ما كان ?حد من المشتغل?ن بالشأن العام أن يطرح على نفسه السؤال أع?ه، المشفوع بع?مة التعجب، عن مآ?ت "الرب?ع العربي" وس?رورته الملتبسة، و? أن يسائل مراقب غ?ره عما تكون لديه من تقديرات حول س?اقات ھذا المخاض الشعبي الهائل، خ?ل العام?ن ا?ول?ن من عمر ما أطلق عل?ه الغرب تسم?ة تحاكي العنوان المختصر المف?د، الذي سبق أن أطلقه الغرب ذاته على التحول الذي شهدته دول أوروبا الشرق?ة غداة انقضاء عصر الحرب الباردة، أوائل عقد التسع?ن?ات من القرن الماضي.
أما ال?وم، وبعد دخول ا?نتفاضات العرب?ة بداية العام الرابع من عمرھا الذي قد يطول كث?را، وحدوث عدد من ا?رتكاسات فيها، فإن السؤال يبدو وج?ها، ويغدو طرحه بصوت مرتفع أكثر وجوباً مما كان عل?ه ا?مر، قبل أن تذبل أزھار ھذا الرب?ع، وتتحطب معظم أغصان شجرته الذابلة، التي ظللت في بداية ا?مر أغلب الف?افي والقفار في ھذه الصحراء المسكونة بالقهر وا?نظمة المناھضة بتكوينها التاريخي لرياح الحداثة وق?م الديمقراط?ة.
ول?س من شك في أن ا?جابة عن سؤال "الرب?ع العربي"، أو قل ا?نتفاضات الشعب?ة العرب?ة، تختلف باخت?ف الرؤى والمصالح والمقاربات ب?ن كل المخاطب?ن بهذه الظاھرة التي فاجأت العرب أكثر مما فاجأت العالم؛ إذ وصفها في ح?نه كاتب سعودي مرموق، أنها الظاھرة ا?عظم في تاريخ ا?مة منذ عهد الرسالة النبوية في مكة، ف?ما شّخصها ا?يران?ون على أنها امتداد لثورة آية ? الخم?ني، ب?نما انبهر بها الغرب ودعا إلى التعلم من دروسھا الثم?نة.
ومع أن المرارة تعقد ا?ن حلوق كث?رين ممن ھللوا لهذه الحركات التي غ?رت واقع المنطقة وبدلت من خصائصها التي عاندت مسارات الحرية والديمقراط?ة لعقود طويلة، وذلك بعد أن رأوا بأم الع?ن ما شاب سائر ھذه ا?نتفاضات من مظاھر سلب?ة، وما رافقها من ارتدادات مث?رة، نقول مع ذلك كله، فإن قلة قل?لة ما تزال تعتقد أن ما حدث في العالم العربي، منذ الشرارة التونس?ة، ما كان مقدراً له سلفا أن يس?ر على الصراط المستق?م بصورة تلقائ?ة، و? أن يمضي قدماً ب? عوائق قوية، موضوع?ة كانت أم مصطنعة.
إذ يستحضر ھذا النفر القل?ل من المثقف?ن والباحث?ن إلى الذاكرة الجمع?ة، وھم يشخصون دينام?ات "الرب?ع العربي"، بعض فصول ما شهدته الثورة الفرنس?ة التي كلفت أصحابها مئات آ?ف القتلى والمشردين، وما وقع في الثورة البلشف?ة الكبرى من فصول مأساوية مماثلة، ناھ?ك عما حدث في الثورة ا?يران?ة من وقائع سفحت من دماء أبناء الثورة أكثر مما اقتصت به رقاب خصومها وأعدائها، ا?مر الذي جعل الممسك?ن على جمر التفاؤل بمستقبل ا?نتفاضات العرب?ة ووعودھا المعلقة في أفق قريب، يرفضون ا?نس?اق وراء المبشرين بغروب شمس ھذه الظاھرة التاريخ?ة الواسعة والعم?قة.
ولعل مرد ھذا التخبط الذي يشهده ما اصطلح على تسم?ته بالرب?ع العربي، وما يش?عه ا?ستعصاء الراھن من تشاؤم مبالغ ف?ه، يعود في جوھر ا?مر إلى علت?ن أساس?ت?ن، لم يشهد نظ?راً لهما رب?ع أوروبا الشرق?ة على سب?ل المثال.
أو?ھما، دخول حركات ا?س?م الس?اسي على خط الحراكات الشعب?ة العرب?ة، ومن ثم اختطاف ھذه الحراكات لصالح أجندات خاصة غ?ر ديمقراط?ة. وثان?تهما، ظهور رايات الصراع المذھبي بصورة مفاجئة، كمعادل موضوعي لظاھرة تطرف مكافئة، وذلك على نحو ما تتجلى عل?ه الحال في صفحة ا?نتفاضة السورية.