يعرف الاخضر الابرهيمي انه يشرف على طبخة بحص في
جنيف. يعرف أيضاً ان النار التي تجعل من البحص صالحاً للأكل ستشتعل في مكان آخر، تحديداً في منتجع "
سوتشي" حيث سيلتقي باراك أوباما مع فلاديمير بوتين بعد ايام، وليس سراً ان هناك محادثات هاتفية بينهما تواكب اعمال مؤتمر "جنيف 2"، لكنها تركز بالتحديد على حل المعضلة المعقدة التي تواجه المؤتمر.
يحاول اوباما نزع اللغم الذي دسه سيرغي لافروف في حزيران عام 2012 في اتفاق "جنيف 1"، عندما لم يوضّح مصير الرئيس بشار الاسد في سياق الحل وعملية "الانتقال السياسي"، التي كانت امس موضوع البحث في المفاوضات، حيث قدم الوفدان السوريان تفسيرين متناقضين تماماً، حاول الابرهيمي عبثاً بناء تفسير ثالث بينهما، في حين يكرر فيصل المقداد ما اعلنه وليد المعلم من ان الاسد والنظام خط احمر، وانه لن يتم تسليم الحكم الى المعارضة في جنيف، واذا اعتقد البعض انهم قدموا الى هنا لنسلمهم مفاتيح دمشق فهم مخطئون !
لا يملك الابرهيمي ولا غيره اي اوهام في ان مؤتمر جنيف هو الواجهة الضرورية للاستعراض التفاوضي، وان الحلول موضوعة على النار في مطابخ أخرى:
كيف يمكن اقناع الروس بأن يقوموا باقناع الاسد بأن لا يترشح للانتخابات المقبلة قبل ان تنتهي ولايته، وكيف يمكن اقناع الايرانيين بان يتراجعوا عن اعلانهم تأييد ترشّح الأسد... ثم كيف يمكن تغطية كل هذه الطبخة بشعار "الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره"؟!
قياساً بما جرى في الايام الخمسة الماضية في جنيف، لا يمكن الحديث سوى عن جليد لم يتكسر. صحيح ان جلوس الوفدين متقابلين يمثل اعترافاً ضمنياً بوجود المعارضة، لكن فيصل المقداد حرص منذ البداية على حذف المعارضة بالقول: "نحن لسنا وفد النظام بل وفد سوريا، ولكأن المفاوضات تتم مع قوى غير سورية!
ولهذا يستطيع الابرهيمي ان يبدأ البحث عبر حمص اولاً مركّزاً على المسائل الانسانية التي لا يستطيع الطرفان التنكر لها امام اعين العالم، لكن هذا لن يصنع حلولاً، والدليل ان وفد النظام يشكك يومياً في القيمة التمثيلية لوفد المعارضة، ثم ان المدخل الى اي اتفاق يبدو متناقضاً تماماً بين ان يكون "الانتقال السياسي" مدخلاً، او ان تكون محاربة الارهاب هي المدخل.
والازمة ليست بين نظام يذبح السوريين منذ ثلاثة اعوام وبين معارضات تقاومه، انها ازمة مركّبة ومتداخلة على مستويات اقليمية ودولية، لهذا يحتاج المراقب الى كثير من الاوهام كي لا يرى ان نار الابرهيمي مشتعلة تحت البحص في جنيف بينما الطبخ يتم بين الاميركيين والروس، وفق معايير تستطيع القوى الاقليمية ان تبتلعها!
(النهار اللبنانية)