تمكن الاقتصاد
الإيراني من السير عرجا رغم
العقوبات الاقتصادية «المقعدة المعيقة». تختنق الشوارع بالسيارات وتمكنت أعداد كبيرة من التجار وماكينات الصرف الآلي والبنوك التي تصدر بطاقات الخصم الخاصة بإيران فقط من ابتكار طرق للتهرب من العقبات القانونية. ورغم هبوط صادرات النفط الإيراني رسميا فإن عدة إيرانيين قالوا لي إن آلاف البراميل من النفط الإيراني تهرب عن طريق العراق. كما ذكر لي أحد رجال الأعمال أن بإمكان المرء الحصول على تمويل تحت الطاولة لأي شيء تقريبا إن كان بإمكانه دفع فائدة ما بين 12 و15 في المائة.
إن العبء الحقيقي للعقوبات هو أن هذا الاقتصاد ما هو إلا ظل لما قد يكون. وستزيد تكلفة الفرص الضائعة إن لم تتمكن إيران من عقد صفقة نووية تخفف من وطأة الضغط على مبيعات النفط والبنوك. والإيرانيون يعلمون ذلك، فقد ذكر لي كثيرون خلال زيارتي لطهران مؤخرا أن اقتصادهم كان سيكون مزدهرا ما لم يكن البلد معزولا.
يقول سعيد لياليز، وهو معلق ومحلل اقتصادي يعمل مستشارا لصناعة السيارات الوطنية الإيرانية، «الوضع من وجهة النظر الاقتصادية سيس للغاية وليس هذا سرا». وأضاف قائلا إن إنتاج السيارات في إيران هبط هبوطا شديدا خلال السنتين الماضيتين بعد ارتفاع من 6 آلاف سيارة سنويا عند بداية الإنتاج عام 1989 إلى 1.5 مليون سيارة في 2011. كما قال لي محمد خوششوهره الأستاذ في جامعة طهران إن المردود الاقتصادي العام انخفض بنسبة ستة في المائة مقارنة بالعام الماضي. ويقارب ذلك تقدير الهبوط بنسبة 5.7 في المائة الذي أصدره معهد التمويل العالمي في واشنطن الخميس الماضي.
وتعاني الطبقة المتوسطة في إيران من الضغط بصورة خاصة، فإيجار شقة لأسرة من أربعة أشخاص في طهران يكلف ما يعادل 500 دولار في الشهر على الأقل. وتضيف كلفة إطعام مثل هذه الأسرة 700 دولار أخرى مما يجعل المجموع 1200 دولار شهريا، ويفوق ذلك رواتب الكثير من الوظائف. ذلك قبل أن تبدأ الأسرة في دفع النثريات الأخرى. وعادة ما يعمل كل من الزوج والزوجة وعادة في وظيفتين حتى يتمكنا من تسديد الفواتير.
يبدو أن الإحباط بسبب الأداء الاقتصادي الضعيف يسيطر على محور اهتمام المتشددين مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وحلفائه في الحرس الثوري الإيراني. وذكر لي كثيرون أن الحكومة الإيرانية تلقت خلال فترة حكم أحمدي نجاد نحو 700 مليار دولار من مبيعات النفط. أين ذهب ذلك المال؟ قال لي ستة أشخاص إنهم يعتقدون أن الكثير منه حول إلى الحرس الثوري الإيراني أو نهب بواسطة المقربين من النظام. ويضيف خوششوهره قائلا: «لا أنكر أثر العقوبات لكن وزن سوء الإدارة أثقل». ويجادل البعض هنا بأن الأزمة الحالية تتعلق بالماضي وأنه يجب محاكمة مسؤولي نظام أحمدي نجاد على الفساد.
يحصل الرئيس روحاني على تقييم جيد على إدارته الاقتصادية بالإضافة إلى انفتاحه على الغرب في المفاوضات النووية. ومنذ انتخابه في يونيو (حزيران) والتضخم في انخفاض والاستثمار الخاص في ارتفاع. كما أن العملة الإيرانية ازدادت قوة في السوق السوداء، حسب لياليز.
ويرى الإيرانيون أن المستقبل سيزدهر إن رفعت العقوبات وانضمت الأمة بصورة كاملة إلى الاقتصاد الدولي. وقال لي أربعة محللين إيرانيين، كل منهم على حدة، إنهم يتوقعون نموا بنسبة 10 في المائة أو أكثر بعد 2015، إذا ما نجح روحاني في إبرام صفقة مع الغرب. تلك هي الفاعلية الحقيقية - عدم معاقبة إيران الآن بل فتح الباب نحو مستقبل أكثر ازدهارا. وتعطي النقاشات مع رجال الأعمال الإيرانيين إحساسا بما هو ممكن. وكان أستاذ في علم الأحياء الجزيئية نجح في تطوير تقنية جديدة لعلاج الأمراض العصبية التنكسية تتلهف الشركات الغربية على الحصول على تصريحه. وهو يفضل البقاء في إيران، ولكن من الصعب بناء مختبر حيوي تقني متقدم في إيران بينما لا يزال البلد خارج منظمة التجارة الدولية ولا يمكن حماية براءة الاختراع بواسطة حقوق الملكية الفكرية. وشرح لي مسؤول ببنك إيراني أنه مستعد لتمثيل 19 شركة أميركية في مشاريع مشتركة في إيران، لكن مثل تلك الصفقات تعد في حكم الميتة ما لم ترفع العقوبات. وقال لي مسؤول أميركي من أصل إيراني إن بإمكانه بيع إيران أجهزة متقدمة تمكن من إضافة مليارات البراميل إلى احتياطي النفط عن طريق إعادة تقييم المعلومات الزلزالية (السيسمولوجية) والجيولوجية القديمة.
من الخطأ الاستخفاف بقوة الاقتصاد الإيراني المرنة. فإيران بلد تجاوز ثماني سنوات من الحرب الرهيبة مع العراق، والإيرانيون يعلمون كيف يعانون بسبب المحن. ويخطط فريق روحاني الاقتصادي موازنته المقبلة بافتراض أن العقوبات لن ترفع وأن بالإمكان رفع الصادرات غير النفطية، مثل خام الحديد والنحاس والصناعات البتروكيماوية والكهرباء إلى مستوى 80 مليار دولار مما يغطي واردات إيران. بعبارة أخرى سيجتازون الصعاب. الأمر الذي يظل مقعدا هو مستقبل إيران، ويغضب ذلك الإيرانيين خاصة عندما يرون المتشددين والمقربين منهم وهم يجمعون المال ويتهربون من نظام العقوبات. تلك هي نقطة ضعف النظام.
(عن الشرق الأوسط)