يبحث الاخضر الابراهيمي عن الحل في بحر من الدم والفشل. هذا ما يشعر به الصحافي حين يقترب من مقر المفاوضات السورية في
جنيف. ولولا الفشل لما كانت مهمة الابراهيمي ولا المشهد الذي شهدته مدينة مونترو السويسرية حين جلس وليد المعلم وأحمد الجربا تحت سقف واحد.
يبدأ الفشل من الارض السورية نفسها. فشل الجيش السوري في سحق المعارضة. فشل في إعادة فرض سلطته على كامل الاراضي السورية. استعانته بحلفاء من الخارج حسّنت بعض اوضاعه، لكنها لم تحسم الصراع. في المقابل، فشلت المعارضة السورية في دحر النظام. الانشقاقات لم تفكك آلته العسكرية. المقاتلون الجوالون الذين وفدوا بذريعة مقاتلة النظام تحولوا عبئاً على المعارضة واضطرت الى مقاتلتهم.
فشلت الدول الاقليمية الرئيسية في وضع اطار يحاصر النار السورية تمهيداً لإطفائها. استدرجها النزاع السوري خصوصاً حين احتل موقعه على خريطة النزاع الشيعي - السنّي. انخرطت بدرجات متفاوتة وبدت سورية مسرحاً لنزاع اكبر منها. الإطفائي الاقليمي غير موجود.
فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار يمنع سورية من الانحدار في اتجاه الهاوية. احبطت
روسيا جملة محاولات غربية. كان يمكن تهمة استخدام السلاح الكيماوي ان تكون قاتلة للنظام السوري. قدم له لافروف طوق النجاة. التقط سيد البيت الابيض العرض. لا يريد ارسال الجيش الى حرب جديدة. بدا جلياً ان القيادة الاميركية للعالم مصابة بعطل واضح في المكتب البيضاوي. تقدم فلاديمير بوتين موقظاً شيئاً من ممارسات الحرب الباردة. في المقابل، فشلت روسيا ومعها ايران في تمكين النظام السوري من الحسم. تداخل ملف الازمة السورية مع ملف المفاوضات الاميركية - الايرانية. من يسجل نقاطاً في الثاني لا يستطيع تفادي قدر من التنازلات في الاول.
من اهوال اليوميات السورية والفشل المتعدد الأطراف ولدت فكرة جنيف. تفاهم اميركي - روسي على عدد من المبادئ، بينها اعتبار الحل السياسي الخيار الوحيد للخروج من الازمة والعمل لمنع انهيار مؤسسات الدولة السورية العسكرية والأمنية وتشكيل هيئة حكم انتقالية غير بعيدة في مفهومها عن مجلس الحكم الذي شكل غداة اقتلاع النظام العراقي مع الالتفات الى الفوارق الكثيرة. لكن الفترة الفاصلة بين «جنيف 1» و «جنيف 2» اظهرت ان التفاهم الاميركي - الروسي ليس كاملاً وأن الشيطان يكمن في ما هو ابعد من التفاصيل.
في جنيف كل شيء يوحي ان المفاوضات ستكون طويلة ومريرة. هذا ما يستنتجه الصحافي اذا تحدث الى الطهاة الدوليين الموزعين في الممرات. والطهاة معروفون وحاضرون. روبرت فورد السفير الاميركي السابق في دمشق. وإريك شوفالييه السفير السابق في المكان نفسه. وجون ولكس المبعوث البريطاني الى الازمة السورية. والسفير التركي السابق في دمشق عمر اونهن. ألمانيا ليست غائبة وكذلك السويد. لكن ثمة من يعتقد ان لافروف يستحق لقب كبير الطهاة.
يتفق الطهاة على الاهمية الرمزية والفعلية لجلوس المعلم والجربا تحت سقف واحد. تسمع في الممرات «ان الامر في النهاية في يد السوريين انفسهم». كأنهم يغسلون ايديهم سلفاً من الاهوال المقبلة في سورية «قبل ان يشعر كل من الطرفين بأنه ضعيف ومستنزف وعندها تنطلق المفاوضات الفعلية». وتسمع ايضاً ان المشكلة هي ان النظام السوري غير قابل للإصلاح وأن فتح كوة صغيرة في جداره يعني الانهيار. ثمة من يلمّح الى ان الحل قد ينتظر خليفة اوباما في البيت الابيض. هذا فظيع.
يستطيع الطهاة الانتظار طويلاً في الممرات والردهات. ولكن ماذا عن السوريين المبعثرين على اطراف بلادهم المشتعلة. ماذا عن السوريين العالقين على ارض وطنهم يتقلبون على نار الطهاة.
(الحياة 25/1/2014)