شغل هجوم الامين العام لـ"
حزب الله" السيد حسن نصر الله على المملكة العربية
السعودية عبر إتهامها بالوقوف وراء تفجيري السفارة الايرانية في بيروت، المشهد السياسي لما حمله من تفسيرات متفاوتة وما سيحمله من تداعيات على الساحة المحلية، وهي التي تشكل المسرح الطبيعي لمسلسل تبادل الرسائل الاقليمية، بدءا بمسرح طرابلس وصولا إلى الجناح وما بينهما.
كان لافتا انه فيما كان رئيس المجلس نبيه بري العائد من طهران يعبر عن مناخ ايراني ايجابي حيال السعودية لمسه من لقاءاته هناك وعبرت عنه التصريحات الرسمية، بادر الامين العام للحزب الى فتح النار في إتجاه المملكة موجها اليها اكثر من اتهام في اكثر من ملف. فأين يوضع كلام السيد؟ وكيف يصرف محليا وعلى محور الصراع الايراني السعودي؟
في التوقيت، جاء كلام نصر الله في غمرة حركة ديبلوماسية خارجية ناشطة شكل الامير بندر بن سلطان أحد محاورها في زيارته لموسكو ومحادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلا عن توقعات بزيارة محتملة لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف للمملكة عكستها تصريحات لظريف يعبر فيها عن أمله في حصول الزيارة، ما لبثت ان احبطت بعد تردد معلومات عن تعثر المساعي لحصولها، وهو ما يضع آفاق التقارب الايراني السعودي موضع التشكيك في إحتمال حصوله في المدى المنظور، أقله في مهلة الاشهر الستة المقبلة التي تشكل مرحلة إختبار حسن النيات في ما يتعلق بتطبيق الاتفاق الإطار بين ايران ومجموعة الخمس الدولية والمانيا في مرحلته الاولى.
لا تقلل مراجع سياسية بارزة من اهمية كلام نصر الله، لكنه يبقى بالنسبة اليها ضمن السقف المحلي ولا يؤثر على المناخ الاقليمي العام. فهو في رأيها يعبر عن موقف الحزب وعلاقته بالسعودية وليس عن موقف
إيراني، بدليل أن إيران لم تتهم المملكة بالتفجيرين قرب سفارتها، بل حرصت على إتهام إسرائيل، خلافا لإتهام السيد المباشر للمملكة، كما ان وزير الخارجية الايراني عبّر صراحة عن رغبته في القيام بجولة على عدد من الدول العربية وبدءا من السعودية وقد طلب موعدا لذلك كما يرشح عن نتائج زيارة الرئيس بري لطهران، حيث يفخر رئيس المجلس بأنه تمكن من الوصول الى ما يشبه الاجماع لدى كل القيادات الايرانية التي التقاها، على أن الحل للصراع السني - الشيعي الذي تخوضه السعودية وايران لن يكون الا بالتقارب بينهما. علما ان مساعي بري لم تتوقف عند هذا الحد، بل انه تناول هذا الموضوع في لقائه الطويل مع رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة إنطلاقا من أهمية تنفيس الاحتقان المذهبي الحاصل وضرورة فتح ثغرة تؤدي الى معالجة سياسية له.
لكن الانفتاح الايراني الذي يأتي على خلفية اتفاق طهران مع الدول الخمس والمانيا لا يزال يُقابل بتشدد سعودي، الامر الذي يفسر إمتناع المملكة عن إعطاء موعد لظريف حتى الآن، ويفسر تصعيد نصر الله ضدها.
أما في الجانب المحلي من كلام نصر الله، فإن هجومه العنيف على السعودية، لا يطال في تداعياته المملكة ويضغط على موضوع التقارب المشار اليه، وخصوصا ان حزب الله بات يتعامل مع هذا الملف كلاعب إقليمي أكثر منه محلياً، بل سيكون له تفاعلاته الداخلية التي سترسم المسار السياسي والامني في البلاد في المرحلة المقبلة، ولا سيما على محوري الحكومة والاستحقاق الرئاسي.
فكلام السيد في الشق الداخلي لم يخل من الرسائل الواضحة التي حدد فيها استراتيجية حزبه والحلفاء في فريق 8 آذار، وقد حسم فيها خيارات هذا الفريق بالنسبة الى إستحقاقي رئاسة الجمهورية والحكومة في 3 نقاط لا لبس فيها:
- لا حكومة الا على أساس صيغة 9-9-6 التي تعطي هذا الفريق حق التعطيل.
- نزع الحزب تهمة سعيه الى الفراغ على مستوى الرئاسة من خلال اعلانه التمسك بإجراء هذه الانتخابات، وتمسكه بحق فريقه في إختيار مرشح منه لإنتخابات رئاسة الجمهورية والعمل من أجل إيصاله إلى سدة الرئاسة، ضاربا عرض الحائط منطق الرئيس التوافقي الذي يحظى بقبول مختلف المكونات السياسية وفي مقدمها المكون المسيحي (في الحد الادنى!) لا جزء من هذا المكون الذي يمثله "التيار الوطني الحر" الحليف لـ"حزب الله”.
- ان التمديد للرئيس ميشال سليمان ليس واردا لدى الحزب وفريق 8 آذار، الامر الذي يقطع الطريق على مساعي تجري في بعض الكواليس السياسية لتسويق هذا الطرح في الاوساط الديبلوماسية الغربية تمهيدا لحصد دعم دولي يضغط في إتجاه اعتماد هذا الخيار بديلا من الفراغ، إذا كان الفراغ هو الخيار الآخر.
(النهار 5 كانون أول 2013)