قالت صحيفة بريطانية إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يقوم بتمويل "
القاعدة" عن طريق لعبة معقدة. ونقل التقرير معلوماته عن أجهزة استخبارات غربية ورجال معارضة ومنشقين عن "القاعدة".
وأشارت مصادر استخباراتية إلى أن "جبهة النصرة" والدولة الإسلامية في العراق والشام (
داعش) -وهما الجماعتان الأكثر تطرفا وتنشطان في
سوريا- مولتا عملياتهما عن طريق بيع النفط والغاز من الحقول التي تقع تحت سيطرتهما، للنظام السوري وعن طريقه.
ونقلت صحيقة "
ديلي تلغراف" عن مقاتلين ومنشقين عن الثوار تأكيدهم أن النظام السوري قام بإطلاق سراح متطرفين ليقوي صفوف الجهاديين على حساب الثوار المعتدلين، بهدف إقناع الغرب بأن "القاعدة" هي من تدعم الثورة كوسيلة لإيقاف أي دعم غربي لهم.
وجاءت اتهامات المصادر الاستخباراتية الغربية التي تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها، كرد جزئي على اشتراط الأسد تحويل مفاوضات "جنيف" من حديث تغيير النظام إلى الحديث عن التعاون ضد "القاعدة" في سياق "الحرب على الإرهاب".
وقال مصدر استخباراتي: "إن توعّد الأسد بأن يضرب الإرهاب بيد من حديد لا يعدو كونه نفاقا مفضوحا، ففي الوقت الذي يتاجر فيه الأسد بخطاب المنتصر حول مكافحة الإرهاب يقوم نظامه بعقد صفقات معهم لخدمة مصالحه والمحافظة على بقائه".
وحسب المعلومات الاستخباراتية، فقد بدأ تعاون النظام مع "القاعدة" في ربيع 2013 عندما سيطرت جبهة النصرة على حقول النفط في دير الزور شرقي البلاد، وبدأت بتمويل عملياتها عن طريق بيع النفط الخام بملايين الدولارات.
وقال المصدر: "يدفع النظام لجبهة النصرة لحماية أنابيب النفط والغاز التي تقع تحت سيطرتها في شمال وشرق البلاد، والسماح بنقل النفط للمناطق التي يسيطر هو عليها، كما أننا بدأنا برؤية أدلة على سيطرة "داعش" على منشآت نفط وغاز".
ومع أن المصدر يعترف بأن القاعدة والنظام على طرفي نقيض، إلا أن هناك علاقة انتهازية بينهما، مضيفا أن الصفقات تشير إلى أن نظام الأسد تسبب في صعود القاعدة في سوريا.
وقد استاء العديد من الدبلوماسيين الغربيين لدى سماعهم أن وفدا رسميا بقيادة ضابط (إم آي 6) متقاعد زار دمشق لفتح العلاقات من جديد مع نظام الأسد.
ولا شك أن الغرب قلق من وجود القاعدة في صفوف الثوار على نظام الأسد، ما جعل واشنطن ولندن توقفان مساعداتها للثوار في سوريا.
ولكن غضبهم أيضا جاء بسبب تمكن بشار من التحايل عليهم، والذي تنقل خلال فترة حكمه بين محاربة المتطرفين الإسلاميين والعمل معهم.
فبعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، تعاون النظام السوري مع الولايات المتحدة في برنامج تسليم المتطرفين المشتبه بهم. وبعد غزو العراق ساعد قيام القاعدة في غرب العراق كجزء من محور مقاومة الغرب، وعندما بدأت القاعدة بقتل الشيعة في العراق والذين تدعمهم حليفته إيران بدأ باعتقالهم ثانية.
وعندما بدأت الثورة ضده تحول مرة أخرى وبدأ بإطلاق سراح معتقلي القاعدة، حيث يقول ناشط سوري إنه أطلقهم في نفس الوقت من معتقل صيدنايا قرب دمشق ضمن عفو عام.
ويقول الناشط مازن: "لم يكن هناك أي توضيح لماذا أطلق سراح الجهاديين، وقد رأيتهم يعرضون على التلفزيون السوري الرسمي متهمين بأنهم من جبهة النصرة، وقاموا بتفجير سيارات مفخخة.. هذا مستحيل لأنهم كانوا معي في السجن في الوقت الذي حصلت فيه التفجيرات التي يُتهمون بها. إنه كان يستخدمهم لدعم ادعاءاته بأن الثورة قائمة على متطرفين".
وأكد ناشطون آخرون كانوا مسجونين في صيدنايا ما قاله مازن. كما أن المحللين تعرفوا على عدد من المساجين الذين أطلق سراحهم، والذين يقودون الآن مجموعات متطرفة مثل "جبهة النصرة" و"داعش" و"أحرار الشام" التي حاربت مع "جبهة النصرة"، لكنها الآن تحولت ضد "داعش".
وقال سجين سابق، إنه كان مسجونا مع أبو علي الذي يرأس المحكمة الشرعية التابعة لـ"داعش" في الرقة.
وقال آخر إنه يعرف قيادات في الرقة وحلب كانوا مسجونين معه في صيدنايا حتى أوائل 2012. وهؤلاء الرجال هم من قادوا عملية اختطاف الثورة من النشطاء المدنيين والضباط المنشقين والثوار الإسلاميين المعتدلين.
وكان للمخابرات السورية تاريخيا علاقات وثيقة مع الجماعات المتطرفة. ففي مقابلة مع التلغراف قال مسؤول المخابرات المنشق نواف الفارس، إنه كان جزءا من عملية لتهريب المتطوعين الجهاديين للعراق من سوريا بعد اجتياح 2003.
يقول أرون لند محرر موقع "سوريا في أزمة" التابع لوقفية كارنيجي: "لقد نجح النظام في تحويل الثورة إلى إسلامية. وكان إطلاق سراح السجناء من سجن صيدنايا مثالا جيدا على ذلك. يدعي النظام بأنه أطلق سراح السجناء لأن الأسد عفا عنهم، ولكن يبدو أن الأمر كان أبعد من ذلك. فليس هناك أعمال خير جزافية من هذا النظام".
كما أن الثوار من داخل ومن خارج "داعش" يعتقدون أن النظام يتعمد تركيز ضرباته للمجموعات غير المتطرفة ويترك "داعش وشأنها".
ويقول أحد المنشقين عن "داعش" ويسمي نفسه "مراد": "كنا واثقين من أن النظام لن يضربنا ولذلك كنا ننام مطمئنين في قواعدنا".
وركزت "التلغراف" في افتتاحيتها حول الأزمة السورية على أهمية الوعي بخطاب نظام الأسد في المؤتمر الدولي المنعقد غدا في "مونترو".
وقالت الصحيفة إن الأسد يحاول تصوير الحرب في سورية على أنها حرب بين نظامه و"الإرهاب"، وأنه والحالة هذه أهون الشرين.
وأشارت لما ورد في التقرير عن قيام الأسد بالتعاون مع القاعدة وإطلاقه سراح الجهاديين حتى يحصل على تأثير داخل المعارضة، ما يعطي صورة عنه أنه انتهازي ووحشي في الوقت نفسه.