نشرت صحيفة "
نون بوست" (موقع أخبار تفاعلي عربي مستقل يعنى بالصحافة الإلكترونية والإعلام الرقمي ويشجع الحوار وحرية التعبير) تقريرا مترجما عن صحيفة "العالم" الألمانية تحت عنوان "
الجيش المصري هو القوة الاقتصادية الحقيقية في مصر"، حيث كتبت صحيفة "العالم" (Die Welt) الألمانية، أن الجيش المصري يسيطر على نحو 45% من الاقتصاد المصري.
وأكدت الصحيفة أنه بعد خلع مبارك وتولي المجلس العسكري زمام الأمور بقيادة المشير حسين
طنطاوي البالغ من العمر 75 عاما، فإن المجلس عمل بكل ما لديه من قوة على حماية تلك المصالح الاقتصادية المربحة، التي جعلت من الجيش إمبراطورية تجارية وأحد أهم العوامل المؤثرة في اقتصاد البلاد.
وأكدت الصحيفة أن الجيش المصري يمتلك المئات من الفنادق والمستشفيات ومصانع التعليب والنوادي والمخابز، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العاملين في ما لا يقل عن 26 مصنعا تقوم بتصنيع السلع الاستهلاكية للمصريين، مثل الثلاجات والتلفزيونات والحواسيب، بالإضافة إلى تصنيع عربات القطار الجديدة للسكك الحديد، وسيارات الإطفاء. ويعمل، كذلك، على توفير محطات حرق النفايات ومياه الصرف الصحي إذا تطلب الأمر، وكل ذلك يصب في النهاية عند الجيش وطنطاوي.
ونقلت الصحيفة عن الخبير في شؤون الشرق الأوسط، روبرت شبرنجبورج (Robert Springborg)، أن الجيش صار أشبه بالإمبراطورية التي تشغل مئات الآلاف من المدنيين وتجني مليارات الدولارات، وأن الجيش أصبح كالشركة التي لا تخوض حروبا في الخارج ولكن تعمل على سد استهلاك المدنيين. كما أن وزير الدفاع أصبح يعمل كمدير لتلك الشركة وبدلاً من التفكير في المسائل العسكرية أصبح وزير الدفاع مشغولاً طول الوقت بإدارة أعماله التجارية.
حتى المستثمرون الراغبون بالاستثمار في القطاع الخاص، سواء في الاستثمارات العقارية أو المنتجعات السياحية على طول البحر الأحمر مثلاً، فإن عليهم استئجار مساحات الأراضي المطلوبة من وزير الدفاع.
وذكر شبرنجبورج، الذي يعمل أستاذاً في كلية البحرية الأمريكية في كاليفورنيا، أن تلك المصالح التجارية يمكن أن تكون الدافع وراء عدم قمع الجيش للثورة من اللحظة الأولى. فالثورة ومشاهد الدماء في البلاد هما أمر سيء جدا بالنسبة لأي رجل أعمال. وأضاف أن المؤسسة العسكرية بقيادة طنطاي عملت على عدم وصول أي رئيس مدني حقيقي للسلطة حتى لا يتم الكشف عن تلك السجلات.
وقالت الصحيفة، إنه منذ أن أسقط الجيش المصري الملكية في 1952 وجميع رؤساء الجمهورية يأتون من الجيش (نجيب، عبد الناصر، السادات، مبارك) ويرجع الفضل في تضخم الإمبراطورية الاقتصادية للجيش المصري إلى الحدث التاريخي الذي شهده عام 1979، وهو "اتفاقية كامب ديفيد" التي منذ إبرامها بدأ الجيش في الاستثمار في كل شيء في البلاد، بدءاً من الزراعة إلى بناء الطرق والكباري والاستثمار العقاري والصناعات الإلكترونية، مروراً بمصانع اللبن والدجاج ومزارع تربية العجول والأبقار ومزارع الخضروات والفاكهة ومصانع المعلبات والمزراع السمكية.
السياحة مصدر ثروة كبار الضباط
بالإضافة إلي كل تلك المشروعات المربحة، فقد اقتحم الجيش المصري مجال السياحة بقوة، وراح كبار قادة القوات المسلحة يتملكون ويديرون كبريات الفنادق والقرى السياحية في شرم الشيخ، وهي المشروعات التي قالت الصحيفة إنها بدأت منذ عهد المشير عبدالحليم أبو غزالة (وزير دفاع مصر في أواخر عهد أنور السادات وبدايات عهد مبارك) الذي بدأ مسيرة القوات المسلحة الاقتصادية. لكن مبارك لم يلبث أن عزل "أبو غزالة" في عام 1989 من منصب وزير الدفاع، لحرص مبارك على إقصاء كل منافسيه على السلطة، وخوفاً من شعبية أبو غزالة المتزايدة من جهة، ولشيوع رائحة الفساد في إمبراطورية الجيش الاقتصادية التي يشرف عليها أبو غزالة.
وزير الدفاع الجديد يوسف صبري أبو طالب، كان مختلفاً عن أبي غزالة وكان يسعي لإبعاد الجيش عن أي مشروعات اقتصادية غير مرتبطة بالدفاع وتنافس القطاع الخاص. وأكد أبو طالب أنه سيحارب الفساد في المؤسسة العسكرية، لكن الرجل لم يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه حيث تمت إقالته عام 1991، ربما لنواياه تلك!
وتم تعيين محمد حسين طنطاوي بدلاً منه، وهو الرجل الذي رفض كل محاولات حل الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، بل على العكس من ذلك؛ فقد قام الجيش في العشر سنوات الأخيرة بالسيطرة على العديد من الشركات الحكومية التي تم خصخصتها أو تعاون مع مالكيها الجدد.
الجيش تسبب في غنى الكثيرين
بلا شك، أن إمبراطورية العسكر الاقتصادية، ساهمت في تحقيق ازدهار اجتماعي واقتصادي للكثير من المواطنين المصريين الفقراء. بل إن تلك الإمبراطورية حققت الرفاهية لرؤساء كعبد الناصر والسادات ومبارك وعمر سليمان، الذين جاؤوا جميعاً من عائلات متوسطة الحال ثم صاروا من الأغنياء. كما أن تلك الإمبراطورية حققت نسبة تشغيل عالية للعاطلين المصريين حيث تعتبر تلك الإمبراطورية -وقوامها 420 ألف جندي بالإضافة إلى مئات الآلاف من المدنيين- أكبر مُشغل للعمالة في مصر.
ونقلت الصحيفة عن الاقتصادي الألماني سبرنج بورج قوله، "إن التغيير الحقيقي يأتي عندما يصبح على رأس السلطة رئيس مدني ويطالب الجيش بالكشف عن سجلاته". كما نقلت الصحيفة تصريحا مماثلا لسامر شحاتة وهو أستاذ في جامعة جورج تاون "أنه لا بد لأي رئيس مصري قادم على المدى الطويل من أن يعمل على تفتيت تلك الإمبراطورية وتنحية الجنرالات بكل الوسائل الممكنة قبل الدخول في أية مواجهة".