التحرير في عام 2011.
وإن كان غاب الشيخ إمام عن 25 يناير فإنه كان حاضرا من خلال موسيقاه ووجود رفيق رحلته المباشر في الميدان رغم خلافهما وافتراقهما في السنوات الأخيرة من حياة الشيخ الذي رحل عن عالمنا في 1996.
ولأهمية تأثير نجم ورفيق دربه الشيخ امام تم نقل هذه التجربة إلى السينما بفيلم "الفاجومي" المقتبس عن أحد القاب التي أطلقت على أحمد فؤاد نجم وقام بدوره في هذا الفيلم الفنان خالد الصاوي.
.