يجمع مراقبون على أن جولة القتال الأخيرة في
طرابلس لم تكن كسابقاتها، وسيكون لها ما بعدها حتى وان انتهت الجولة ميدانيا في ظل الخطة الامنية التي يواصل الجيش
اللبناني تنفيذها في عدة احياء من المدينة، وفي مقدمتها حيي باب التبانة وجبل محسن.
ومما يضيف زخما جديدا للمواجهة في طرابلس هذه المرة اشتباك مجموعات من الشباب السنة في حي باب التبانة مع الجيش الذي وجهت له اتهامات بالانحياز لفريق دون آخر في تنفيذ الخطة الأمنية، في إشارة الى مسلحي الحزب العربي الديموقراطي في جبل محسن، والمطالبات بتوقيف النائب رفعت عيد ونجله في قضية تفجير المسجدين قبل نحو ثلاثة أشهر.
المواجهة بين شبان من باب التبانة والجيش خلفت قتيلا من الأخير وعدداً من
الجرحى، قبل أن تتداعى أوساط المدينة وشخصيات سياسية بارزة في البلاد للتحذير من اتخاذ الجيش هدفا، والتشديد على أنه مؤسسة مستقلة تقوم بواجبها، لا سيما بعد نفي الجيش الاتهامات الموجهة له وتأكيده في أكثر من مناسبة أن الخطة الامنية في طرابلس لا تحابي أيا من الأطراف، مشيراً الى اعتقال 11 شخصا من جبل محسن و9 من باب التبانة، وفيما يتعلق بعلي ونجله فإن ذلك مرتبط بمذكرات توقيف بحقهما.
حريق لم ينطفئ
وجهات النظر لدة المراقبين والمتابعين، تتباين حيال تشخيص الجولة الاخيرة من القتال في عاصمة الشمال اللبناني، بين من يراها امتداد لتوتر واحتقان أصبح من طبيعة المدينة تبعاً لطبيعة لبنان ككل، وبين من يراها تحولا في طبيعية المواجهة بين تيارات مدعومة من الفرقاء السياسين في البلد والذين بدورهم يتبعون قوى اقليمية في المنطقة.
عضو هيئة علماء المسلمين في لبنان وأحد ابرز القيادات السنية في طرابلس الشيخ نبيل رحيّم يتحدث لـ "عربي21" عن الجديد في المواجهة الأخيرة بالقول إنها وان لم تختلف عن سابقاتها من حيث المدة التي استغرقتها والقتلى الذين سقطوا خلالها، الا أنها شهدت عنفا جديدا تمثل "بدخول أسحلة متطورة وقناصة على الخط من جهة مسلحي الحزب العربي الديموقراطي في جبل محسن والذي استهدفوا الأطفال في منازلهم ومدارسهم".
ويستبعد رحيم أن تكون المواجهة الأخيرة أنتهت كليا، ويرهن في عدم تجددها بتحقيق العدالة "من خلال توقيف جميع المتهمين في تفجيرات المسجدين، وعدم نقل تداعيات الأزمة
السورية إلى طرابلس لأن هناك من يسعى لفعل ذلك"، كما يقول.
ويوضح رحيم ان البيئة خصبة لتجدد المواجهة قائلا: "هناك احتقان كبير في الشارع الطرابلسي بعد تفجيرات المسجدين وبعد أن ثبت للقضاء تورط أعضاء في الحزب العربي الديموقراطي بها، وثبوت تورط رئيس الحزب شخصيا بتهريب أحد أبرز المتهمين".
وعن المواجهة مع الجيش في الجولة الاخيرة، يرى رحيم انها"صفحة طويت، وأي طرف يريد مواجهة مع الجيش فهو بالضرورة يريد سوءا بالمدنية واهلها"، متهما من سماهم "الطوابير الخامسة" بافعتال المواجهة معه لحساب أطراف معنية.
ارتباطات محلية وإقليمية
الكاتب والإعلامي الطرابلسي محمد علوش، يرى بدوره ان الأحداث الأخيرة في طرابلس هي "جولة من جولات القتال التي قد تتكرر"، مُرجعا ذلك لسبب موضوعي برأيه وهو أن "مسبب المواجهات السابقة واللاحقة لم تُحل من قبل الدولة اللبنانية لارتباط ما ما يجري في طرابلس بأبعاد أكبر من المدينة واكبر من لبنان".
ويتفق علوش مع الشيخ رحيم باعتبار مسلحي الحزب العربي الديموقراطي احد أبرز عوامل التوتير في المدينة، موضحا بالقول: "أهالي طرابلس لديهم معاناة طويلة وتاريخية مع الحزب العربي الديموقراطي وتورطه في مجزرة باب التبانة إبان فترة الوجود السوري في لبنان والتي لم يسمح خلالها لأهالي المدينة بالقصاص أو مقاضاة مرتكبيها".
ولا يعفي علوش في حديث لـ "عربي21" الدولة اللبنانية من المسؤولية عما يجري في طرابلس، قائلا إنها "لم تقم بأي فعل يحقق المصالحة، ولم تعالج الأسباب الموضوعية للأزمة"، مذكرا أن الحزب العربي الديموقراطي في النهاية هو "ميليشيا مسلحة وليست حزبا سياسيا "،إذ "رفض تسليم سلاحه كما فعلت الأحزاب السياسية بعد الحرب الأهلية اللبنانية".
ويرى علوش أن تطورات الأحداث في مدينة طرابلس مستقبلا مرتبطة بعوامل ومستجدات محلية واقليمية، "محلية بأن لا تتقاعس الدولة عن تحقيق العدالة على الجميع، واقليمية متعلقة بما تحرزه المعارضة أو النظام السوري في المواجهة العسكرية في سوريا".
وبين آمال بنجاح الجهود في الخروج من عنق الزجاجة وتحقيق السلم لأهالي طرابلس المتضرر الأول من القتال – كما يرى الشيخ رحيم- وتحذيرات من تجدده ما لم تُعالج "الأسباب الموضوعية" للازمة كما يقول الكاتب علوش، تبقى طرابلس الشام على صفيح ساخن، حالها كحال كل لبنان المتشابك مع محيطه الملتهب.