شباب يخرج فى رحلة مشى لاستكشاف بلاده، وفى جبل سانت كاترين تقوم عليه عاصفة ثلجية فيضل الطريق. أجهزة الدولة لا تحاول إنقاذه. حتى كتابة هذه السطور توفى منهم ثلاثة: هاجر أحمد، وخالد السباعى، وأحمد عبدالعظيم.
شباب ينشئ محطة
راديو محلية، راديو ترام بالإسكندرية، تذيع الأخبار والأغانى وتعمل على إنشاء شبكة تواصل حرة وموقع ثقافى بديل خارج العاصمة ــ ومعهم كل الرخص والتصاريح المطلوبة ــ تداهمهم قوات الأمن، وتستجوبهم (ومعظمهم يعمل بشكل تطوعى) حول توجهات الراديو وتوجهات المسئولين عنه وأسمائهم وميولهم السياسية وعن استضافة الراديو أو عدم استضافته لنشطاء سياسين. ثم يأمرونهم بالتوجه للأمن الوطنى لفتح ملف لهم. وفى الأمن الوطنى يحذرونهم «لو بتخلوا بالكم مرة، من هنا وجاى تخلوا بالكم مرتين وتلاتة».
شباب يجاهد على الاحتفاظ بجامعته، جامعة النيل، ويصل إلى حكم قضائى نهائى غير قابل للطعن من الإدارية العليا بأحقية الجامعة فى كامل أراضيها ومبانيها، وتظل الحكومة فى تعاون ضد
الشباب مع العالم الكبير الدكتور أحمد زويل ومحاميه الكبير الأستاذ مرتضى منصور.
شباب فى جامعته، جامعة القاهرة، يصر على حضور امتحاناته رغم القلق فى الخارج، فيقبض عليه الأمن وهو مروح، وبالرغم من وجود اسمه فى سجل كنترول الامتحان، وبالرغم من شهادة أساتذته بوجوده فى الامتحان، يتحبس، ويتجدد له الحبس، ويحرم من باقى امتحاناته.
شباب يخرج فى 25 يناير ليحيى ذكرى ثورته ويعلن إصراره على مبادئها ومطالبها من عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، يقتل ويعتقل. شباب يخرج عشان يتفرج يقتل ويعتقل. شباب ماشى فى الشارع لأى سبب، يقتل ويعتقل.
عرفنا يوم الثلاثاء خبر نجاح سيد عبدالله محمد عطية فى التيرم الأول فى قسم الإرشاد، كلية الآداب، جامعة القاهرة. لكن سيد هو «سيد وزة»، عضو 6 أبريل ذو الابتسامة الجميلة الذى قتلته الداخلية فى وسط البلد يوم 25 يناير. ذهبنا وقتها إلى عزائه فى حلمية الزيتون، وكان الشارع يموج بأصدقائه: شباب بيبكى وشباب غاضب وفوق رءوسنا جميعا تلك الراية البيضاء المميزة؛ والمرة دى السنارة عليها صورة سيد. أمه الجالسة فى القاعة الملحقة بالجامع سيدة قوية ذات حضور، لا تبكى، فقط تكرر: كان عود أخضر. يقتلوه؟
كام «عود أخضر» قتلته الدولة الأمنية؟ وعذبت كام، وضربت وحبست كام؟ وظلمت كام؟
لا يمر يوم الآن بدون أخبار عن إساءات الدولة للشباب وعدوانها عليه.
نعرف الأسماء الكبيرة: ماهينور المصرى، حسن مصطفى، إسلام حسنين، عمر حاذق، لؤى القهوجى: سنتين وغرامة خمسين ألف جنيه لوقوفهم على باب المحكمة للإصرار على حق خالد سعيد.
شريف فرج، سفير الشباب المصرى تحت سن 30 سنة بمؤتمر «سفيرلاب» الفرنسى ومنسق اتحاد شباب هيئة التدريس بالجامعات المصرية، والمقبوض عليه من منزله فى نوفمبر والمتهم بقتل متظاهرين وسرقة بنك وحرق كنيسة وبيتجدد حبسه 15 يوما فى 15 يوما ولا يحاكم.
أحمد دومة، وأحمد ماهر ومحمد عادل. خالد السيد وناجى كامل. علاء عبدالفتاح اللى كمل 83 يوما فى ليمان طرة فيما يسمونه بالـ«حبس الاحتياطى» والدولة تسوف فى تحديد جلسة لمحاكمته وفى السماح للمحامين بالاطلاع على ملف القضية.
ثم هناك آخرون: أحمد عبدالرحمن، الشاب الذى كان يمر بجوار مظاهرة مجلس الشورى فتدخل لحماية المتظاهرات وكان يضربهن رجال يلبسون المدنى. شباب محبوس من أسوان والفيوم والمنصورة. شباب ــ أطفال حتى ــ من المحلة:
«قال أهالى عدد من المعتقلين إن ابناءهم الأطفال بين (ثالثة اعدادى وثالثة ثانوى) تعرضوا لتعذيب بشع على يد (...) قسم أول المحلة وصل إلى حد اشعال الشماريخ فى اجسادهم، قبل ان يرسلهم لسجن طنطا، حيث تم هتك عرض بعضهم».
وده كله جزء بسيط جدا من اللى بيحصل دلوقتى فى بلدنا. راجع صفحة حملة «الحرية للجدعان» لمعلومات أكتر.
الحرب على الشباب ليست جديدة، جريمة قتل خالد سعيد كانت أحد أعراضها، تعذيب وقتل الناس فى أقسام البوليس كانت من أعراضها، شبابنا اللى مات وهو بيحاول يهرب من البلد فى الصحراء أو البحر كانوا من نتائجها.
الحرب هى هى، فى الرزق والتعليم والصحة، فقط نراها اليوم بشكل أكثر درامية وأكثر تكثيفا.
الدولة تقول للشباب: لا تحتج، لا تنتقد، لا تطلب أو تطالب، لا تبادر، لا تحب جامعتك، لا تنضم إلى عمل جماعى، لا تذهب إلى الرحلات، لا تدافع عن تراثك، لا تتدخل لحماية شخص فى الطريق، لا تشجع فريقك، لا تبدع، لا تخترع، لا تتطوع. طبل وارقص وشارك فى الانتخابات حين نطلب هذا منك، وغير ذلك أقعد ساكت ووشك فى الحيط.
كتبت هذا المقال صباح الأربعاء، وكانت نهايته: «محمد رمضان ما زال تائها فى جبال سانت كاترين، الدولة لم تتحرك لإنقاذه، وشركة المحمول لم تتحرك لتقتفى أثر هاتفه، والشباب يغرد: «الطيارة مستنية الاوامر، وفودافون مستنيين المحضر، ومحمد رمضان فى نص العاصفة من مبارح مستنيهم يعملو شغلهم! فيلم رعب». محمد رمضان مخرج سينمائى شاب، الكل يتحدث عنه بمحبة واحترام. محمد رمضان ماقعدش وشه فى الحيط، خرج فى رحلة مشى لاستكشاف بلاده، وقبل كده خرج واشتغل وصور، وكمان اتطوع فى مجموعات التدخل ضد التحرش. ولسه فى أمل يرجع لأهله وأصحابه وشغله. يا رب». والآن، بعد نصف ساعة من كتابة هذه الكلمات، عُثِر على جثمان محمد رمضان. أنهى، إذن، بالدعاء له ولأهله، وبتغريدة أطلقها هو يوم 15 يناير: «الدولة العجوز تقتل صغارها».
(الشروق)