ما بين انفجار "عين مريسة" وسط بيروت الذي أودى بحياة محمد
شطح الوزير السابق ومستشار سعد الحريري وانفجار الضاحية الجنوبية الجديد في قلب المربع الأمني لحزب الله، تزداد خشية
اللبنانيين من استمرار حمل بلدهم صفة "صندوق بريد" تُمرر عبره الرسائل الإقليمية والدولية تبعا لمصالحها.
أسبوع واحد فصل ما بين الانفجارين، وهو ما دفع المراقبين إلى الإشارة إلى مدى ارتباط ما يجري في لبنان باستحقاقين مهمين خلال الفترة القادمة، الأول محلي باتجاه تشكيل الحكومة الجديدة والجدل المتصاعد بشأنها، والثاني باتجاه الملف السوري واقتراب موعد مؤتمر "جنيف 2" ومحاولة أطراف إقليمية تسجيل أكبر قدر من النقاط على الطرف الآخر في معادلة دموية وقودها المواطن اللبناني البسيط.
استحقاق الحكومة اللبنانية الجديدة يأتي على وقع اشتداد وتيرة الخلاف بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار في ظل تسريبات تتحدث عن مضي الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام إلى إعلان حكومة مصغرة وغير حزبية من أربعة عشر وزيرا ينظر إليها فريق الثامن من آذار وحلفاء النظام السوري كأداة لعزل حزب الله عن المشهد او على الأقل تحجميه.
أما اقليما، فيرى مراقبون أن التوتير الأمني في لبنان لا يمكن فصله عن ما يجري عسكريا في
سوريا وذلك لتحقيق ما يمكن وصفه باليد العليا قبيل مؤتمر "جنيف 2" ليكون الضغط الأمني إلى جانب الضغط السياسي لحصد ما يمكن حصده من مكاسب.
في انتظار الاستحقاقات
"عربي 21" استطلعت آراء مراقبين حيال ما يجري في لبنان ومدى ارتباطه بالملفات السياسية الداخلية والخارجية، حيث ثمة إجماع على صعوبة فصل ما يجري ميدانيا عن التطورات السياسية سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي.
الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين يرى أنه من الصعب فصل التفجيرات التي تضرب لبنان بين الحين والآخر عن ملفي الحكومة أو تداعيات الأزمة السورية، "سواء وقف خلف التفجيرات جهة أو أكثر"، مضيفا أن "هذا المناخ في لبنان ملائم لحصول مثل هكذا احداث أمنية".
ويضيف الأمين لـ"عربي 21" أن "كل ما يجري حاليا من عمليات ترتبط بتداعيات الأزمة في سوريا، والخلاف الحكومي في لبنان قائم على عنوان سوريا، من جهة هل ينسحب حزب الله من سوريا ام لا".
بدوره، المحلل السياسي فيصل عبد الساتر يتفق نسبيا مع الأمين من حيث علاقة ما يجري ميدانيا مع التطورات السياسية، غير أنه يوضح قائلا: "عملية فصل أو ربط ما يجري في لبنان مع الملفات السياسية لا يستطع أن يحسم بها أحد بشكل كامل، والمنفذ أكثر من جهة بهدف دخول الساحة اللبنانية وصب الزيت على النار".
ويتابع عبد الساتر لـ"عربي 21": "بالطبع الخلاف السياسي في لبنان يساعد على تكرار هذا الأحداث كما أن الخلاف اللبناني حيال الملف السوري يشكل مناخا خصبا لهذه الأحداث"، مشددا على أنه "مهما تعددت الاحداث الأمنية فإن الهدف واحد وهو خلق مزيد من الفتن في المنطقة".
لبنان صندق بريد
وحيال مدى تحول لبنان إلى صندوق بريد لاستلام الرسائل الإقليمية والدولية أو توصيلها، يؤكد علي الأمين أن هذا الأمر وارد، غير أنه استدرك بالقول إن "الأطراف الداخلية لم تعد تتحكم بالأمور، بمعنى أن التحدي أصبح يتجاوز قدرتها، وداعش وجبهة النصرة أعلنت إنهما سيدخلان لبنان لفتح معركة مباشرة مع حزب الله".
ويضيف الأمين: "لا شك أن تداعيات الأزمة السورية إقليمية ودولية، وبشكل صريح نقول إن هناك معركة إيرانية-سعودية ساحتها لبنان إضافة إلى العراق وسوريا، وربما يكون جنودها داعش والنصرة وحزب الله (..)كما أننا لا يمكن إغفال العامل الإسرائيلي ودور بشكل أو آخر باستنزاف لبنان وسوريا".
من جهته يرى فيصل عبد الساتر في هذا السياق أن مصطلح "صندوق بريد" الذي ظهر بكثافة في سبعينيات القرن الماضي "أصبح خلف ظهورنا، ونحن الآن أمام واقع جديد، والأمور ليست بهذه البساطة، حيث أن هناك أطرافا سياسية لبنانية تحتضن البيئات التكفيرية أو تساعد على خلق مناخات مشجعة لها".
ويضيف عبد الساتر: "التكفير ليس ديني فقط، بل هناك تكفير سياسي يعمل على إقصاء الآخر وتحقيق مشروع يدمر الدول في المنطقة، لذا يجب على اللبنانيين أن يتحلو بمزيد من الواقعية ولا يجعلنا كلبنانيين عابري سبيل أو صناديق لتمرير الرسائل".
المستقبل وعرقنة لبنان
وحيال قادم الأيام، يختلف الأمين وعبد الساتر في تشخيص المستقبل، ما بين تأكيد على مزيد من التوتير الأمني طالما بقيت العوامل السياسية الداخل اولخارجية ماثلة، وبين تقليل من حتمية الانفجار الأمني بالمراهنة على التوافق السياسي داخليا.
وفي هذا المقام، يرى علي الأمين أن "الأمور تذهب نحو مزيد من التعقيدات، ونتوقع أن نشهد مزيدا من التفجيرات والاستهدافات حيث لا يشعر المراقب وحتى المواطن أن ثمة عمل يجري الاستعداد على صعيد الدولة اللبنانية لوقف هذه الأحداث الأمنية أو مواجهتها".
ويرى الأمين أن حزب الله غير مستفيد من استمرار التدهور الأمني "لا سيما أن العملية الأخيرة هي الأولى بعد الإجراءات الأمنية الجديدة في الضاحية الجنوبية، وحزب الله لم ينجح في حماية لبنان، بل وحتى حماية منطقته سواء اتفقنا مع مبرراته أو عارضناها لجهة تدخله في سوريا".
ويبدي الأمين خشيته من خطورة التفجيرات الأخيرة، حيث أن "خطورتها تكمن في أن من يقف خلفها لا يريدها على ما يبدو أن تكون عمليات أمنية احترافية تستهدف رموزا، بل القصد هو تفجير التفجير (..) واللبنانيون يخشون الآن من أن يكون بلدهم متجه إلى نموذج عراقي حتى بات السؤال لدى المواطن أين سيكون التفجير التالي".
أما فيصل عبد الساتر فيرى أن "الآتي لا يستطيع احد التنبؤ به"، غير أنه يدعو إلى أن تشكل هذه التفجيرات والأحداث الأمنية، "حافزا لرئيس الجمهورية بأن يدعو القوى السياسية لطاولة الحوار للعمل على نزع فتيل الانفجار الذي لن يكون فيه رابح في حال وقع"، وان تكون التفجيرات كذلك"عامل تحفيز لكل اللبنانيين إلى الالتقاء والحوار والاجتماع حول جملة من الخطوات الكفيلة بتعزيز الجبهة الداخلية".