ناقش إريك تريغر وغيلاد وينيغ من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في مقال نشرته مجلة "
فورين أفيرز" التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، فرص نجاح المشير عبد الفتاح
السيسي في إدارة البلد وإمكانية مواجهته سخطا شعبيا يطالب بالإطاحة به كما حصل مع سلفه محمد
مرسي الذي قاد هو انقلابا ضده، ومن قبله حسني مبارك الذي أطيح به بمساعدة من الجيش.
ولا يستبعد الكاتبان إمكانية فشل السيسي في إدارة الدولة باعتباره المرشح الأقوى لانتخابات الرئاسة، ولا يستبعدان فقر السيسي وعدم وجود برنامج لديه لإصلاح
مصر. لكنهما يؤكدان أن السيسي يختلف عن مرسي اختلافا كليا، وصعود الأول السريع من بيروقراطي عسكري لرمز قومي يعكس مزاجية المصريين بالدرجة الأولى، وكيف نظر المصريون لمرسي باعتباره ابن الجماعة التي اتهمت بمحاولة "أخونة" الدولة.
من داخل المؤسسة العسكرية
وفي مقال تحت عنوان "السيسي الذي لا يقهر"، يناقش الكاتبان الأسباب التي ستمنح حكم السيسي الديمومة أكثر من مرسي الذي لم يستمر في الحكم 12 شهرا. وهذه الأسباب تنبع من كون السيسي ابن المؤسسة العسكرية، ومن يسيطر الآن على مصر همْ رفاقه وأصحابه، والعسكر الذي يتحالفون مع الأمن والمؤسسة القضائية، والتي حصلت كل واحدة منها على مميزات لحماية مكتسباتها في الدستور الجديد. ويقول الكاتبان "ليس مستغربا تراجع دعم السيسي سريعا بعد فوزه بالرئاسة. وقد تشهد مصر احتجاجات جماهيرية واسعة، لكن ذلك لا يعني مواجهة السيسي نفس المصير الذي لقيه مرسي، وحتى لو واجه السيسي انتفاضة، فهناك عدد من الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن حكمه سيكون مستمرا أكثر من أسلافه، وأكثر ديمومة من المرشحين الآخرين".
وبعيدا عن تصنيفات الكاتبين للسيسي باعتباره "رجل دولة" ومرسي "رجل جماعة"، ويعنيان أن من حكم مصر منذ عام 1952 أي بعد ثورة الضباط الأحرار، باستثناء مرسي، جاءوا من المؤسسة العسكرية أو القضائية اللتين دعمتا الانقلاب على مرسي في صيف العام الماضي. مع ذلك ورغم أن الكثير من المصريين يفضلون القادة ممن ينطبق عليهم وصف "رجل دولة"، إلا أن دعمهم ليس دائما، فحتى عندما بدأت شعبية مرسي بالتراجع في آذار/ مارس العام الماضي كانت هناك نسبة 3% فقط من المصريين تريد وزير الدفاع أو رجلا عسكريا آخر كرئيس"، وذلك حسب استطلاع أجراه مركز البصيرة".
وينقل الكاتبان هنا إحصاءات عن مركز إبن خلدون التي تقول إن دعم المصريين للسيسي ليس كبيرا، ويصل 54.7% وهي نسبة ليست عالية في ظل صوره التي تنتشر في كل مكان، من البيجامات إلى الشوكولاتة.
ويضيفان "باعتبار التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية التي ستواجه السيسي عندما يصبح رئيسا، فالتظاهرات الصغيرة المعادية للجيش قد تتحول إلى احتجاجات جماهيرية".
من المغري القول إن مظاهرات مثل هذه قد تهدد سلطة السيسي لأنها أطاحت في النهاية بحكم مرسي ومبارك، لكنها وحدها لم تكن كافية لإخراج كلا الرجلين من الحكم. ففي مصر عام 2011 رأت القيادة العسكرية في المظاهرات وسيلة جيدة لمنع مسلسل التوريث لابن مبارك جمال الذي لم تكن تثق به. وفي عام 2013 عارضت مؤسسات عدة أهمها وزارة الداخلية ومؤسسات الأمن والقضاء محاولات الإصلاح التي رأت فيها محاولة "للأخونة".
مقارنة مع هذين الوضع فمؤسسات الدولة ستكون أقل ميلا للخروج على السيسي والإطاحة به لسببين.
الشرطة والقضاء
الأول: وحدة مؤسسة الشرطة والقضاء في النظر للسيسي ومنظوره لتولي الرئاسة كحصن ضد الإخوان المسلمين، وخط دفاع أول ضد أية محاولة من محاولات الإخوان للانتقام من مرحلة ما بعد الانقلاب. وأشار الكاتبان هنا للمديح الذي كاله وزير الداخلية محمد إبراهيم للسيسسي في كانون الثاني/ يناير أثناء احتفالات يوم الشرطة التي حضرها المشير السيسي، حيث وصف بالرجل بأنه "لا مثيل له"، والذي دعم قوات الأمن في جهودها لتحقيق الاستقرار، والمعركة ضد الإرهاب وتحقيق الأمن في مصر. ويقول التقرير إن الدستور الجديد منح سلطات غير مسبوقة للشرطة والقضاء والجيش وبالتأكيد ستقوم هذه المؤسسات بتعزيز المزايا التي حصلت عليها والالتزام بدعم النظام الذي سيتزعمه السيسي. خاصة أن الأخير قضى وقتا خلال السبعة أشهر الماضية في التواصل مع رجال الدين ورجال الأمن والمخابرات للتأكد من دعمهم له.
علاقات السيسي برموز العسكر والأمن
أما السبب الثاني فيتعلق بأن قادة الأجهزة الأمنية والاستخبارات سيكونون أقل ميلا للإطاحة بالسيسي أكثر مما كانوا مستعدين أثناء مبارك أو مرسي. فالكثيرين منهم هم زملاء ونظراء السيسي، وهو من نفس جيله وجيل معظم أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وتمتد علاقته معهم ورموز مؤثرة إلى عقود سابقة. مثلا تعود علاقة السيسي والمرشح لتولي وزارة الدفاع بعده صدقي صبحي لأيام الدراسة في الأكاديمية العسكرية في السبعينات من القرن الماضي، ومثل السيسي بدأ صبحي حياته العسكرية في وحدة المدرعات، ثم واصل دراسته في كلية الأركان وأكاديمية ناصر العسكرية ودرس في كلية الحرب الأمريكية في بنسلفانيا. كما أن معظم الجنرالات في التسلسل القيادي تم تعيينهم بعد تولي السيسي وزارة الدفاع عام 2012. وبنفس السياق فإن حلفاء السيسي وأصدقاؤه يحتلون مناصب مهمة داخل المؤسسة الأمنية المصرية، فمدير الاستخبارات العسكرية محمود حجازي، ليس صديقا للسيسي من أيام الدراسة والعمل في وحدة المدرعات فحسب، بل إن ابنته متزوجة من ابن السيسي. كذلك مدير المخابرات العامة، محمد فريد التهامي الذي كان أستاذا وأبا روحيا للسيسي حين كان مديرا للمخابرات العسكرية، فسمعة التهامي كمتطرف ومتشدد فيما يتعلق بالإسلاميين تجعل من تحركه ضد السيسي حالة حدوث انتفاضة أمرا مستبعدا.
مظاهرات وفشل
طبعا هذه العلاقات لن تمنع حدوث مظاهر قلق واضطرابات في البلاد، لأنها تؤثر على قدرة السيسي على التعامل مع الاقتصاد المصري المنهك. فرغم الأموال التي ضختها دول الخليج في مصر، إلا أن مستقبل اقتصادها قاتم. ويتوقع صندوق النقد الدولي نموا للاقتصاد بنسبة 2.8%، لكنها أقل من نسبة خمسة بالمئة التي يحتاجها للتقليل من حدة البطالة، يضاف إلى هذا سياسة التحفيز التي تتبعها الحكومة المؤقتة وتراجع هذه السياسة سيأكل الكثير من الاحتياطي المصري الذي انخفض من 18.9 مليار دولار أمريكي إلى 17.1 مليار دولار أمريكي، ويعني تواصل انخفاضه تعقيد مهام الحكومة لشراء الوقود الذي تبيعه للمواطنين بأسعار مدعومة. وهو ما سيؤدي إلى عودة طوابير الغاز وقطع التيار الكهربائي التي رافقت الأيام الأخيرة من حكم مرسي وبالتالي عودة المظاهرات. ولكن المؤسسات الرئيسة ستدعم الرئيس لأنها لن ترضى بانتفاضة جديدة ثمنها سيكون مكلفا وقد تؤدي لعودة الإخوان.
وفي النهاية فحصانة السيسي لا تعني أن مصر ستكون مستقرة في عهده، بل العكس، لأن حقيقة دعم المؤسسات الرئيسية له تعني ممارسة قمع ضد أي انتفاضة في المستقبل. والخيار الوحيد أمام السيسي هو بناء سياسة تتوجه نحو المصريين ومشاكلهم الاقتصادية، ولكن الوقت لن يمضي سريعا قبل أن ينفذ صبرهم وينفجر الغصب "بين رجل الدولة والشعب".