كتبت كل من ميشيل دنان وتوماس كاروثرز من وقفية كارنيجي للسلام مقالا في "
واشنطن بوست" حول الأوضاع في
مصر وموقف الإدارة الأمريكية من
الانقلاب. وجاء فيه أن إدارة باراك اوباما تعبر عن رغبتها بتعزيز الديمقراطية في مصر، لكن الأحداث الأخيرة هناك وخلال نصف عام من تدخل الجيش تعطي عكس ذلك، فالإدارة في سعيها لتشكيل سياستها تبدو؛ إما ساذجة بشكل خطير، أو تسير في الاتجاه الخطأ.
وقال الباحثان إن استمرار الإدارة الأمريكية في الإشارة لما يجري في مصر باعتباره "عملية تحول ديمقراطي" يمثل إشكالية خاصة عندما يترافق الحديث عنها "بالتقدم في خريطة الطريق المصرية"، أو "الأهداف المشتركة" بين الولايات المتحدة ومصر. ويقول الكاتبان في "أضعف الإيمان، تبدو الإدارة معزولة عن الواقع"، وأسوأ من ذلك هي إشارات الإدارة المتكررة- ولا أحد يشكك في حسن نيتها- التي تعطي انطباعا بأن الولايات المتحدة تعمل العكس، من خلال دعمها لمشروع الجيش المصري، وتسير معه في وصف ما يقوم به بأنه عملية ديمقراطية.
ووجه الباحثين لموقف الإدارة الأمريكية نابع من أنه لا يوجد شيء اسمه "عملية تحول ديمقراطي". وأن هناك مشكلة في استمرار الولايات المتحدة في الحديث عن دعم عملية التحول، لانه لا توجد عملية تحول ديمقراطي في مصر. فقد كان هذا التعبير مقبولا وذا دلالة لو تم في مرحلة ما بعد سقوط حسني مبارك في شباط/ فبراير 2011، حيث شهدت المرحلة هذه منافسة سياسية مفتوحة رغم الخطوات اللاديمقراطية من اللاعبين في الساحة. وربما كان هناك تحول ديمقراطي وبشكل قصير في المرحلة التي تبعت الإطاحة بمرسي. لكن الأشهر الأخيرة أظهرت اللون الحقيقي للمشروع العسكري في مصر. فعبر سلسلة من القوانين والأفعال والأوامر التي تنتهك الحقوق الأساسية لحقوق الإنسان والحريات وتقوم بتقييد مساحة العمل السياسي، قامت الأجهزة الأمنية بتحديد حدود الديكتاتورية الجديدة في مصر. وأشارا إلى الاستفتاء العام على الدستور الذي يمنح الجيش استقلالية وحقا في تقديم المدنيين أمام محاكم عسكرية.
ويشير الكاتبان إلى أهمية اختيار العبارات المناسبة لوصف الوضع في مصر. فالتشريع الأخير في الكونغرس يقول إن مليار دولار كمساعدات لمصر يمكن الإفراج عنها لو قام وزير الخارجية بالشهادة بأن الحكومة المصرية تقوم "باتخاذ الخطوات الصحيحة لدعم عملية التحول الديمقراطي". أما المبلغ المتبقي من الدعم وهو نصف مليار دولار، فسيتم صرفه في حال أصدر وزير الخارجية شهادة مماثلة عن الحكومة المصرية بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي من المقرر عقدها في الأشهر المقبلة. ويرى الباحثان أنه على خلاف التشريعات السابقة، فالإدارة قد لا تلغي تلك الشروط إن اقتضت مصلحة الأمن القومي ذلك. وقد تأخذ احتياطات معينة من ناحية الحديث عن بعض الملامح السياسية المصرية، وفي الوقت نفسه تقوم بالتقليل من الخطوات التي دفعت الديمقراطية المصرية نحو الانتكاس، مثل عمليات القمع ضد الإسلاميين والنقاد العلمانيين للجيش. ولكن هل ستكون هذه الخطوات حكيمة من جانب الإدارة، وهل سترضى بها اللجان المعنية في الكونغرس؟
ويدعو الكاتبان الإدارة إلى التوقف عن وصف الأوضاع السياسية في مصر على نحو لا يمت إلى الواقع بصلة، وأن تصف مع الكونغرس الأمور بما يجب أن توصف به، أي بدقة. وفي الوقت الذي تواصل فيه الإدارة البحث عن طرق لدفع التعددية والانفتاح والعدل في مصر، فإنها يجب أن تتوقف عن استخدام اللغة التي يمكن أن يُفهم أنها تدعم الواقع السياسي الحالي. لأن "توضيح عباراتنا يساعد في توضيح سياساتنا".
ويقول الكاتبان إن الأدارة قد تشعر أنها مجبرة على الحفاظ على نوع من التعاون مع مصر، ولدعم الشعب المصري مباشرة من خلال التعليم أو أي دعم آخر، ولكن يجب أن توضح أنها تقوم بذلك رغم عدم رضاها عن الطريق التي يسير بها الجيش، وقلقها على أثر تلك الطريق على الشعب المصري والمصالح الأمريكية، وما سينتج عن هذه الخطوات من تنشيط للتطرف الإسلامي.
وعلى واشنطن عدم التظاهر بأن بعض الإجراءات الديمقراطية الفارغة، مثل الاستفتاء الأخير، وبشكل متساوٍ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القاصرة تمثل عودة لشعار ثورة 2011 "خبز، حرية وعدالة اجتماعية".
وختاما يرى الكاتبان أن تحقيق الديمقراطية في مصر سيعزز مصالح الولايات المتحدة الرئيسة على المدى البعيد، وكذا السلام مع إسرائيل، ويعمل أيضا على احتواء التطرف والعنف. ولا يمكن تحقيق ذلك بدون عملية سياسية تعددية تحترم طموحات المصريين، ورغبتهم في التعبير عن صوتهم وإحقاق العدالة والمحاسبة، مما سيؤدي إلى إنهاء عمليات الاعتقال والاحتجاجات الجماهيرية، ووقف النزعة نحو التطرف. ويقول الكاتبان إن دعم
الديموقراطية المصرية ليس فعل إضافي بقدر ما هو ضرورة لأية سياسة قوية لتحقيق الامن والسلام في المنطقة.