الجلوس بالساعات أمام شاشة الكمبيوتر أصبح عادة
مصرية لكل شخص يريد تحميل مقطع فيديو لا تتجاوز مدته دقائق معدودة؛ وقد يحدث المحظور وينقطع الاتصال فجأة، وبدون سابق إنذار قبيل إتمام عملية التحميل.
يتصل العميل بخدمة العملاء؛ فتزداد المشكلة تعقيدًا، فالرد ثابت لا يتغير مهما اختلفت الأسباب.. "من فضلك يا فندم، أغلق الراوتر وأعد فتحه مرة أخرى".
هي مواقف تتكرر "ملايين المرات" مع وصول أعداد مستخدمي الإنترنت في مصر لـ37 مليونًا، مع نهاية شهر أيلول/ سبتمبر 2013، وفق بيانات وزارة
الاتصالات، ما جعل يوميات الشباب المصري مع شركات الإنترنت حافلة بـ"الذكريات المرة" التي رأى مجموعة منهم أنها في حاجة إلى "ثورة تصحيح".
أول تداعيات الثورة كان إطلاق "حملة إلكترونية" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" نجحت في أن تجمع حولها أكثر من 170 ألف مشترك، حتى موعد كتابة التقرير، فضلا عن أكثر من 44 ألف تغريدة على موقع "تويتر". وقد بدأت الحملة التى أطلق عليها "ثورة الإنترنت" أولى أنشطتها بالترويج لملصق دعائي يطلع رواد الشبكة بأسبابها وإلى ما ترمى إليه .
أما الأسباب فكانت غلاء خدمات الاتصالات في مصر مع سوء الأداء؛ وتردّي البنية التحتية في بعض مراكز الاتصالات بالجمهورية؛ فضلا عن ترويج الشركات لعروض وهمية لجذب العملاء.
وبالنسبة للأهداف فكانت خفض أسعار الخدمة لتتساوى مع الأسعار العالمية مع الارتقاء بجودتها؛ فضلًا عن منح العملاء دقائق وكروت مجانية تمكنهم من مشاهدة القنوات المشفرة.
القائمون على الحملة أكدوا، من خلال صفحتهم الرسمية على فيسبوك، أن معركتهم الحقيقية تتمثل في تنمية وعي المواطن المصري تجاه ما اعتبروه استغلالا له؛ وعليه قاموا بعرض أسعار خدمات الإنترنت في غالبية دول العالم، مع مقارنتها بمثيلاتها في مصر.
وكانت أبرز هذه المقارنات، ما تم مع دولة المغرب، نظرًا لتشابه الظروف مع مصر، من حيث ضعف البنية التحتية لمراكز الاتصالات، وكذا عدم اعتماد غالبية المشتركين هناك على برامج مثل برنامج "فايبر"؛ ومع ذلك فإن سرعة الإنترنت لديهم تبدأ من 4 ميغا بايت، وبتكلفة 99 درهم مغربي، أي ما يعادل 84 جنيها مصريا (12 دولارا)، أما في مصر فتبدأ السرعة من 512 كيلو بايت، نحو نصف ميغا، بسعر يقارب الـ 100 جنيه (14 دولارا)؛ ما يعني أن شركات الاتصالات في المغرب تقدم لمواطنيها خدمة اتصال تعادل 8 أضعاف سرعة الإنترنت التي تقدمها مثيلاتها في مصر، وبسعر أقل.
القائمون على الحملة قاموا بالتواصل مع وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري د.عاطف حلمي، من خلال صفحته الرسمية على فيس بوك، لعرض مطالبهم؛ إلا أن القائمين على الصفحة قاموا بحظرهم جميعًا ومسح تدويناتهم، وذلك على حد قولهم .
منذ الدقائق الأولى لنشأتها، حرصت "ثورة الإنترنت" على تبرئة ساحتها من الانتماء لأي تيار سياسي؛ مؤكدة على أن هدفها الأول "إيقاف الفساد" في قطاع الاتصالات المصري، فكما يرون، فإن "المواطن البسيط" هو من يدفع الثمن.
سريعا تفاعل الشباب مع الحملة، وبدأوا في استبدال صورهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بأخرى تحمل شعارات الحملة، مع ترديد هتافات ساخرة مثل "علّي وعلّي وعلّي الصوت... عايزين بقى الداونلود"، و "عيش، حرية، باقة مجانية".
محمد السيد، من أبرز المشاركين في الحملة، يقول للأناضول: "أكثر شيء يستفزني كعميل لدى إحدى شركات الإنترنت هي أنها ترفع شعار «ادي الإنترنت لأصحابه» وتجربتي معهم طوال 6 سنوات أكدت أنهم لا علاقة لهم بالإنترنت"، بحسب تعبيره.
علي عبدالمنعم، مشترك أخر بالحملة، أفاد للأناضول: " كلما تذكرت عدد المرات التي اتصلت فيها بخدمة العملاء؛ اقتنعت بأن مسألة حل مشكلة قطع الإنترنت– من وجهة نظر الشركة مزود الخدمة– يكمن في غلق جهاز الراوتر وإعادة فتحه مرة أخرى، أشك في قواي العقلية".
بينما اقترح عبدالرحمن سمير أن يتم الضغط على شركات الإنترنت من خلال تقليل عدد المشتركين فيها؛ بحيث يتجمع قاطني كل عمارة سكنية في اشتراك واحد وذلك لتكبيد شركات الإنترنت خسائر تدفعهم لأن يستجيبوا لمطالب العملاء، ما دامت النتيجة واحدة وهى بطء السرعة.
ومن جانبه، قال أحمد عمر: "تقدمت بطلب لأحصل على عرض (8 ميغا بايت ) منذ عدة أشهر، إلا أنه لم يتم توفير هذه السرعة حتى الآن، رغم أنني أدفع ثمنها، وكلما اتصلت بخدمة العملاء يعتذرون لى ويعدوننى بتعديل السرعة خلال أيام، وهو ما لم يحدث".
أما المطرب الشاب أحمد سليمان، فقد تفاعل مع الحملة، بشكل مختلف، إذ قام بتقديم أغنية على نغمات موسيقى الراب تشرح بأسلوب لطيف، وبكلمات بسيطة، سبب ثورتهم. سليمان أوضح أن سبب تحمسه للفكرة أنها تمثل ثورة على كل أنماط استغلال المصريين.
ومن جانبه، عبر المهندس إيهاب سعيد رئيس شعبة الاتصالات بالغرفة التجارية بالقاهرة، عن رفضه لثورة شباب مواقع التواصل الاجتماعي ضد شركات الإنترنت، مؤكدا أن مقاطعة الإنترنت أمر غير منطقي.
وقال سعيد في تصريحات صحفية، أن مصر تعيش أزهي عصور الإنترنت منذ دخوله إلي البلاد، حيث يتم توفير سرعات أعلي بثمن أقل، مشيرا إلي أن كثرة عدد شركات الإنترنت يأتي في مصلحة العملاء.
وعن ضعف الجودة المقدمة من الشركات، أوضح رئيس شعبة الاتصالات، أن الأمر يعود إلي الانقطاع المستمر للتيار الكهربي، والغياب الأمني، وهو ما أدى إلى سرقة الشبكات، كما بم ينسى أن يضيف أزمة السولار التي تعاني منها البلاد منذ فترة.
وفي تصريح لوكالة الأناضول علق الدكتور طلعت عمر خبير الإنترنت والاتصالات على حملة "ثورة الإنترنت" قائلا: "بداية دعونا نعترف بأن الشباب محق تماما في مطالبه، وهذا ما حذرنا منه منذ سنوات، حينما أردنا أن نلفت انتباه الشركات إلى أن أسعار الاتصالات في مصر مرتفعة جدا، خاصة بعدما أتاحت ( غوغل فويس ) خدمة الاتصال على مستوى العالم بـ17 سنتا لأقصى مسافة دولية في العالم " .
وأوضح عمر أن انخفاض الاتصالات في العالم كله، يأتي لسببين أولهما انخفاض أسعار التقنيات المستخدمة، وثانيهما وجود إدارة بشرية رشيدة لهذا التطور؛ أما في مصر فهناك خلل كبير في هذا الجانب .
واختتم كلامه بقوله: "خدمات الإنترنت السلكي واللاسلكي في مصر باهظة الكلفة جدا رغم وجود تعددية تنافسية في السوق؛ إلا أن هذا التنافس لم يصب في صالح العميل لأننا لم نجار تجارب العالم التى أصبحت كل دولة فيه تقدم هذه الخدمات لمواطنيها من خلال استخدام تكنولوجيات شديدة التطور أدت إلى انخفاض سعر الخدمة على العميل؛ أما في مصر فلا زلنا نعاني من استخدام تكنولوجيا قديمة، وهو ما انعكس على أسعارها، بشكل يمثل استغلالا للعميل المصري، رغم ظروفه الاقتصادية المتردية".