على الرغم من مرور عشرات السنين على نيل آخر الدول العربية استقلالها، إلا أن أيا منها لم يعرف
التداول السلمي للسلطة، ولم تشهد أنظمتها تغييرا إلا عن طريق
الانقلابات العسكرية أو
الثورات الشعبية.
يقول الفيلسوف والمفكر السياسي جون ستيوارت ميل في كتابه "في الحرية": "حزب يدعم النظام والاستقرار وحزب يدعم التقدم والإصلاح، كلاهما عنصران ضروريان لحياة سياسية صحية". وهو ما لم يتوفر حتى الآن في الدول العربية التي تفتقر إلى وجود أحزاب قوية، فيما يفتقد بعضها وجود أحزاب أصلا.
وتتباين الأسباب حول غياب التداول السلمي للسلطة والأحزاب القوية في الدول العربية.
ويعتقد البرلماني الأردني والناشط السياسي الدكتور ممدوح العبادي، أن من أبرز الأسباب لتأخر المجتمعات العربية في موضوع نشوء الأحزاب القوية وتداول السلطة، "ما عاشته تلك المجتمعات من حالات غبن في ظل الحكم العثماني والاستعمار الغربي".
وقال لـ "عربي21"، إنه "في بداية هذا القرن، عندما كان الاستعمار الغربي مسيطرًا في المغرب العربي والدولة العثمانية مهيمنة في المشرق العربي، ظهرت طبقات كبار الإقطاعيـين والملاك وأصحاب العلاقات مع السلطة، التي شكّلت الكثير من الأحزاب العربية"، وزاد أن "كل هذه الأحزاب التقليدية حاربت السلطة العثمانية وحاربت الاستعمار الغربي، واستلمت الحكم".
ولفت إلى أن "طبقة اجتماعية أخرى تشكلت من مثقفين ومهنيين وإداريين، هي الطبقة الوسطى التي شكلت أحزابها الخاصة، ولأن هذه الطبقة كانت عريضة جداً، فقد ظهر من ضمنها اتجاهات
الإصلاحيين الدستوريين. ورغم أن هؤلاء كانوا يحاربون الغرب، إلا أنهم كانوا يطمحون بتشكيل أحزاب على الطريقة الغربية".
وأوضح العبادي أن البحث في تأثير الموروث الاستعماري لا يعني بالضرورة أنه المتغير الوحيد الذي يفسر تأصل ظاهرة التسلط في مجتمعات الاستعمار السابق؛ فقد نشأت بعد الحرب العالمية الثانية دكتاتوريات وأنظمة رجعية في
العالم العربي أدت إلى تأخر ظهور الحياة الحزبية.
وأوضح أن "أحزابا بدأت تظهر بشكل عام في بعض الأقطار العربية، بعضها صار له امتداد قطري وإقليمي، وبعضها ضعف لكنه لم يمت. ومازالت الأحزاب الموجودة بمجملها بعيدة عن استلام الحكم".
وألقى الأكاديمي والناشط السياسي الدكتور أنيس الخصاونة، باللائمة على الأنظمة العربية، وقال لـ "عربي21"، إن "الأنظمة السياسية العربية هي التي لعبت دورًا أساسيا في غياب الأحزاب القوية وتداول السلطة، فهي أنظمة توريثية ودول عائلات استبدادية، ومستفيدة من الوضع الراهن كما هو ولا ترى أنها بحاجة إلى الديمقراطيات".
وأشار الخصاونة إلى أن قاعدة "الحقوق تُنتزع ولا تُمنح" هي قاعدة عالمية معروفة، انطبقت على شعوب جنوب إفريقيا التي ضغطت حتى نالت حقوقها من حرية وحياة ديمقراطية.
وبيّن أن "الأنظمة تدعي تطبيق الديمقراطية، لكنها غير موجودة على الأرض فعلاً، كما هو الحال في نظام الصوت الواحد الذي تجرى وفقه الانتخابات -كما في الأردن- ويحدّ من وجود أكثرية ديمقراطية في البرلمان".
ولفت إلى أن "العلاقة الجدلية التي تربط الفرد بالدولة في المجتمع هي علاقة خضوع من جانب الفرد للدولة ومؤسساتها، وتسلط من جانب الدولة في ممارستها لوظائفها المختلفة".
وأضاف أن النظام السياسي العربي "لا يسعى إلى التطوير لئلا يخلق وعيًا سياسيًا يهدد مصالحه، وهو يقوم بتقريب طبقة معينة من الشعب يمنحها المناصب والجاه لضمان استقراره السياسي وعدم ضياع مكتسبات الوضع الراهن". وأكثر من ذلك "أنه يقاوم الأحزاب الموجودة، وإن كثيرًا من المتقدمين للوظائف لا يحصلون على فرصهم بسبب انتماءاتهم الحزبية، أو حتى لشبهات بذلك"، وفق ما قال الخصاونة.
ومن ناحية أخرى، قال الخصاونة، إن "كل دولة عربية لها تجربتها السياسية، وليس بالضرورة أن نستنسخ نظام الأحزاب في الدول الغربية. لكننا يجب أن نطور أحزابنا بما يتلاءم مع طبائع مجتمعاتنا وبما يناسب مصالحها الجوهرية. وأشار إلى أن "الأردن مثالاً فيه أكثر من 26 حزبًا، يمكن اختزالها في عدد أقل بكثير ضمن برامج موحدة تتناسب واتجاهاتها الأيدولوجية، لذلك فهي ليست فاعلة في الحياة السياسية"، وفق ما قال الخصاونة.
وأوضح أن "الأردنيين عقب الاستقلال في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم كانوا يمارسون تقاليد سياسية متقدمة ولديهم ديمقراطية محترمة، ما لبثت أن خبت وقمعت عن طريق حظر الأحزاب وقمع المعارضة مما حرم المواطنين من تنمية وتعميق تجربتهم الديمقراطية".
وأكد أن هذا شأن يلام فيه النظام السياسي نفسه الذي قال يومًا "إن الأردنيين ليسوا جاهزين للديمقراطية ولا يميزون بين اليمين واليسار السياسي".