رغم أن السذاجة السياسية لم تغادرنا نحن جيل الشباب، فهي أمر مفهوم وطبيعي كون أننا ما زلنا في طور التعلم والفهم لما يجري وأغلبنا لم يتجاوز منتصف العشرين، إلا أن السذاجة السياسية عندما تصيب كيانات ورموزا سياسية عمرها في العمل السياسي يجاوز الـ30 سنة لهو أمر مثير للبكائية ويستدعي لطميات كلطميات كربلاء..
فمن سذاجة الانخداع الإخواني بالسيسي وبالثقة التي أولاها مرسي له ولفريقه من جنرالات مردوا على النفاق والغدر، إلا أن هذه السذاجة يعالجها صمود وتضجيات كبرى على صعيد الدماء والمعتقلات، وإن كانوا برغم كل ذلك لم يغفلوا منذ البداية أن 30 يونيو كانت تحالفا فلوليا أمنيا، وإن كانت الثقة بالسيسي قائمة، وبالتالي قد يأخذون 50/100 في الفهم السياسي، وبالإخص أن قيادات داخلية اخوانية، كالبلتاجي وعلي عبدالفتاح وغيرهم، كانت دوما تحذر من الجيش، إلا أن سذاجة الصف الاول حالت دون التنبه.
لكن الملفت للنظر تلك الجلبة التي يثيرها أنصار أبو الفتوح حول موقفه من الترشح للرئاسة، وإظهاره بمظهر البطل الثائر الذي عقمت النساء أن يلدن مثله، وعجزت الثورات أن تأتي بشبيهه، وما هو بذلك! إن السطحية السياسية كانت عند أبو الفتوح مركبة. فأبو الفتوح هو أول من دعا وحزبه للتظاهر عند الاتحادية في خطوة جريئة منه لتحويل الصراع نحو استهداف الرئيس المنتخب نفسه وحصاره، وهو الذي دعم 30 يونيو مع كونها تحالفا مخابراتيا فلوليا علمانيا بامتياز لم تكن هناك شائبة لاستيعابه او فهمه، ولا معضلة كبيرة لرجل سياسة قديم لأن يستوعبه.
وامتدت تلك (السطحية/ السذاجة) للقبول بالانقلاب العسكري ودعمه ودعم صيغة الثورة فيه في البداية وتبريره وتفسيره وتعليله، الأمر الذي قد يتعدى تقديرنا له بكونه سطحية سياسية. بل إننا بذلك نبرره ونعلله ونبرأ به عن تفسيرات أقسى قد تشضهب به إلى حد التآمر والتخوين، وكل تلك الدماء التي سالت لم تمنع عن إبراز أبو الفتوح نيته أكثر من مرة في الترشح للرئاسة طالما أن المناخ مناسب. إذا لم تكن لدى أبو الفتوح مشكلة مع الوضع السياسي المترتب على الانقلاب والدماء وأن يشارك به، وإنما كل الإشكال لديه هو في المناخ!!
التقطت المؤسسة الأمنية تلك الرسائل بذكاء، وهي التي تعد منذ فترة لفتح المجال أمام
السيسي أو "عروسة ماريونت" أخرى في أسوأ الاحوال تدعى حمدين صباحي إذا سمح له ان يترشح بالاساس، وبدأت في التعريض بتحريك ملفات قضائية ضد أبو الفتوح بالتوازي مع تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية في ملف القضايا وخلافه، وتم تحريك حملة كبرى ضده تتصف بالفاشية العسكرية المعتادة. وما خفي تحت الطاولة كان اكبر.
حينها فقط اقتنع أبو الفتوح بعدم جدوى تلك المحاولات للاندماج في الوضع السياسي الذي شارك في صناعته. ومع استعار حمى التهديدات والحملات ضده اقتنع أبو الفتوح بصفرية محاولاته وعدم جدواها، فخرج لنا بمؤتمر بهي ثوري ليقول إننا في دولة الخوف، ولم يدرك ذلك إلا بعد شهور قاربت ان تصبح سنة من انقلاب دموي كان قبل أيام فقط يصف القائم عليه بالنزاهة! إن مواقف أبو الفتوح ليس ثورية وإن حاول هو وأتباعه إخراجها كذلك.. انها سذاجة اصطدمت بأرض الواقع في أحسن الأحوال!